ثقافة صحية

كورونا وثقافة حافظ علي نفسك بنفسك!

محمود محمد عليخلال الشهور الماضية علمتنا التجربة أن فيروس كورونا المستجد لا يميز بين جنس أو لون أو نوع أو سن، ولا يقف عند حدود دولة أو قارة، أو عند باب مسؤول أو مواطن عادي، ولا يفرق بين مشهور ومغمور، ولا شريف ووضيع، بل يتحين الفرص ليتسلل إلى أي منزل في أي مكان وفي أي وقت، ليفتك بأفراده وبمن حولهم.

ولذلك وجدنا العديد من الحكومات في مجتمعاتنا الشرقية لم تتوان الحكومة في تعليق الدراسة بالجامعات والمدارس، لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد، ولم تتردد في تقليص عدد الموظفين بالجهاز الإداري لذات السبب، فيما بادر القطاع الخاص في تقليل عدد الحضور من الموظفين لمنع الاختلاط والزحام، حفاظاً على حياة نفس، من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً..

بُوح صوت المسئولون والعاقلون والمخلصون، مناشدين المواطنين الالتزام في منازلهم، وعدم النزول للشارع إلا للضرورة القصوى، لا سيما أن معظمهم غير مطلوبين للنزول للعمل أو الدراسة، وأن رواتبهم لم تتوقف ولن يتم خصم شيء منها، مع توفير كافة الاحتياجات لهم، وإطلاعهم بالوضع لحظة تلو الأخرى.

ورغم حزمة الإجراءات الوقائية التي لجأت إليها معظم دول العالم  في محاولة للسيطرة على انتشار هذا الفيروس بالحد من اختلاط الأفراد ومنع الزحام والتجمعات، وأهم هذه الإجراءات حظر التجوال، فإن هناك بعض الظواهر السلبية الخطيرة تحدث في مجتمعاتنا الشرقية، تتعلق بسلوكيات فردية ومفاهيم وثقافات مجتمعية، قد تهدد بسرعة تفشي هذا المرض واتساع دائرة انتشاره، فبعض الأشخاص يتصف باللامبالاة، فلا يكترث للإجراءات الوقائية المطلوب مراعاتها لتجنب هذا الوباء، في تصرفاته الشخصية، وخلال تعامله مع الآخرين، بل يزايد ويستشهد عن سوء فهم بقول الله تعالى: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". .

ففى الوقت الذى اتخذت فيه الحكومة العديد من الإجراءات الاحترازية للوقاية من انتشار فيروس كورونا المستجد،وتحمل الدولة خسائر كبيره فى كافة القطاعات من أجل الحفاظ على حياة المواطنين نجد البعض مازال يتعامل مع الأزمة التى تعد الاصعب على مدار تاريخ البشرية، بعدم اللامبالاة والخروج فى الشوارع والتزاحم فى شراء المنتجات الغذائية بشكل مبالغ أو التزاحم فى المواصلات العامة دون أدنى مسؤولية وعدم مراعاة بأن ذلك قد يعرض حياته وحياة أسرته للخطر، فى حالة لا قدر الله تواجد شخص مصاب فى الأماكن التى تشهد تزاحم بين المواطنين ..

وللآسف.. البعض يتعامل مع الاجازة على أنها فرصة للترفيه وزيارة الأقارب والجلوس بأعداد كبيرة، وربما إقامة الأفراح، فيما استنصح البعض وقرر الذهاب لبعض الجهات الحكومية لإنهاء أوراق خاصة به متأخرة منذ عدة شهور.

الآن ماذا نفعل؟ ارتفاع وتيرة انتشار المرض بات لافتاً.. حتى للفئات المستهترة.. الانضباط بالإلزام بارتداء الكمامة، وإلا التعرّض للغرامة صدر.. وهذا إجراء مهم جداً يتطلب معه رقابة شديدة على مصانع ومنافذ بيع الكمامات وإلزامها بالسعر ودخول الدولة نفسها بمؤسساتها على خط الإنتاج والتوزيع.. لكن يبقى القول وبكل صراحة أن ذلك ليس كافياً.. ارتداء الكمامات لن يكون مع حالة الوعى السابق الإشارة إليها محل انضباط فى الأماكن الشعبية، ولا فى الشوارع الجانبية، فى الأحياء الراقية، ولا فى الريف كله، ولا بين الأسر الواحدة والعائلات، بل ولن يكون محل انضباط فى كثير من الأماكن التى ستشهد تساهلاً فى التطبيق، مثله مثل المرور وعقوباته!

الحل أن يتم ذلك جبراً.. الحل أن يستمر الحظر الشامل فترة أطول من فترة العيد.. الحل أن يشعر الناس بالخطر ويتعاملوا مع الأمور بجدية، خصوصاً فى أوقات غير أوقات العيد ينتظرون فيها قضاء مصالحهم.. أسبوع إضافى قد يكون حلاً ضرورياً يحد من الانتشار المتزايد للمرض ويسمح بالتقاط الأنفاس فى القطاع الطبى الذى سيوفر له الأسبوع الإضافى المطلوب لترتيب صفوفه وإنجاز ما لا يستطيعون إنجازه فى ظل زيادات يومية، كما سيسهم ذلك فى تقليل الأعداد المصابة يومياً وعلى مدار أسبوعين أو على الأقل ستسهم فى تقليلها بعد انتهاء الأسبوعين.. وهذا كله مطلوب وبقوة قبل فتح المجال واسعاً للتعايش مع كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها.. بل نراه الحل الأسرع الذى سيسهم فى ضبط حركة المرض.

لذلك يجب على وسائل الإعلام أن تبرز الدور التوعوي للمؤسسات الدينية مثل دار الإفتاء والأزهر الشريف والكنيسة، وأن تضع ضمن أهدافها تغيير مفاهيم الناس بالنسبة للإصابة بهذا المرض، وإفهامهم أن الوباء لا يمثل عيبًا أو عارًا على صاحبه، وإنما هو ابتلاء قد يتعرض له أي شخص، وأن الشخص المصاب الذي لا يبلغ عن إصابته يحمل وزر نفسه ووزر كل من يتسبب في عدواهم، لاسيما أن دار الإفتاء كانت سباقة بفتوى أن الالتزام بالتعليمات الصحية والوقائية التي تقررها وزارة الصحة والمؤسسات المعنية، من الواجبات الدينية.

كذلك يجب على وسائل الإعلام أن تخاطب المواطن بهذه اللغة فتقول: ما الذى يجعلك تخرج من منزلك طالما أنك لست مضطرا للذهاب الى عمل فى أماكن حيوية أو خدمية أو لعدم استطاعتك فى الحصول على إجازة أو مضطر لشراء سلع غذائية أو أدوية، وما الذى يجعلك لا تحرص على حماية نفسك أو حماية أسرتك، لأنك ببساطة لو لا قدر الله تعرضت للإصابة فبسهولة شديده ستنقل الفيروس لأقرب المقربين وهما أولادك وأسرتك وكل من حولك .

لا شك في سلوكيات الكثير من المواطنين تحتاج الى تغيير سريع لان استمرار البعض فى الاستهتار، والنزول من المنازل دون حاجه ضرورية سينبأ بكارثة كبيرة نحن فى غنى عنها، ولكن ما ينبغى التأكيد عليه هو أن المواطن عليه مسؤولية كبيره لحماية نفسه وأسرته ثم وطنه بتنفيذ القرارات والتعليمات فى هذا الشأن الصادرة وإلا سيجد نفسه على خط الإصابة لا قدر الله.. وذلك كما قال مدحت وهبة في مقاله سلوكيات المصريين مع أزمة كورونا تحتاج تغيير سريع.

لذا، أناشد السادة المسؤولين في الدول العربية والغربية :بتشديد الرقابة على تنفيذ قرارات الدولة بتجنب الاختلاط و الزحام بأوقات ما قبل الحظر منعاً  لانتشار الفيروس تحديداً بالمواصلات العامة والوحدات الصحية قدر الإمكان، إذ كانت أهم القرارات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة و التي أزاحت خطرا كبيرا محتملا، هي إغلاق المقاهي والكافيهات والملاهي والمطاعم تماماً.. كما أناشد الجميع  بالصبر  والانصياع لتعليمات الوقاية أياً كانت درجة قسوتها التي أعلم  جيداً  أنها قاسية علينا جميعاً، فلنعلم أننا دولة كبيرة تعداد سكانها تخطي المائة مليون، يفتقد كثيراً من مواطنيها الوعي المطلوب بخطورة الموقف، الذي إن اجتاح  مناطق  وشرائح  معينة من المجتمع خرج عن السيطرة .

فلنقف جميعاً  جنوداً مجندة بميدان حرب خفية لا نملك أسلحة القضاء عليها  إلا بالصبر والإيمان والالتزام  بما هو بأيدينا من سبل الوقاية و تعليم  أخوتنا ممن لا يملكون الوعي والمعرفة الكافية، حتى ننجو بإذن الله عما قريب من هذا الغم،  ويرفع الله بفضله ورحمته عنا البلاء.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

......................

المراجع

1- محمود عبدالراضى : الإجازة في زمن الكورونا..(مقال).

2- سيد محمد زكى : عار "كورونا"..(مقال).

3- مدحت وهبة : سلوكيات المصريين مع أزمة كورونا تحتاج تغيير سريع"..(مقال).

 

في المثقف اليوم