شهادات ومذكرات

أحمد زايد.. مكتبة الإسكندرية أمانة في عنقك؟!

محمود محمد عليأعرف الأستاذ الدكتور أحمد عبد الله زايد حجاب، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، فهو من كبار مفكرينا المتخصصين في علم الاجتماع الذين انطلقوا في مشروعهم العلمي – من دراسة الحركة النقدية في علم الاجتماع، والنخبة في الريف المصري، ثم متابعته للتطورات الحديثة حول هذا العلم، كما كتب عن الاستهلاك، والجسد، والمجال العام، ورأس المال الاجتماعي، ونقد الحداثة، والمجتمع المدني، وخطاب الحياة اليومية، والخطاب الديني، والعنف، ومنها موضوعات تضمنت طرحًا علميًّا مبتكرًا على المستويين النظري والمنهجي، وذلك بالإضافة إلى ذخيرة مهمة من المترجمات في علم الاجتماع المعاصر.

وقد حصل الدكتور أحمد زايد، على درجة الليسانس في الآداب قسم الاجتماع، جامعة القاهرة 1972، ثم حصل على ماجستير في علم الاجتماع بجامعة القاهرة في عام 1976، ودكتوراه في علم الاجتماع بجامعة القاهرة عام 1981، وسبق له وأن التحق بالدراسة لمدة عامين بجامعة إيست انجليا في إنجلترا، وذلك لجمع المادة العلمية للدكتوراه من نوفمبر 1977، بمنحة من المجلس البريطاني.

أعير الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية الجديد، إلى جامعة قطر خلال الفترة بين عامي 1986 و1992، ثم قائماً بأعمال رئيس قسم الاجتماع بجامعة قطر، ثم مديراً لمركز البحوث والدراسات الاجتماعية بجامعة القاهرة في ديسمبر 1994 حتى 1998، حيث يُعد مؤسس المركز، كما عمل مستشاراً ثقافياً لجمهورية مصر العربية في الرياض بين عامي 1998 و2001، وأستاذ بكلية الآداب  جامعة القاهرة 2001، وأمين اللجنة الدائمة لترقية الأساتذة المساعدين، تخصص علم الاجتماع.

شغل الدكتور أحمد زايد منصب مدير مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، في كلية الآداب، بجامعة القاهرة عام 2003، ووكيلاً لكلية الآداب جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا والبحوث، ثم عميداً لكلية الآداب بجامعة القاهرة في 2004، وشغل عضوية مجلس إدارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ولجنة الدراسات الاجتماعية بالمجلس الأعلى للثقافة، ونائباً لرئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع، والمستشار الأكاديمي لبرنامج بحوث الشرق الأوسط، بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة، وتولى رئاسة تحرير مجلة «إضافات»، التي تصدرها الجمعية العربية لعلم الاجتماع، ورئاسة تحرير حولية كلية الآداب بجامعة القاهرة.

شغل الدكتور زايد أيضاً عضوية الاتحاد الدولي لعلم الاجتماع، والجمعية العربية لعلم الاجتماع، ولجنة الدراسات الاجتماعية بالمجلس الأعلى للثقافة، ونائباً لرئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع.

وفي الأيام الماضية وقع الاختيار على الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع، مديرا لمكتبة الإسكندرية خلال الفترة المقبلة، خلفا للدكتور مصطفى الفقى، الذي انتهت فترة توليه نهاية شهر مايو الماضي.

كما وافق الاجتماع على تجديد عضوية مجلس الأمناء، وذلك وفقًا للقرار الجمهوري بتجديد أعضاء مجلس الأمناء وبشكل دوري، والموافقة على عدد من الأعضاء الجدد لمدة 3 سنوات، وضمت العضويات الجديدة مرشحون من عدة بلدان مختلفة شملت؛ أوروبا وإفريقيا وآسيا، وسيتم الإعلان عنها فور صدور القرارات التنفيذية.

كانت مكتبة الإسكندرية محظوظة: مرة عندما تولى أمر قيادتها عند التأسيس الأستاذ الدكتور يوسف زيدان، ثم الأستاذ الدكتور إسماعيل سراج الدين، ومرة ثالثة عندما خلفه الأستاذ الدكتور السفير مصطفى الفقى. وهى الآن محظوظة للمرة الرابعة عندما يتولى أمرها الأستاذ الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، وعضو مجلس الشيوخ وذلك حسب قول الدكتور عبد المنعم سعيد (في مقاله له بعنوان زمن مكتبة الإسكندرية بالمصري اليوم).

ومنذ الإعلان عن خبر توليه أمر المكتبة، نُشر الكثير عن خصاله الحميدة وإنجازاته العلمية ودوره في الحياة الفكرية للبلاد، وكلها تضعه كما قال الدكتور عبد المنعم سعيد، في قلب حركة التنوير والتجديد في مصر المعاصرة. الآن فإنه سوف يواجه مهمة جديدة هو أهل لها تخص مشروعًا جاء من خارج الصندوق المصري المتواتر والتقليدي إلى الساعة الرحبة للتاريخ والمستقبل. ويُحسب للرئيس الراحل حسنى مبارك أنه أخذ بالفكرة إلى ساحة التنفيذ خارج الصندوق الشائع عن تاريخ مصر، الذي بات إما مجالًا للسياحة أو أمرًا يخص المتخصصين. ومع ذلك جرى التفكير في «المكتبة» التي لم تكن معبدًا، ولا مزرعة، أو مدفنًا، كانت مكانًا للتفكير والفكر والثقافة في مدينة مصرية كانت ساعة الإنشاء الأول قبل أكثر من ألف عام من أهم العواصم العالمية، وربما لا ينافسها وقتها إلا روما حاضرة الإمبراطورية. أصبح مشروع المكتبة قرينًا لفكرة البعث والإحياء لكى تكون حاضرة مع مطلع القرن الواحد والعشرين. اليوم أصبحت الفكرة ذائعة، وفى العاصمة الجديدة فإنها أولى العواصم في التاريخ المصري الطويل الذي تبدأ وبها حي كامل لفنون الأوبرا والموسيقى، والفنون التشكيلية بأشكالها والآداب بأنواعها، وتُبنى فيها منذ يومها الأول تحف معمارية، ومعها المسجد الرائع والكاتدرائية الأخّاذة. في التاريخ المصري القديم لم يكن المصري يبنى البهاء للحاضر، وإنما للمستقبل حتى يكون احتفال المصريين في القرن الواحد والعشرين بموكب المومياوات والآخر للكِباش، وبعد ذلك سوف يكون الافتتاح العظيم للمتحف المصري الكبير، وفى زمنه يحتفل بموقع "التجلي الأعظم".

مهمة الدكتور أحمد زايد هي بحق كما قال الدكتور عبد المنعم سعيد، البناء على ما أقامه القامتان السابقتان من بعث وإحياء وتنوير. الأول أنشأ وأقام الأساس، وأعاد إلى المكتبة سمعتها التاريخية ونشر وجودها الحالي في الساحة العالمية، ومن بين منجزاته الكبرى كان مشروع "الإصلاح العربي"، الذي أشهر الفكر الإصلاحي في وقت كانت فيه الدول العربية تبحث عن التغيير. والثاني شمّر عن ساعده في المحاربة الفكرية للإرهاب، وأخذ بثقافة المكتبة في الإسكندرية إلى قلب القاهرة الفاطمية والمملوكية. الثالث سوف يكون عليه ما هو أكثر من مواصلة المسيرة لأن التاريخ يتغير دائمًا والزمن لا يبقى على حاله. استقراء الزمن المصري يقول إننا على مشارف عصر جديد يساويه نهاية التوتر الفكري ما بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، الأول عاش دائمًا أصولنا؛ والثاني حمل معه تقدمنا. التفكير هو في الأساس عمل المكتبة والمكتبات الكبرى في العالم، وأساسه العلم والابتكار والإبداع وحل المعضلات الأبدية بين التسليم والاختيار. وإذا كان كثيرون في المنطقة العربية يعيشون حالة التجديد فإن مكتبة الإسكندرية لا ينبغي لها البقاء في ساحتها المصرية.

معالي الأستاذ الدكتور أحمد زايد: هذا هو عصر البعث والإحياء، والتقدم والرقى والحداثة، وفى يوم من أيام الزمن كانت المكتبة كما قال الدكتور عبد المنعم سعيد كتبًا ومخطوطات أكثر من عدد سكان الإسكندرية؛ وكان مقررًا على البحّارة والقباطنة الذين يجوبون بحار العالم ومحيطاتها أن يحملوا إلى المكتبة اهتداء بفنار المدينة الأعظم قبسًا مكتوبًا من شعوب وقبائل وأمم بعيدة. أيامها لم يكن فيها انغلاق ولا احتباس ولا اختفاء تحت عباءة، ولا كان كلام الأولين منتصرًا على حديث الحاضر والمستقبل. لم تكن التكنولوجيا كما هي الآن، ومع ذلك حج الزائرون والدارسون والعلماء إلى رحاب المكتبة ينهلون من علمها، ويقدمون الأطروحات والأفكار لها ولمَن حولها. الآمال والأحلام كثيرة، ولكنها مصر يا دكتور أحمد زايد التي تستحق كل عظيم.

وحتي لا يطول بنا الحديث أقول في نهاية حديثي تحية طيبة لأستاذنا الدكتور "أحمد زايد"، الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجا فذا للمفكر الموسوعي الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

وتحيةً أخري لرجلٍ لم تستهوه السلطة، ولم يجذبه النفوذ، ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً.

***

د. محمود محمد علي

 

في المثقف اليوم