ثقافة صحية

مماحكات في زمن اللقاحات

عامر هشام الصفاركان من أهم التطورات الطبية التي شهدها العام الماضي هو سرعة أستجابة العلماء لفايروس الكورونا الذي أصبح وباءا في الأرض، وذلك من خلال التوصل الى اللقاحات المضادة للفايروس للحد من خطورته على الأنسان. فقد أجازت بريطانيا مثلا ومن خلال دائرة الرقابة على الأدوية والمستلزمات الطبية ثلاثة لقاحات هي لقاح شركة فايزر/البايونتك، ولقاح جامعة أكسفورد/شركة أسترازينيكا ولقاح شركة موديرنا. وهي لقاحات رغم أختلافات تقنيات أنتاجها، الاّ أنها كلها قد أثبتت فعالية ضد الفايروس بنسبة تتجاوز 80% في الأشهر الثلاث الأولى من أعطائها للشخص وبما يتجاوز ذلك ليصل الى 95% فيما بعد.. وقد أجريت التجارب السريرية على اللقاحات ليكون التلقيح بجرعتين على أن تفصل فترة زمن تتراوح بين 3-4 أسابيع بين جرعة وأخرى..

وكانت المماحكة الأولى عندما قررت السلطات الصحية المختصة في بريطانيا من أعطاء الجرعتين من اللقاح بفارق زمني يبلغ 12 أسبوعا بدل 3 أسابيع (وهي المدة التي قررتها الشركة حسب تجربتها على اللقاح قبل أجازته)، حيث أعلن المستشار الطبي في مجلس الوزراء البريطاني عن خطة البلاد للتلقيح، وبررّها علميا وقال أن تأثير اللقاح بالفاصل الزمني ال 12 اسبوعا سوف لا يحّد من تأثير اللقاح نفسه أن لم يكن يعززه. ولم يعترض فريق منظمة الصحة العالمية على الأمر، وينتظر الجميع نتائج البحوث من داخل أروقة دوائر الصحة في بريطانيا لألقاء المزيد من الضوء على الموضوع.

 أما المماحكة الثانية فجاءت عندما رأت أوروبا أنها تخلفت عن بريطانيا في الحصول على كميات تكفيها من لقاح شركة استرازينيكا/أكسفورد.. فكان أن قررت من جانب واحد فرض قيود على أخراج اللقاحات المصنعّة في بلجيكا مثلا لتصل الى بريطانيا.. وما زالت النقاشات الحامية تدور في أروقة السياسيين في الأتحاد الأوروبي وفي بريطانيا التي خرجت من الأتحاد، لأيجاد حل لمشكلة النقص بجرعات اللقاحات..فحول هذا اللقاح بالذات تدخل رئيس فرنسا ماكرون، فقال أن لقاح أسترازينيكا/أكسفورد أنما تأثيره قليل في أعطاء المقاومة اللازمة للأنسان ضد الكورونا..في حين صرح بعض الأطباء في ألمانيا من أن هذا اللقاح سوف يكون في تأثيره على المسنين أقل من لقاحات أخرى..والمنطق العلمي يقول أنه في الحقيقة لقاح فعال وأمين ومفيد ورخيص في الثمن..ولكن للسياسة دورها فيما صرّح به رئيس فرنسا، وفيما قال به الأطباء الألمان. فهم في ألمانيا ينتجون لقاحهم الخاص بالتعاون مع شركة فايزر، وهو الأمر المعروف، مما يجعلنا ننتبه الى ما قاله البارحة المستشار الطبي في الأتحاد الأوروبي والذي أجاز لقاح استرازينيكا/ أكسفورد وقال بأن لا مانع لدى الأتحاد من أستعماله على سكان أوروبا بما فيهم أهل ألمانيا وفرنسا ولمن هم فوق ال 65 عاما عمرا.   

ثم جاءت المماحكة الأخرى حيث كان لشرقنا الأوسط فيها نصيب. فقد صرحت منظمة الصحة العالمية قبل أيام قلائل من أن للمنطقة كلها بعديد سكانها ما يبلغ ال 25 مليون جرعة فقط من لقاحات الكورونا ليس غير.. ولم يضع المسؤولون في المنظمة جدولا زمنيا لتوزيع لقاحاتهم القليلة هذه على الناس.. ثم أن رئيس منظمة الصحة العالمية نفسه قد دعى حكومات الدول الغنية الى عدم الأستئثار باللقاح، حيث وصف ذلك بالشأن الذي له آثاره الكارثية على الصحة وعلى أنتشار الوباء في العالم.. فمن الضروري تلقيح الجميع وبالسرعة الممكنة حتى نتمكن من السيطرة على الفايروس والحد من تأثيره على صحة الأنسان أينما كان.

ثم أن المسؤول في أميركا وهي الدولة الأولى في العالم من حيث عدد الوفيات جراء الكورونا (ما يقرب من نصف مليون حالة وفاة) ما زال يسعى لتلقيح ما يقرب من المليون أنسان في اليوم الواحد.. وهناك من يعترض على ذلك ويطالب بالمزيد.. 

ولا تنتهي المماحكات حول هذه اللقاحات، فها نحن نرى أن البعض من أفراد الأقليات العرقية في بريطانيا وأوروبا انما يمتنعون عن التلقيح رغم زيادة حالات الكورونا بينهم دون سبب واضح، مما حدا بالحكومة البريطانية الى القيام بحملة توعية صحية تستهدف الأقليات في البلاد للتشجيع على التلقيح وللحد من الأشاعات حول الموضوع.. ثم أن اللقاح ضد الكورونا سيظل حديث هذا العام حتى أستتباب الأمر وشروق شمس صباح جديد لن نسمع فيه أخبار فايروس عانت وما زالت تعاني منه الملايين من البشر. 

 

د. عامر هشام الصفار

 

في المثقف اليوم