شهادات ومذكرات

نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي وذكرى الحسين

على صفحته في الفيسبوك نشر الصديق عامر موسى الشيخ مقطعا من مسلسل " بين القصرين " المعد عن رواية " النوبلي " العتيد نجيب محفوظ، والمقطع حوار بين الام " امينة " التي مثلت دورها في الفيلم الذي اخرجه حسن الامام الفنانة القديرة آمال زايد، وفي المسلسل الذي اخرجه يوسف مرزوق الفنانة هدى سلطان، في المقطع يدور حوار بين الام وابنائها حول الامام الحسين وزيارة مقامه الموجود في واحد من اقدم احياء مصر حي الحسين . ويرتبط هذا الحي عند نجيب محفوظ بذكريات كبيرة، فقد ظل نجيب محفوظ يحمل هوى خاص لهذا الحي فهو يقول لرجاء النقاش في كتابه " صفحات من مذكرات نجيب محفوظ ":" امي السيدة الامية التي كانت مخزنا للثقافة الشعبية، عشقها لسيدنا الحسين وزيارتها الدائمة للاديرة والمتاحف، كانت مغرمة بسيد درويش " . وفي مكان آخر يضيف:" منذ مولدي في حي الحسين، وتحديدا في يوم الإثنين 11 كانون الاول عام 1911 وهذا المكان يسكن في وجداني.عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جدا، أشبه بنشوة العشاق، كنت أشعر دائما بالحنين إليه لدرجة الألم. والحقيقة أن ألم الحنين لم يهدأ إلا بالكتابة عن هذا الحي. حتى عندما اضطرتنا الظروف لتركه والانتقال إلى العباسية كانت متعتي الروحية الكبرى هي أن أذهب لزيارة الحسين " . ويقول لجمال الغيطاني في كتاب نجيب محفوظ يتذكر:" كنت اتردد على الحي بافتتنان لا حد له، وتبلغ سهراتنا في منطقة الحسين اجمل لياليها في رمضان، كنا نمضي الى الحسين لنسمع الشيخ علي محمود ونقضي الليل كله حتى الصباح، كان ذلك اثناء دراستي، ثم اثناء وظيفتي، تعرف اني لم انقطع عن منطقة الحسين، اغلب رواياتي كانت تدور في عقلي كخواطر حية اثناء جلوسي في هذه المنطقة، يخيل الي انه لابد من الارتباط بمكان معين، يكون نقطة الانطلاق للمشاعر والاحاسيس " .

مسلسل " بين القصرين " اعادني الى ايام الصبا عندما كنت اتلقف مؤلفات الكتاب المصريين، والتي كانت بالنسبة لي أشبه بالسحر، أما مؤلفيها فكانوا نوعا آخر من البشر، لم احلم أو أفكر إنني ذات يوم سأكتب عن طه حسين، واستشهد بتوفيق الحكيم، واستمد طراوة العبارة من أسلوب يحيى حقي، هؤلاء كانوا كائنات من الخيال بالنسبة لي، مع نجيب محفوظ حدث الأمر معي في بداية السبعينيات، كان عبد الرحمن السامرائي " ابو عوف " يتخذ من دكان صغير في بداية سوق السراي مقرا له، أذهب اليه كلما زرت شارع المتنبي، وكانت العربة التي يستخدمها في عرض الكتب وفي التنقل مصفوف عليها كتب من كل شكل ولون، وانا انبش فيها بحثا عن رواية او كتاب في المسرح، لمحت صورتها على الغلاف، امراة جميلة تبدو على ملامحها الحيرة، قرأت العنوان " بين القصرين "، وقبل ان اعرف اسم المؤلف قلت لابو عوف

  • هل هذا كتاب جديد

 - قال لي: ألم تقرأ من قبل لنجيب محفوظ

 * قلت: أتذكر انني شاهدت له أفلاما

-  أجابني هذا الكتاب هو الجزء الاول من ثلاثيته وهي موجودة لدي كاملة.4275 نجيب

كنت أتعرف على نجيب محفوظ اول مرة، سمعت به من خلال الافلام لكني لم اقترب من كتبه، عرفت طه حسين والعقاد وشغفت برواية توفيق الحكيم عودة الروح.أخذت أقلب صفحات بين قصرين، فوجدت نفسي وانا أسافر في رحلة ممتعة الى شوارع مصر القديمة، لتنفتح امام عيني مدينة القاهرة بكل سحرها، وشعرت وانا الشاب المراهق بفتنة اكتشاف شيء جديد، أتذكر ان الوقت مضى سريعا، كانت شخصيات الرواية تنطوي ملامحها على ذلك الجمال الأخاذ الذي يراود أحلام فتى مراهق مثلي، وكانت سطور نجيب محفوظ تؤكد لي ان الحلم يحرر الانسان، وان الحب مرادف للمعرفة. اضافة الى نجيب محفوظ والكوكبة الكبيرة التي كانت معه كان هناك أيضا صاحب رواية الأرض والشوارع الخلفية، ومسرحية الفتى مهران، وملحمة الحسين ثائرا وشهيدا، والكتاب الوثيقة علي أمام المتقين.

كان عبد الرحمن الشرقاوي علامة من علامات الثقافة العربية المعاصرة، التي نفتقد ملامحها هذه الأيام، انتمى لليسار المصري منذ شبابه، وتولّع بكتاب رأس المال ونهج البلاغة واعترافات جان جاك روسو، وأُغرم بكتاب فولتير في التسامح ومقدمة ابن خلدون ولزوميات المعرّي، فأصبح يشرحها لقرّاء مقاله الأُسبوعي في مجلة روز اليوسف، يكتب في إحدى هذه المقالات الممتعة أنه " في قريته الصغيرة في محافظة المنوفية، كانت أُمه تحدّثه عن صلابة عمر وعدل عليّ، وكان حديثها عن تضحية الحسين يسحره، فيجد في كلماتها تعبيراً حقيقياً عن آلام الناس ومعاناتهم ". ويضيف " بعد أن ضاقت بنا سُبل التقدم والرفاهية والاستقرار، ويفتك بعضنا بالآخر، والناس، ارتأيت أن أكتب شيئاً عن ذلك وطبعاً كنت قد قرأت نهج البلاغة وعشت محنة علي بن أبي طالب وتأثرت به فوجدته".

ويلخص الشرقاوي أهم محطات ومراحل تكوينه الفكرى والأدبى فيقول:" قرأت القرآن وتفاسيره ورأيت فيه استجابة لأشواق الإنسان إلى العدل ولعنة شديدة على الظلم.. وأول ما أحببته من القراءة شعر الشعراء الصعاليك العرب وعندما درست اللغات الأجنبية أحببت الشعراء الصعاليك الأجانب لأن أدب الصعاليك يمثل صرخة احتجاج على الظلم وتمرداً على الأوضاع الجائرة. كما استهواني الفكر الإنساني الذي يتحدث عن قضايا حق الإنسان في ممارسة العدل وأن يحيا سعادته وأن يحقق بعمله كل أحلامه وأن يمنحه المجتمع الحب والفضائل. وفى الفكر العربى استهوانى الثوار من أيام على بن أبى طالب أولئك الذين كان لديهم الطموح في أن يحولوا الدنيا إلى جنة للحب والإخاء وأن يجعلوا شرف الإنسان أقوى من كل شيء وأن يرتفعوا فوق الطمع والخوف.. وفى هذا الإطار أيضا بهرنى فكر المعتزلة والمتصوفة وشخصية الحسين وشعر المعرى والمتنبي - وثوريات طه حسين واقتحامات توفيق الحكيم وتفتح إسماعيل أدهم وإسماعيل مظهر وكتابات سلامة موسى عن الاشتراكية والأدب ونظريات محمد مندور المتطورة في نقد الشعر. أما في الفكر الأجنبي فقد استهوانى ماركس وكتابات لينين وتمرد فرانسوا فيون وصلابة فيكتور هوجو وتمرد شكسبير وأحلام الرومانتيكيين بيرون - شيللى - بلزاك - ديكنز - شو - توماس مان.. كما بهرتنى كتابات بوشكين - دوستوفيسكي - تولستوي- تشيكوف - غوركي - أراغون - هيمنجواى - لوركا.. وهناك من المفكرين والأدباء من يدفعك إلى اتخاذ موقف آخر مثل جويس - إليوت - سارتر – كامو " . ظلت موضوعة العدالة تشغل تفكير عبد الرحمن الشرقاوي ورغم تنقله من الماركسية في بدايات شبابه ونضجه الفكري، الى الصوفية في أواخر حياته، الا ان التبشير بفكرة العدالة الاجتماعية ظل يمثل الأساس في معظم كتاباته سواء في الشعر او الرواية او الدراسات النقدية او كتب السيرة أو المسرحيات فإنها جميعا يغلب عليها طابع الدفاع عن حق الإنسان في العيش بكرامة، انه يعبر من خلال كتاباته عن هموم الإنسان، ولعل مجموعة كتبة التي أصدرها خلال حياته التي لم تتجاوز الـ67 عاما إنما هي نموذج رائع للمشاركة الفعالة في التعبير عن التضامن الانساني، بل ان مسرحياته تؤرخ لكثير من الأحداث في حياتنا الاجتماعية والسياسية والفكرية

ولد عبد الرحمن الشرقاوي في العاشر من تشرين الثاني عام 1920 في احدى قرى محافظة المنوفية، وقد أتم تعليمه الأولى في مدرسة القرية ثم انتقل إلى القاهرة ليلتحق بالمدرسة الابتدائية، بعدها انتقل إلى مدرسة الخديوية الثانوية، دخل كلية الحقوق ليتخرج منها عام 1943 ليعمل محاميا، لكنه سرعان ما يتفرغ للصحافة حيث اصبح عام 1945 رئيسا لتحرير المجلة التي تصدرها رابطة الخريجين، عام 1952 سيصدر بالتعاون مع الفنان والكاتب حسن فؤاد مجلة الغد وهي مجلة تقدمية يغلب عليها الطابع الماركسي، عام 1945 سيصدر اولى اعماله الروائية " الارض " وكان قبلها قد اصدر مجموعة قصصية بعنوان " ارض المعركة " عام 1952، والحقه عام 1954 بمجموعة ثانية بعنوان " أحلام صغيرة "، عام 1957 اصدر ديوانه " من أب مصري الى الرئيس ترومان " ويعدها النقاد من أوائل القصائد في حركة اشعر الحر العربي، عام 1959 يصدر مسرحيته الشهيرة " مأساة جميلة " وفي نفس العام يصدر كتابه " محمد رسول الحرية "، في الخمسينيات ينتمي الى الحزب الشيوعي المصري، لكنه لم يستمر طويلا حيث تعرض الى الاعتقال والفصل من وظيفته، وبعد هزيمة 1967 كتب الشرقاوي مسرحية بعنوان " تمثال الحرية" يندد فيها بالاستعمار الأمريكى وخداعه للدول النامية بشعارات الحرية.

بعدها سيقدم عام 1963 مسرحيته "الفتى مهران" والتي عرض من خلالها مأساة بطل يريد أن يمارس حقه في الاختيار ومأساة بشر يريدون أن يعيشوا مجتمعا عادلا. وقد صرح بان هذه المسرحية تقدم نموذجا للبطل الوجودي:" كنت حينها متاثرا بشدة بما يكتبه جان بول سارتر من مسرحيات تلهب حماس الجماهير "، وواصل الشرقاوي سيرته مع المسرح الشعري فيكتب مسرحية وطني عكا عن مأساة فلسطين، ثم يتوج أعماله المسرحية بمسرحية " الحسين ثائراً" و» الحسين شهيدا" عام 1968 وفى هاتين المسرحيتين يؤكد الشرقاوي على قيمة الاستشهاد دفاعا عن القيم الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية حيث كان الإمام الحسين يؤمن بأن الموت دفاعا عن الحق خير من حياة الركون للباطل، ويقول الشرقاوي على لسان الحسين:" طوبى لمن يعطى الحياة قيمة أغلى عليه من الحياة|.. أما مسرحياته الأخيرة فقد كتب مسرحية " النسر الأحمر" وأخيرا مسرحية " احمد عرابي " عن احد قادة النضال الثوري في مصر، وتم اختياره ليكتب حوار فيلم الرسالة الذي أخرجه مصطفى العقاد.

توفي الشرقاوي في الرابع والعشرين من شباط عام 1987، وقد عش حياته يؤمن بالاشتراكية التي يتساوى فيها جميع البشر.4276 شرقاوي

من بين الكتب التي اثارت ضجة كتاب " علي امام المتقين " ويقول الشرقاوي: " كنت أنشر فصول الكتاب في جريدة الأهرام وعندما وصلت إلى موقف علي وأبي ذر من المال، كتب الصديق ثروت أباظة معلنا خلافه معي حول هذا الموقف من المال وزعم أنه موقف الشيوعية لا موقف الإسلام فرددت عليه ولكن الصديق ثروت لم يكد يعلن رأيه حتى انفجرت ضدي ثورة ظالمة. حين أثرت الحديث عن الموقف من الثروة وكيف أن الإمام لم يجد في الخلافة حقا استثنائيا في المال والأرض، فساوى نفسه مع الجميع، رفض أن يسكن قصر الإمارة ونزل مستأجرا في منزل يملكه أفقر فقراء الكوفة" .

عندما كتب عبد الرحمن الشرقاوي مسرحية الحسين ثائرا – شهيدا، كان يريد ان يعبر عن عواطف وطنية وأيضا إنسانية تجاه مواقف التضحية في سبيل إعلاء كلمة الحق، وينبه العرب الى الجرح الغائر بسب نكسة حزيران عام 1967، وقد اتفق مع المخرج كرم مطاوع على تحويل المسرحيتين إلى مسرحية واحدة تقدم على المسرح، وبالفعل بدأت البروفات بداية السبعينيات، لكن كان لازماً على الأزهر أن يراجع المسرحية حتى يبدي رأيه فيها لما تمسه من أمور دينية وعقائدية،

فتم التواصل مع الأزهر بتاريخ 8 تموز عام 1970 م وتمت الموافقة على عرض المسرحية بتاريخ 4 أب عام 1970 م بعد تعديل أجزاء من نصوص في المسرحية والتعهد بعدم تجسيم الإمام الحسين وبعد الإنتهاء من التصويب يتم حضور وفد من الأزهر للتأكد من التنفيذ.

ولم تقدم المسرحية في موسم 70/71 لأسباب مجهولة، لكن وفي 21 تشرين الأول عام 1971 م نشرت جريدة الأهرام خبراً مفاده أنه سيتم تقديم مسرحية ثأر الله على أن يشارك في بطولة المسرحية عبدالله غيث في شخصية الإمام الحسين.فتلقى عبدالرحمن الشرقاوي خطاباً من مدير النشر بمجمع البحوث الإسلامية يذكره بتعهد الشرقاوي له بعدم تجسيد شخصية الحسين على أن يكون بدلاً منه تعليق صوتي مسموع وقائله غير ظاهر للجمهور.

وحضر الأزهر البروفة الجنرال يوم 9 اذار سنة 1972 م في المسرح القومي وارتأى ذلك التقرير بضرورة منع المسرحية، ولم يكن الأزهر متحمساً لأى عمل لعبدالرحمن الشرقاوى، خصوصاً بعد معركته الشهيرة مع شيخ الأزهر الدكتور عبدالحليم محمود، وهى المعركة التى بدأت حين كتب شيخ الأزهر مقالا فى آخر ساعة قال فيه " ومما يستلفت النظر أن العشرة المبشرين بالجنة كلهم من الأغنياء". فرد عليه الشرقاوى بمقالة شهيرة عنوانها " لا يا صاحب الفضيلة " قال فيها أن الأغنياء لا يشترون الجنة بأموالهم وأن تاريخ الإسلام زاخر بفقراء لم يمنعهم فقرهم من العمل والتقرب إلى الله.

في ثنائية الحسين ثائر – شهيدا، حاول عبد الرحمن الشرقاوي ان يتناول كل ما هو انساني في هذه الملحمة، حيث يصور لنا بطلا تراجيديا يسير إلى مصيره وهو مدرك انه سيىلاقي مصرعه لانه يدرك ان المبادئ التي يدافع عنها ستنتصر وتزدهر إذا وهبها دمه . ويعرض لنا الشرقاوي موقف بطولي من اروع المواقف لا في التاريخ الاسلامي وانما في التاريخ الانساني باسره . بل ان الشرقاوي استطاع من خلال المسرحية وبجرأة نادرة ان يقف ضد الظلم المعاصر الذي يعيشه الانسان العربي .

وها هو صوت الحسين يدوي:

إيه يا أرواح آبائي واسلافي العظام

اصرخي كي ينهض الغافون في وجه الظالم

ثم يقول:

انثري الاشلاء في وجه الرياح العاتية

تحمل النقمة للظالم واللعنة للساكت عنه

وتبث الندم الفاجع في اعماق من صف له

بعدها سنعرف ان دماء الحسين ستشرق نهارا جديدا:

الحسين: من قلبي الدامي ستشرق روعة الفجر الجديد

من حر اكباد العطاش سينبع الزمن السعيد

طوبى لمن يعطي الحياة لقيمة اعلى عليه من الحياة .

المقطع الأخير من المسرحية يحدد لنا عبد الرحمن الشرقاوي الغاية من المسرحية عحين نسمع صدى صوت الحسين يردد:

فلتذكروني عندما تغدو الحقيقة وحدها

حيرى حزينة

فإذا بأسوار المدينة لا تصون حمى المدينة

لكنها تحمي الأمير وأهله والتابعين

فلتذكروني عندما تجد الفصائل نفسها

أضحت غريبة

وإذا الرذائل أصبحت هي وحدها الفضلى

الحبيبة

وإذا حكمتم من قصور الغانيات

ومن مقاصير الجواري

فاذكروني

فلتذكروني حين يختلط المزيف بالشريف

فلتذكروني حين تشتبه الحقيقة بالخيال

وإذا غدا البهتان والتزييف والكذب

المجلجل هن آيات النجاح

فلتذكروني في الدموع

فلتذكروني حين يستقوي الوضيع

فلتذكروني حين تغشى الدين صيحات البطون

وإذا تحكم فاسقوكم في مصير المؤمنين

وإذا اختفى صدح البلابل في حياتكم

ليرتفع النباح

وإذا طغى قرع الكئوس على النواح

وتجلج الحق الصراح

فلتذكروني

وإذا النفير الرائع الضراف أطلق

في المراعي الخضرصيحات العداء

وإذا اختفى نغم الإخاء

وإذا شكا الفقراء واكتظت جيوب الأغنياء

فلتذكروني

فلتذكروني عندما يفتي الجهول

وحين يستخزي العليم

وعندما يستحلي الذليل

وإذا تبقى فوق مائدة إمرء ما لا يريد

من الطعام

وإذا اللسان أذاع ما يأبى الضمير من الكلام

فلتذكروني

فلتذكروني إن رأيتم حاكميكم يكذبون

ويغدرون ويفتكون

والأقوياء ينافقون

والقائمين على مصالحكم يهابون القوي

ولا يراعون الضعيف

والصامدين من الرجال غدوا كأشباه الرجال

وإذا انحنى الرجل الأبي

وإذا رأيتم فاضلا منكم يؤاخذ عند حاكمكم بقوله

وإذا خشيتم أن يقول الحق منكم واحد

في صحبه أ و بين أهله

فلتذكروني

وإذا غزيتم في بلادكم وانتم تنظرون

وإذا اطمأن الغاصبون بأرضكم وشبابكم

يتماجنون

فلتذكروني

فلتذكروني عند هذا كله ولتنهضوا باسم الحياة

كي ترفعوا علم الحقيقة والعدالة

فلتذكروا ثأري العظيم لتأخذوه من الطغاة

وبذاك تنتصر الحياة

فإذا سكتم بعد ذلك على الخديعة

وارتضى الإنسان ذله

فانا سأذبح من جديد

وأظل اقتل من جديد

وأظل اقتل كل يوم ألف قتلة

سأظل أقتل كلما سكت الغيور وكلما أغفا

الصبور

سأظل اقتل كلما رغمت أنوففي المذلة

ويظل يحكمكم يزيدها... ويفعل ما يريد

وولاته يستعبدونكم وهم شر العبيد

ويظل يلقنكم وإن طال المدى جرح

الشهيد

لأنكم لم تدركوا ثار الشهيد

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم