شهادات ومذكرات

محمود محمد علي: حسن كامل الصباح.. إديسون لبنان العبقري

محمود محمد عليهناك عباقرة لمعت اسماؤهم وظلت عالقة بالأذهان، ومنهم من طوته صفحات النسيان وضاعت سيرته وسط دهاليز الصحافة العربية المعتمة،  وبطل ورقتنا اليوم رغم اغفال الإعلام العربي عن ذكر سيرته وانجازاته التي خلت منها كافة الصحف العربية الكبرى ولم تذكرة سوى عدد محدود من الصحف الاقليمية الصغيرة إلا أنه استطاع أن يبهر العالم باختراعاته وعبقرتيه، حتى أنه لُقِب بالعديد من الألقاب منها أديسون الشرق والفتى العجيب وفتى العلم الكهربائي وإديسون لبنان العبقري وفتى مؤسسة مهندسي الكهرباء الأمريكية.. إنه المخترع اللبناني حسن كامل الصباح، وقد قال عنه الكاتب اللبناني قاسم محمد عثمان أنه من المخترعين الذين تم نسيانهم من قبل الدولة اللبنانية من حيث إظهاره كشخصية علمية لبنانية من جهة وتقيمه وإظهاره للعلن من جهةٍ أخرى.

يعدُّ حسن كامل الصباح أحد كبار المخترعين العالميين. إنَّ هذا العبقري اللبناني قد شغل العالم والعلوم، وهو من أوائل الذين أبدعوا فأعطوا، فرفع اسم أمتنا عاليًّا، وهو من أحد قلائل جاد بهم التاريخ فأغنوه وبنوا به مستقبل البشرية..، سافر بطموحاته إلى الغرب، على أن يعود بانيًّا للشرق، كان يحمل في رأسه عقلاً خلَّاقًا، منفتحًا، يتطلع بدأب إلى المستقبل المشرق، متمسك بتعاليم دينه، وهويته، فأهملته الأمة التي بقي وفيًّا لها، فدفعه هذا الوفاء إلى الوقوع في فخ الاستغلال الغربي البشع، ساهمت اختراعاته في التأسيس لكثير من التطبيقات الحديثة خلال القرن المنصرم، وما زالت البشرية تنعم بالإشكال المعاصرة لتلك التطبيقات الراهنة.

كان الصبّاح يجوبُ كل فج، ويلج كل لجج، وينتج كل روضٍ، ويلقي دلوه في كل حوض، لا يسأم الطلب، ولا يمل الدأب، بدأبه واجتهاده، وشغفه بالعلوم الرياضية إلى درجة كبرى في حقل العِلم والكهرباء، أصبح يتبوأ مراكزًا مرموقة في كبريات الشركات الكهربائية العالمية، كما فاقت اختراعاته السبعين، وسُجلت معظمها بشركة جنرال الكتريك الأمريكية التي كان من كبار مهندسيها وعلمائها..، في دائرة التسجيل في واشنطن وفي معظم دول العالم..

وحسن كامل الصباح هو لبنانيّ الجنسيّة، عربيّ الهوى والانتماء، إنسانيّ التوجّه والاعتقاد، حياته كانت علماً وعملاً على حدٍّ سواء، نذر روحه لخدمة البشريّة، فما كان منها “البشرية” إلا أن كافأته بظلمها له ولمكانته العلميّة الرفيعة.. مخترعٌ تنسب إليه عشرات الاختراعات التي سجلت في 13 دولة منها: الولايات المتحدة الأمريكية، وبلجيكا، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وأستراليا، والهند، واليابان، وإسبانيا، واتحاد دول أفريقيا الجنوبية، بالإضافة إلى العديد من النظريات الرياضية في مجال الهندسة الكهربائية، الأمر الذي أكسبه لقب "أديسون الشرق" وكان يعمل في البالونات واغترب في أمريكا لدراسة الهندسة الكهربائية.

وظهر نبوغه في الرياضيات والطبيعيات، ثم درس اللغة الفرنسية كي يستطيع الاستزادة من هذه العلوم عن طريقها. التحق بعدها بالجامعة الأمريكية في بيروت قسم الهندسة حيث أتقن اللغة الإنجليزية، وواصل براعته في الرياضيات، فبهر أساتذة الجامعة حتى أن أستاذه الدكتور فؤاد صروف قال عنه في مجلة المقتطف: "أنه شيطان من شياطين الرياضيات".

ولد الصباح في 16 أغسطس عام 1894 في بلدة القبطية بجنوب لبنان، ونشا في بيت علم وفکر، فتوجهت اهتماماته نحو الاطلاع والثقافة والتعرف على ما في الطبيعة من قوى، وشجعه على ذلك خاله الشيخ أحمد رضا الذي كان شغوفا بالبحث والتعرف على الحقائق الطبيعية والاجتماعية والروحية.

وقد ظهرت علامات الذكاء والنبوغ على احسن كامل الصباح، وهو في السابعة من عمره عندما ألحقه والده بالمدرسة الابتدائية فنال إعجاب معلميه ثم التحق بالمدرسة السلطانية في بيروت سنة 1908 فظهر نبوغه في الرياضيات والطبيعيات، وفي نهاية السنة الأولى له فيها أدرك الصباح عدم صلاحية الكتب الدراسية المقررة عليه مع طموحاته العلمية؛ فبدا في دراسة اللغة الفرنسية للاطلاع على العلوم التي لم يكن يجدها في الكتب العربية أنذالك.

ثم التحق الصباح بالجامعة الأمريكية في بيروت، وأتقن اللغة الإنجليزية في مدة قصيرة، واستطاع حل مسائل رياضية وفيزيائية معقدة ببراعة وهو في السنة الجامعية الأولى، وشهد له أساتذته بقدراته، وتردد اسمه بين طلاب الجامعات اللبنانية، ووصفه الدكتور فؤاد صروف. أحد أساتذته. في مجلة المقتطف بأنه شيطان من شياطين الرياضيات.

والتحق الصباح بقسم الهندسة في الجامعة الأمريكية، وأبدى اهتماما خاصنا نحو الهندسة الكهربائية ونتيجة لما ظهر عليه من نبوغ في استيعاب نظرياتها وتطبيقاتها تبرع له أحد الأساتذة الأمريكيين البارزين بتصنيد أقساط المصروفات الجامعية تقديرا منه لهذا التفوق حين عرف أن ظروف أسرة الصباح المادية لا تسمح له بمواصلة الدراسة الجماعية.

وعندما بلغ سن نادية الخدمة العسكرية اضطر احسن كامل الصباح إلى التوقف عن الدراسة عام 1916 والتحق بسرية التلغراف اللاسلكي وفي عام 1918 توجه إلى العاصمة السورية دمشق؛ حيث عمل مدرسة للرياضيات بالإضافة إلى متابعته دراسة الهندسة الكهربائية والميكانيكا والرياضيات، كما وجه اهتماما للاطلاع على نظريات العلماء في مجال الذرة والنسبية، وكان من القلائل الذين استوعبوا هذه النظرية الشديدة التعقيد، وكتب حولها المقالات فشرح موضوع الزمان النسبي و المكان النسبي والأبعاد الزمانية والمكانية والكتلة والطاقة وقال عنه العالم أستون فيما بعد: كان الوحيد الذي تجرأ على مناقشة أراء أينشتاين الرياضية وانتقادها والتحدث عن النسبية كأينشتاين نفسه.

وفى 1921 غادر دمشق وعاد إلى الجامعة الأمريكية مرة أخرى؛ لتدريس الرياضيات، وكان حريصاً على شراء المؤلفات الألمانية الحديثة في هذا المجال، ولكن في الوقت نفسه كان الصباح تواقاً إلى التخصص في مجال الهندسة الكهربائية.

وفى عام 1927 توجه “حسن كامل الصباح” إلى أمريكا، والتحق بمدرسة الهندسة الكبرى المسماة مؤسسة ماسانشوستش الفنية، لكنه لم يتواءم مع التعليم الميكانيكي في هذه المؤسسة، كما عجز عن دفع رسومها فتركها بعد عام، وانتقل إلى جامعة إلينوي ولمع نبوغ الصباح قبل نهاية العام الدراسي الأول في هذه الجامعة، فقدم أستاذ الفلسفة الطبيعية بها اقتراحًا للعميد بمنح الصباح شهادة معلم علوم (M.A) إلا أن العميد لم يوافق على الاقتراح؛ حيث كان يجب على الطالب أن يقضي عامين على الأقل في الجامعة قبل منحه أي شهادة. وفكر الصباح في بدء حياته العملية؛ فالتحق بشركة الكهرباء العامة في ولاية نيويورك، وكانت تعتبر أعظم شركات الكهرباء في العالم، وفيها ظهرت عبقريته وتفوقه على المئات من المهندسين العاملين بالشركة، ولم تمضِ سنة واحدة على عمله بها حتى بدأت سلسلة اختراعاته التي نالت إعجاب رؤسائه؛ فخصصوا له مختبراً ومكتبًا وعينوا عددًا من المهندسين الذين يعملون تحت إدارته. ووضع الصباح نظريات وأصولا جديدة لهندسة الكهرباء؛ فشهد له العلماء بالعبقرية ومن بينهم العالم الفرنسي الشهير موريس لوبلان، وبعث إليه الرئيس الأمريكي آنذاك بخطاب يؤكد فيه إعجابه بنبوغه واختراعاته، وأرسلت إليه شركات الكهرباء الكبرى شهادات تعترف بصحة اختراعاته، ومنها شركة وستنجهاوس في شيكاغو وثلاث شركات ألمانية أخرى. وفى عام 1932 منحه مجمع مؤسسة الكهرباء الأمريكي لقب “فتى مؤسسة مهندسي الكهرباء الأمريكية”، وهو لقب علمي لا يُعطى إلا إلى من اخترع وابتكر في الكهرباء، ولم ينل هذا اللقب إلا عشرة مهندسين في الشركة.

وفي مطلع عام 1933 تمت ترقيته في الشركة، ومنح لقب “فتى العلم الكهربائي” وذلك بعد انتخابه من جمعية المهندسين الكهربائيين الأمريكيين في نيويورك. واستطاع الصباح اكتشاف طرائق الانشطار والدمج النووي المستخدمة في صنع القنابل الهيدروجينية والنووية والنيترونية. وقد شملت علوم الصباح نواحي معرفية عديدة في مجالات الرياضيات البحتة والإحصائيات والمنطق والفيزياء وهندسة الطيران والكهرباء والإلكترونيات والتلفزة، وتحدث عن مادة "لهيدرولية" وما ينتج عنها من مصادر للطاقة، واستشهد بشلالات نبع الصفا في جنوب لبنان ونهر الليطاني، كما كانت له آراؤه في المجالات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والحرية والاستعمار والمرأة والوطنية والقومية العربية، وكان ذواقًا للأدب ويجيد أربع لغات هي: التركية والفرنسية والإنجليزية والألمانية.

ويصل عدد ما اخترعه حسن كامل الصباح من أجهزة وآلات في مجالات الهندسة الكهربائية والتلفزة وهندسة الطيران والطاقة إلى أكثر من 76 اختراعًا سجلت في 13 دولة منها: الولايات المتحدة الأمريكية، وبلجيكا، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وأستراليا، والهند، واليابان، وإسبانيا، واتحاد دول أفريقيا الجنوبية. وبدأ اختراعاته عام 1927 بجهاز ضبط الضغط الذي يعين مقدار القوة الكهربائية اللازمة لتشغيل مختلف الآلات ومقدار الضغط الكهربائي الواقع عليها.

وفي عام 1928 اخترع جهازًا للتلفزة يستخدم تأثير انعكاس الإلكترونيات من فيلم مشع رقيق في أنبوب الأشعة المهبطية الكاثودية، وهو جهاز إلكتروني يمكن من سماع الصوت في الراديو والتليفزيون ورؤية صاحبه في آن واحد. كما اخترع جهازًا لنقل الصورة عام 1930، ويستخدم اليوم في التصوير الكهروضوئي، وهو الأساس الذي ترتكز عليه السينما الحديثة، وخاصة السينما سكوب بالإضافة إلى التليفزيون.

كذلك اهتم الصباح بمجالات علمية متعددة في مجال الرياضيات والإحصاء والمنطق والفيزياء وهندسة الطيران والكهرباء والإلكترونيات والتلفزة، وكان يجيد عدا العربية أربع لغات: التركية والفرنسية والإنجليزية والألمانية، وهذا ما ساعده أكثر على الإبداع والابتكار.

وصل عدد مخترعاته في مجال الهندسة الكهربائية والتلفزة وهندسة الطيران والطاقة إلى ما يزيد على 76 اختراعا، سجلت في عدد من دول العالم إضافة إلى 11 مخترعا بالمشاركة مع آخرين، وقد بدأت هذه المخترعات عام 1927 بجهاز ضبط الضغط الذي يعين مقدار القوة الكهربائية اللازمة لتشغيل مختلف الآلات ومقدار الضغط الكهربائي الواقع عليها.

وفي عام 1928 اخترع جهازا للتلفزة يستخدم تأثير انعكاس الإلكترونيات في فيلم مشع رقيق في أنبوب الأشعة المهبطية الكاثودية. ومن ضمن مخترعات الصباح جهاز لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية مستمرة، وقد عرض مكتشفه هذا على الملك فيصل بن الحسين (ت1933) لكن فيصل الأول مات قبل دراسته، ثم عرضه على الملك عبد العزيز آل سعود ولكن القدر لم يمهل الصباح فمات بعدها بفترة قصيرة، ويبدو أن الوسيط بينهما كان الأمير شكيب أرسلان. كما شرع قبيل وفاته في تصميم محرك إضافي يسمح بالطيران في الطبقات العليا من الجو.

وكان قد شرع قبيل وفاته في تصميم محرك طائرة إضافي يسمح بالطيران في الطبقات العليا من الجو، وهو شبيه بتوربينات الطائرة النفاثة. الموت المفاجئ وقد حدثت الوفاة المفاجئة مساء يوم الأحد 31 مارس 1935 وكان حسن كامل الصباح عائدًا إلى منزله فسقطت سيارته في منخفض عميق ونقل إلى المستشفى، ولكنه فارق الحياة وعجز الأطباء عن تحديد سبب الوفاة خاصة وأن الصباح وجد على مقعد السيارة دون أن يصاب بأية جروح مما يرجح وجود شبهة جنائية خاصة وأنه كان يعاني من حقد زملائه الأمريكيين في الشركة، وذكر ذلك في خطاباته لوالديه.

وحمل جثمان العالم اللبناني والمخترع البارع حسن كامل الصباح في باخرة من نيويورك إلى لبنان، وشيع في جنازة مهيبة إلى مثواه الأخير في مسقط رأسه ببلدة النبطية بجنوب لبنان، ورثاه رئيس شركة جنرال إلكتريك قائلا: إنه أعظم المفكرين الرياضيين في البلاد الأمريكية، وإن وفاته تعد خسارة لعالم الاختراع.

وقد أطلقت عليه بعض الصحف الأمريكية لقب خليفة أديسون أو “أديسون الشرق”، وكان العربيّ الوحيد الذي منحه معهد المهندسين الكهربائيين الأمريكيين لقب “فتى العلم الكهربائي”.. هذا وقد تم تكريمه من قبل العديد من الدول والمنظّمات والشركات والشخصيات في العالم مثل الاتحاد السوفييتي ومجموعة سيمينس، وكان الرئيس الأميركي الراحل روزفلت قد أرسل إكليل ورد ليرافق جثمانه أثناء نقله إلى مسقط رأسه، وحينما توفي هذا العالم العربي عام 1935 رثاه رئيس شركة جنرال إلكتريك قائلا: "إنه أعظم المفكرين الرياضيين في البلاد الأمريكية وإن وفاته تعد خسارة لعالم الاختراع".

الغريب في القصّة أنّه وفي السنوات اللاحقة لوفاته تمّ (وبشكلٍ لا يقبل الشّك) طمسُ سيرته وإنجازاته الكثيرة، والتي كانت قادرة على حلّ الكثير من المشكلات التي تواجه الجنس البشريّ إلى الأبد، فليس غريباً أنّ معظم العرب لم يسمعوا بهذا المخترع العظيم والذي كان له دورٌ رائد في الارتقاء بالحركة العلميّة والصناعيّة العالميّة.

فلطالما دفع الكثيرون من العظماء حياتهم ومجدهم ثمناً للنهوض بمجتمعاتهم وبلدانهم، خاصّةً إذا كان أحدهم ينتمي لبلدٍ لا يستطيع حماية عظمائه من شرّ الأوغاد الذين جلّ همهم جمع الثروات ولو على حساب معاناة الشعوب وقهرها، فلهُ منّا كلّ الاعتزاز والفخر، وله منّا عهدٌ أن نواصل ما كان قد بدأه هو وأجدادنا من قبله إلى أن نصل إلى المكانة الطبيعيّة التي تليق بأمّةٍ كانت وماتزال تنجبُ العظماء والمبدعين.

 

د. محمود محمد علي

 

في المثقف اليوم