شهادات ومذكرات

المنفى العراقي مؤسسات نشر ومنتديات أدبية

صلاح جبارمنذ بدايات هجرة النخب الأدبية والشعرية نهاية العقود الأخيرة من القرن الماضي إلى المنافي، واتخاذهم المهاجر مواطنا ومأوى لهم ولمسيرتهم الأدبية، إلا وقد بدأت مرحلة تأسيس مشاريع ثقافية وأدبية لهذه النخب، وأخذت تتجه إلى إقامة فعاليات تهتم بالشعر وإقامة الأمسيات الشعرية والمسابقات الأدبية، وكذلك إلى تأسيس منتديات أدبية وثقافية، وإنشاء دور نشر، تهتم بإصدار المجاميع الشعرية والدراسات النقدية، وكذلك الكتب الثقافية الأخرى، كان لهذه المشاريع صدى أدبي وثقافي واسع، واستطاعت أن تحقق إنجازات إبداعية في المشهد الشعر العراقي، وتركت بصمات واضحة في نشر النتاج الأدبي،  وبالأخص الشعري في الأوساط الأدبية العربية والعالمية، وتناولتها كبريات الصحف العربية والعالمية بتغطية نشاطاتها بالقراءة والنقد الموضوعي.

لقد توزعت هذه المشاريع حسب خارطة التواجد العراقي في المنافي بدءا من إيران وصحراء رفحاء في المملكة العربية السعودية، وفي دمشق الشام وعمّان الأردن والقاهرة والرباط وبيروت، وكذلك في لندن ومالمو السويد وهولندا وألمانيا وأستراليا وكثير من الدول العربية والعالمية)، وكانت بمثابة الأنموذج الإبداعي الفريد للنتاج الشعري العراقي في المنفى، فمثلا أسس مجموعة من الشعراء العراقيين في إيران (رابطة الأدباء والكتاب والمثقفين العراقيين)ضمت نخبة من الشعراء والأدباء منهم الدكتور الشاعر محمد سعيد الأمجد، والشاعر عبد العظيم فنجان، وكاتب هذه السطور، وقد مارست هذه الرابطة نشاطها الثقافي والأدبي طوال خمس سنوات متتالية بعقد ندوات أدبية تهتم بالشعر وكذلك إقامة أمسيات شعرية، وقد استضافت عددا من شعراء المنفى كعبد العظيم فنجان وغيرهم، وفي المهجر الإيراني أيضا تأسست رابطة (ن)الأدبية، ضمت نخبة من الشعراء والنقاد أمثال جواد جميل وفرات الأسدي وفراس الترابي والناقد الشاعر ثامــــر الونـــــدي.

بالإضافة إلى الشاعر السيد مهند جمال الدين نجل الشاعر الكبير مصطفى جمال الدين،  واتخذت هذه الرابطة من بيت السيد مهند جمال الدين مقرا لها، يعقدون ندواتهم الأدبية الأسبوعية مساء كل يوم خميس، يقرأون  فيها نتاجاتهم الشعرية والأدبية، وأحيانا تعقد ندوات أدبية وقراءات نقدية حول آخر نتاجاتهم، ويتناولون كذلك آخر الأخبار الأدبية داخل الوطن وخارجه، وفي المهجر الإيراني تم إنشاء (المكتبة الأدبية المختصة)، وذلك في مدينة قم الإيرانية، وتعد هذه المكتبة من أكبر المكتبات العربية في إيران، وترأس إدارتها الشاعر فرات الأسدي، واستضافت نخبة من رواد الشعر العراقي والعربي كالشاعر عبد الوهاب البياتي ومصطفى جمال الدين والشاعر المعروف مظفر النواب ومصطفى المهاجر، وأصدرت عدة كتب ودواوين شعرية ومن أبرز هذه الكتب دراسة حول الشاعر مصطفى جمال الدين موسومة بـ(سيد النخيل المقفى)، كما أصدرت الطبعة الثانية لديوان مصطفى جمال الدين وكذلك أصدرت المكتبة مجموعات شعرية لـ(محمد سعيد الأمجد) وغيره، وفي العاصمة السورية دمشق التي ضمت نخبة من الشعراء والأدباء العراقيين تأسست بعض المشاريع الأدبية والمنتديات الشعرية فمثلا كان هناك (منتدى الأربعاء الثقافي)، الذي ضم نخبة من الأدباء والشعراء في هذا المهجر العراقي، ومن بين هؤلاء الشعراء مصطفى المهاجر،  وإسماعيل خليل أبو صالح، عبد الرحمن الوائلي، وغيرهم من الشعراء، وفي هذا المهجر أُنشئت (دار المدى) للثقافة والنشر، والتي أصبحت في الوقت الحاضر من كبريات دور النشر العربية، وأصدرت هذه الدار عدة دراسات نقدية، وأصدرت العشرات من المجاميع الشعرية لشعراء عراقيين وعرب، ولا زالت هذه الدار تواصل نشاطها الأدبي والصحفي والثقافي داخل الوطن، وتمكنت أن تستقطب الملايين من القراء لإصداراتها الثقافية والأدبية، وقد أدار هذه المؤسسة الثقافية الكاتب فخري كريم، وفي العاصمة الهولندية أمستردام أسس الناقد العراقي المعروف ياسين النصير تجمع (صالون ثقافة 11) مع نخبة من الشعراء أمثال شعلان شريف والشاعر محمد الأمين وغيرهم،  واتخذوا من بيت الناقد ياسين النصير مقرا لهم،  وكان لهذا التجمع صدى أدبي وثقافي في الأوساط الأدبية الهولندية،وقد تناولت نشاطاتهم كبريات الصحف الهولندية، كما ترجمت قصائدهم إلى اللغة الهولندية،  أما في السويد وفي مدينة مالمو جنوب هذا البلد الأسكندنافي أسس القاص والروائي إبراهيم أحمد دار (المنفى) للطباعة والنشر، والتي أصدرت عدة مجاميع شعرية لشعراء عراقيين مهاجرين كعدنان الصائغ وغيره من الشعراء، وفي هذه المدينة السويدية أيضا أنشئت (الجمعية الثقافية العراقية ) وأصدرت هذه الجمعية مجلة (تموز) وأقيمت أمسيات شعرية لشعراء عراقيين في مقر هذه الجمعية، وكانت بمثابة الملتقى للجالية العراقية في هذا المنفى السويدي،أما في ألمانيا فقد قام الشاعر خالد المعالي بتأسيس دار (الجمل للإصدار والنشر)، والتي تعد الآن من الدور المهمة في الوطن العربي  بنشر الكتاب الثقافي العراقي والعربي والعالمي المترجم، وتقع هذه الدار في مدينة (كولونيا) الألمانية، وأصدرت عدة مجاميع شعرية لشعراء عراقيين داخل وخارج الوطن، وفي العاصمة الإسبانية مدريد أسس الأديبان محسن الرملي وعبد الهادي سعدون دار (ألواح) للطباعة والنشر، وقد تمكنت هذه الدار بإصدار العشرات من المجاميع الشعرية والدراسات النقدية لأدباء عراقيين داخل وخارج الوطن، وهكذا الحال في العاصمة النمساوية فينيا فقد قام الشاعر وديع العبيدي بإنشاء دار ضفاف للطباعة والنشر، والتي أصدرت عدة كتب أدبية وثقافية، وفي عاصمة الثقافة الأوربية لندن كانت ومازالت هناك نشاطات أدبية لشعراء وأدباء عراقيين منها ترجمة بعض الأعمال الأدبية العراقية إلى اللغة الانكليزية وبالعكس، فقد أسهم الشاعر الدكتور صلاح نيازي بترجمة بعض الكتب الأدبية لأدباء انكليز إلى اللغة العربية،  وكان المنفى الانكليزي نشطا جدا بالنسبة للحركة الأدبية العراقية المهجرية، وذلك لوجود نخبة من رواد الشعر العراقي المعاصر أمثال بلند الحيدري وصلاح نيازي وهاشم شفيق وسعدي يوسف الذي وصل لهذا المنفى في السنوات الأخيرة، وفوزي كريم وكريم عبد وعبد الكريم كاصد وجليل حيدر، وقد أسهم هؤلاء الشعراء في إبداع مشاريع للترجمة، وإقامة أمسيات شعرية حملت صدى الشعب العراقي وثقافة وتراث بلاد مابين النهرين، وكان هؤلاء الشعراء بمثابة سفراء الشعر العراقي في المنفى الانكليزي. أما في أقاصي الكرة الأرضية في (أستراليا) فكانت هناك مشاريع أدبية لشعراء وكتاب عراقيين، ولكن بشكل محدود فقد أسس الكاتب ماجد الغرباوي مؤسسة وصحيفة المثقف. والصالون الثقافي في منتدى الجامعيين العراقيين بإدارة الشاعر وديع شامخ. وهناك شعراء آخرون يقيمون ندوات أدبية في مدن سدني وملبورن وبيرث، منهم: الراحل مصطفى المهاجر، والراحل جان دمو، ويحيى السماوي، وغيلان، واحمد الياسري، وأفضل فاضل وسلام دواي، ومصطفى علي، واحمد راضي، وعبد الخالق كيطان، ومجموعة واسعة من شعراء المنفى الاسترالي. أما في فرنسا فإن نشاطات الشعراء العراقيين محمد سعيد الصكار وجبار ياسين وغيرهم، لا تقل صدى وإبداعا عن باقي عواصم المنفى، فالأدباء العراقيون في باريس أبدعوا في نتاجاتهم واستطاعوا أن يكونوا الوجه الثقافي للثقافة العراقية الحرة،  بكل إبداعاتها وفنونها الأدبية وهكذا الحال في عمان، فإن مشاريع الشاعر عبد الرزاق الربيعي وأمسياته الشعرية في مسقط أثارت ضجيجا في الصحف والمجلات العمانية والخليجية فهذا الشاعر العراقي غزير النتاج والإبداع، وما من مجلة أو صحيفة عربية إلا وترى بين طياتها نتاجا للشعراء العراقيين،  إن مشاريع المنفى الأدبية العراقية استطاعت أن تقف شامخة بإبداعاتها وإصداراتها المختلفة، وهي بحد ذاتها بوابات لدور نشر ومنتديات ثقافة وأدب، وكذلك ملتقيات عراقية سعت أن تكون هي الوجه الحقيقي للثقافة العراقية الحرة.

***

صلاح جبار ابوسهير

في المثقف اليوم