شهادات ومذكرات

خواطري حول ما قيل عن اكتشاف العرب للأمريكتين

تمر اليوم الذكرى الـ530، على قيام البحارة والمستكشف الإيطالي الشهير كريستوفر كولومبوس بالإبحار من لا غوميرا التابعة لجزر الكنارى، لعبور المحيط الأطلسي للمرة الأولى، والذى ينسب له اكتشافه لأرض القارة الأمريكية الشمالية والعالم الجديد، ورغم نسب اكتشاف أرض العالم الجديد للمستكشف الإيطالي، إلا أن الكثير يرى أن نسب اكتشاف أمريكا الشمالية خطأ تاريخي لكولومبوس، حيث أن هناك من سبقوا في اكتشافها، ويعتقد البعض أن المسلمين هم أول من اكتشفوها.

على الرغم من مما هو معروف عن أن "كريستوفر كولومبوس" هو من اكتشف أمريكا، فإن هناك دراسات ومراجع تاريخية وخرائط قديمة أثبتت أن العرب هم أول من اكتشفوا الأراضي الأمريكية، وتكرر ظهور تلك الوثائق في فترات تاريخية مختلفة، ومن تلك الوثائق دراسة حديثة بالإنجليزية أصدرها الدكتور يوسف ميروا تفيد أن كثيرًا من المؤرِّخين يؤكد أن عرب الأندلس وصلوا إلى شواطئ أمريكا قبل كولومبس بـ 500 عام، ويستدلون ابتداءً بما ذكره الجغرافي والمؤرخ المسعودي، في كتاب "مروج الذهب ومعادن الجوهر"، من أن بحارا مسلما يدعي ابن سيد القرطبي أبحر من الشاطئ الغربي للأندلس عام 889 م وسار في اتجاه مستقيم حتى وصل إلى شاطئ كبير رجع منه محملا بكنوز كثيرة .

أيضا المسعودي رسم في خرائطه مناطق في المحيط الأطلسي (غرب القارة الأفريقية والأوربية) سماها الأراضي المجهولة، وورد في كتاب "أفريقيا الشمالية والصحراوية نقلا عن الشريف الإدريسي عام 500 هـ فصل خاص جاء فيه أن ثمانية من الشباب المغرورين الأندلسيين أبحروا انطلاقا من شواطئ الأندلس الغربية في القرن الرابع الهجري أملين في استكشاف بحر الظلمات، فساروا غربا، ثم جنوبا فرسوا عند جزيرة، ثم تابعوا المسير حتى وصلوا جزيرة،ثم تابعوا المسير حتى وصلوا جزيرة أخرى فوجدوا فيها عمالقة حمر اللون طوال الشعر، وقابلوا ملك الجزيرة، وأخبروه بأنهم خرجوا لاكتشاف مجاهل المحيط إلى نهايته، ولما أقنعهم باستحالة مشروعهم غادروا شرقا، وساروا ستين يوما، حتى وصلوا ميناء لشبونة في غرب الأندلس .

وقد ورد سيرة هؤلاء المغامرين، وهم أبناء عمومه في تحقيقات المؤرخ " كراتشكوفسكي "، وتم التحقيق منها عام 1952م في قسم الجغرافيا في جامعة ويتواتر البرازيلية، وفي كتاب " أحوال التربية الإسلامية في أمريكا "، ذكر الدكتور " كمال النمر" أن بعض البحارة المسلمين، انطلقوا من الأندلس عام 1130 م واستقروا على شواطئ ما يعرف الآن بالبرازيل، كما وجد في الأندلس تقارير تعود إلى عام 1790م عن مغاربة مسلمين هاجروا من الأندلس زمن الاضطهاد واستوطنوا جنوب كاليفورنيا وفلوريدا .

وحتى اليوم توجد في مكتبة قصر الاسكوريال في أسبانيا خريطة رسمها الجغرافي العربي ابن الزيات تظهر السواحل الشرقية للأمريكتين كدليل على اكتشاف المسلمين للأراضي الجديدة قبل كولومبوس بعدة قرون .

ومن حين لآخر كانت تظهر تلك الوثائق والدراسات، حتى أن مجلة "نيوزيويك" الأمريكية نشرت مقالاً للدكتور "هو لين لي" أستاذ بجامعة (هارفرد) وهو من أصل صيني، أكدّ فيه أن البحارة العرب اجتازوا الأطلنطي قبل كولومبوس بحوالي قرنين أو ثلاثة، وذكرت المجلة المذكورة أيضاً: "أن هذا الدكتور أعلن عن نظريته هذه في المؤتمر الحادي والسبعين بعد المئة للجمعية الشرقية الأمريكية التي تضمّ عدداً من الأساتذة المتخصصين وقال إن الملاّحين العرب قاموا قبل عام (1100م) من الطرف الغربي من القارة الإفريقية ومن الدار البيضاء بالذات ورسوا بسفنهم في عدة أماكن على طول الساحل الشمالي الأمريكي".

أضف إلى ذلك أنه في العهد العثماني أن القبطان التركي حاجي أحمد " أو " بيري ريس" كما يدعي في الغرب رسم عام 1513م خريطة مذهلة لسواحل الأمريكتين في الوقت الذي كان كولومبس يعتقد أنه اكتشف الهند،  وقد كان في وقتها رئيس البحرية العثمانية، وذلك سنة 919 هـ أي: حوالي: 1510-1515م، واللافت للانتباه أنها تعطي خريطة شواطئ أمريكا بتفصيل دقيقة جدًا، بل ليس الشواطئ فقط، بل أتى بأنهار وأماكن لم يكتشفها الأوروبيون إلا أعوام 1540-1560م، فهذا يعني – وكما ذكر بيري رايس – بأن هذه الخريطة مبنية على حوالي تسعين خريطة له وللبحارين الأندلسيين والمغاربة الذين قدموا قبله، فسواء هو أو العرب قبله سيكونون عرفوا قطعًا تلك المناطق، وعرفوا اسمها قبل الأوروبيين.

والغريب في الأمر أنه أظهر بالتفصيل جبال الأنتس التي هي جبال تشيلي في أقصى غرب قارة أمريكا الحنوبية، التي لم يصلها الأوروبيون إلا عام 1527م.

وفي عام 2000م اكتشفت لويزا أيزابيل ال فيريس دو توليدو، "Luiza Isabel al ferris Do Tolido"، وهي دوقة مدينة سيدونسا "Cedonia"، بالصدفة وهي ترمم قصرها في مدينة باراميدا "San Luca De Paramida"، وثائقًا إسلامية مكتوبة بالعربية ترجع إلى العهد الأندلسي، في هذه الوثائق وصف كامل لأمريكا والمسلمين فيها قبل كريستوفر كولومبس، خبأها أجدادها الذين كانوا حكام إسبانيا وكانوا جنرالات في الجيش الإسباني، وكانوا حكام الأندلس وأميرالات البحرية الإسبانية. وقد خافت أن يحرقها الأسبان بعد موتها، فقامت بوضعها في كتاب قبل أن تموت سنة 2008 م، وهذا الكتاب اسمه: "Africa versus America". وفيه تفاصيل كثيرة عن اكتشاف العرب لأمريكا قبل كريستوفر كلومبوس.

أما كولومبس نفسه ذكر في رسالته ومذكراته إشارات تصلح للاستدلال ؛ إذ أورد أنه رأي جزيرة حمراء في رحلاته إلى أمريكا يحكمها رجل غربي ينادى بأبي عمر، كما اكتشف أهالي جزيرة " سان سلفادور" يتكلمون ببعض الكلمات ذات الطابع العربي، مع بعض التحريف في النطق، وذكر أنه رأي في " الهندوراس" قبيلة سوداء مسلمة يطلق عليهم لقب إمامي .

وفي مذكراته الشخصية ذكر " كولومبوس" أنه شاهد مسجدا في كوبا فوق رأس جبل، كما أن الأسلحة التي يستخدمها سكان" هايتي" هي نفسها التي تستعمل في أفريقيا، وأما كولومبوس استعان في رحلته الشهيرة بمرشدين مسلمين مغاربة زاروا أمريكا من قبل، وأن المتكشف الإسباني " فراماركوس دينيز"، استعان بمرشد مغربي اسمه " إسطفان " قتله الهنود الحمر عام 1539م في " نيو مكسيكو"، وقبل تعاونه مع " دينيز" كان العربي" أسطفن"، وهو من قرية " أزمور" المجاورة للدار البيضاء قد اكتشف مع ثلاثة عرب ولاية" فلوريدا" لصالح حملة" بانفيلودي نافيز"، ثم استوطن " اريزونا"، وكان ضمن أول ثلاثة أفراد عبروا القارة الأمريكية .

وقد كتب المؤرخ الأمريكي" وينر "، وهو أستاذ للتاريخ بجامعة هارفارد يقول إن كولومبوس فهم أنه كان يوجد مسلمون في العالم الجديد وانحدروا من غرب أفريقيا وانتشروا من " الكاريبي" إلى مناطق مختلفة من شمال وجنوب أمريكا .

وأضاف "وينز" أن مجموعات من هؤلاء البحارة تزاوجوا مع هنود الأمريكتين، ويضيف الدكتور يوسف أن العديد من المصادر الإسلامية تحدثت عن رحلات بحرية تمت في المحيط الأطلسي مثل كتاب الإدريسي " نزهة المشتاق في اختراق الأفاق ومسالك الأبصار في ممالك الأمصار" .

وبحسب كتاب "المخابرات في الدولة الإسلامية" للكاتب محمد هشام الشربينى، تشير كثير من الدراسات إلى أن المسلمين سبقوا كولومبوس فى الوصول إلى أمريكا اللاتينية، فبعد عدة سنوات من البحث والدراسة في أمريكا اللاتينية كشف الباحثان عبد الهادي بارزورتو ودانيال دنتن في محاضرة ألقياها في جامعة كاليفورنيا عن جوانب تشابه فى طرق المعيشة التى كان يمارسها السكان الأصليون من الهنود الحمر، والمعروفون الآزتك مع المسلمين، كما عرض المحاضران عددا من الوثائق وسردا مجموعة من القصص التي تناقلتها أجيال متعاقبة من الآزتك ظهر فيها إشارات واضحة إلى آثار إسلامية كانت موجودة في أمريكا قبل وصول كريستوفر كولومبوس والمستكشفين الأوروبيين إليها، مما يعد دليلا على أن الإسلام وصل إلى أفراد تلك القبائل قبل المسيحية التي جاء بها الأوروبيون.

ووفقا للكتاب أيضا تشير دراسات أخرى أن عددا من البحارة المسلمين من بقايا المماليك الأندلسية كانوا أفراد البعثة الاستكشافية التي قادها كولومبوس نحو الأمريكتين عام 1492م، نظرا لتفوقهم في علوم الفلك والملاحة وصناعة السفن، ويذكر المؤلف أيضا أن هناك بعض الدلائل الأثرية الموجودة الآن في متاحف أمريكا اللاتينية ومنها شيلى أن المسلمين هم الذين اكتشفوا قارة أمرياك قبل "كولومبوس".

وجاء في كتاب " صدف غيرت التاريخ" للكاتب إبراهيم على، أن بعض المؤرخون يروا أن العرب المسلمون وصلوا إلى أمريكا قبل كريستوفر بحوالي 500 سنة، مستندا إلى المؤرخ الإدريسى في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" المكتوب سنة 956م، حيث حكى عن أحد المغامرين ويدعى "الخشخاش" أبحر فى رحلة مع أصحابه فى طريق بحر اسمه بحر الظلمات سنة 889م، وجد فيها غنائم ومعادن غالية، فكانت هى الأمريكتين.

بينما يذهب كتاب "أحمد بن ماجد ملاح من جلفار" للدكتور سالم حميد، بأن هناك دلائل أن أبو بكر الثانى إمبرطور مالى، الذى ولد في 1280م، وأصبح أمبرطورا عام 1310، قرر أن يتخلى عن عرشه في العام التالي من أجل مغامرة محفوفة بالمخاطر، وذلك بعبور المحيط الأطلسي وقام بتجهيز نحو 200 سفينة و200 زورق إضافى، وقاد حملة وصلت إلى الأمريكتين عام 1312م، وقد أكد كولومبوس نفسه في أحد المخطوطات التي كتبها بيده أن الأفارقة المسلمون كانوا قد سبقوه فى الوصول إلى القارة الأمريكية، بدليل أن سكان أمريكا الأصليين قد تعلموا كيفية إشابة وصهر الذهب ومزجه بالمعادن الأخرى، وهى طريقة أفريقية خالصة.

وفي كتاب قصة أمريكا، أورد " باري نيل" الكثير من الأدلة بلغت 565 تسجيلا تشير لتواجد المسلمين في أجزاء من أمريكا، ومن هذه الأدلة خرائط وآثار وأسماء عربية، مثل مكة، وهو اسم لقبيلة هندية ومني وأحمد ومحمد والمرابطين، إضافة إلى كثير من العادات والتقاليد التي تؤكد وجود اتصال بين هنود أمريكا والمسلمين العرب .

أيضا ذكر " ايفن" في كتاب بعنوان " جاءوا قبل كولومبوس"، أن عددا من الأدلة على وصول أفارقة إلى أمريكا، ولم يفت الباحث أن يستشهد بما كتبه المستشرق الإنجليزي " دي لاس" بما أورده في كتابه " الفكر العربي ومكانته في التاريخ"، وهذا الكتاب كان قد ترجمه للعربية الدكتور " تمام حسان"، حيث ذكر الرحلات التي قام بها المسلمون في عام 1312م، وهي روايات صحيحة بما كان عليه المسلمين في تلك الفترة من خبرة واسعة في الملاحة البحرية، وأكد أنه لا يوجد شك من وصولهم إلى أمريكا قبل كولومبوس.

***

أ.د محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.......................

المراجع:

[1] دراسات وأبحاث منشورة لكاتب الدراسة (حسني عبد الحافظ): العلاقات العربية الصينية إبَّان العصر الوسيط (مجلة الفيصل)، أميركا كولومبس لم تكن عذراء (مجلة الكويت)، التفوُّق البحري عند العرب (مجلة العلم)، دور العرب في تطوُّر علم الخرائط (مجلة الخفجي)، أضواء علي خريطة بيري رايس (مجلة العلم)، فضل العرب علي الحضارة الإنسانية (مجلة الأزهر).

[2] أبو عطية، عبد الفتاح حسن: تاريخ أوربَّا وأميركا الحديث.

[3] هارب، جورج: الموجز في تاريخ الكشف الجغرافي.

[4] مؤنس، د. حسين: تاريخ الجغرافيا والجغرافيِّين في الأندلس.

[5] أحمد، د. أحمد رمضان: الرحلة والرحالة المسلمون.

[6] سيرتيما، فان: الذين جاءوا قبل كولومبس.

[7] لاس، دي: الفكر العربي ومكانته في تاريخ الغرب.

[8] أعداد مُتفرِّقة من صُحف ومجلات غربية (نيوزويك، والعالم الجديد، وديلي كلاريون، ومجلة هربرز ويكلي، ومجلة planeta البرازيلية).

[9] جيفر يز: أصول الشعوب الأميركية.

[10] النمر، د. كمال: أحوال التربية الإسلامية في أميركا.

[11] Leon Vernil:Africa and the discovery of America.

[12] الكتاني، د. علي بن المنتصر: انبعاث الإسلام بالأندلس.

[13] العمري، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فضل الله: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار.

[14] ابن الوردي: خريدة العجائب وفريدة الغرائب.

[15] المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين: مروج الذهب ومعدن الجواهر.

[16] الإدريسي، الشريف: نزهة المـُشتاق في اختراق الآفاق.

[17] Barr Fell:saga America.

[18] بيرنيط، خوان: هل هناك أصل عربي إسباني لفن الخرائط البحرية؟.

[19] مُذكِّرات وأوراق كريستوف كولومبس.

[20] إسماعيل، د. أحمد علي: الإدريسي وحديث الفتية المغررين، مجلة العهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد، المجلد 26، مدريد، 1993م.

[21] زود هوف، هانيكه: معذرة كولومبس، لست أوَّل من اكتشف أميركا.

 

في المثقف اليوم