شهادات ومذكرات

يغيل دي أونامونو: أنا، أنا، أنا ودائما أنا

بقي منسياً ومهملا ولا يريد له البعض أن يجلس في مقهى الوجودية الى جوار هايدغر وسارتر وميرولو بونتي، حتى بعدما ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات. غاب اسمه عن دليل اكسفورد في الفلسفة – ترجمه الى العربية نجيب حصادي – ووضع بدلاً منه مواطنه الاسباني خوسيه أورتيغا إي غاسيت (1883-1955) – صاحب الكتاب الشهير " موضوع زماننا " – ترجمة علي ابراهيم الاشقر - الذي طرح فيه فكرة ان الجيل ليس حفنة من الرجال العظماء، وليس مجرد جمع كبير، إنه عبارة عن جسد اجتماعي جديد متكامل، باقليته المختاره وجمهوره العريض، الذي جيء به الى حيز الوجود يحمل مشروعا حيويا موحدا. اورتيغا غاسيت الذي كتب الرواية والمسرحية والمقال النقدي، كان يستخدم معظم الوسائل الادبية في سبيل طرح افكاره الفلسفية وشرح نظريته الشهيرة عن " الظرف " – انا اكون أنا وظرفي، وإذا لم أنقذ ظرفي فما انقذت إذن نفسي –، ان الوعي بالظرف بالنسبة لاورتيغا يعني أن يؤسس الانسان علاقة اخصب بالعالم، وهذه العلاقة تتحول الى نوع من الحركة والثراء.. ولهذا لابد للمرء أن يعتمد على ظرفية معينة، وحتى يتسنى له ذلك عليه ان يقرر في كل لحظة ما سيقوم بعمله في اللحظة التالية، بل ربما في سنوات قادمة، في كتاباته الفلسفية والتي صنفت ضمن الخانة الوجودية".اعتبراورتيغا الحياة البشرية وجودا جذريا، ينبثق منه كل وجود آخر، ويقطع الطريق على الذين ينادون ان الحياة مستحيلة عن غير طريق العقل. لقد سعى اورتيغا الى احياء التفاهم بين العالم والعقل. يكتب عبد الرحمن بدوي ان اورتيغا ليس لديه مذهب فلسفي بالمعنى الدقيق، بل ان نزعته الوجودية يتنافى معها ان يكون له مذهب – عبد الرحمن بدوي اورتيغا وتمرد الجماهير مجلة الثقافة 1960 –، فهو يريد من خلال الفلسفة ان يقدم لنا موضوعات زماننا، وان اصلح طريقة للحياة هي باحترام شرطنا الاساسي الارضي، نحن موجودون وموضوعون في الـ (ها هنا) وهذه الجملة تحتوي على كل شيء. في كتابه: " محاضرات في الميتافيزيقيا " – ترجمة علي ابراهيم الاشقر –، يقدم اورتيغا تصورا لفلسفته والتي تكون نقطة البداية فيها " العقل الحيوي في مقابل العقل المجرد أو العقل النظري كما تصوّره المثاليون. العقل الحيوي يَّثبت الفرد وواقع الأشياء، وهو أسلوب في التعامل، طريقة في الحياة أو الحياة نفسها. هو الفعل أو تحقيق الحياة باعتبارها مشروعا. العقل الحيوي هو " الأنا في موقف"، مهمته إدراك هذا العالم، وعلى هذا النحو يجعل أورتيغا من الحياة انطلاقا لفلسفته، ولعل إحساس اورتيغا بالحياة كنقطة بداية، إنما نشأ بسبب حربين عالميتين كان فيها شاهدا على مصير الانسان وهو معلق بين الحياة والموت، يرى كيف تنهار القيم التي وضعها القرن التاسع عشر، وكيف يتحول العلم إلى آلة تسحق الانسان، والتقدم إلى غزو وحروب، والقوة إلى استعمار، والإنتاج إلى استغلال، والتقدم إلى يأس.

كان اورتيغا تلميذا لفيلسوفنا المنسي " ميغيل دي أونامونو " الذي اهتم بالرواية والمسرح والفلسفة والسيرة، واشتركا معا في ولعهما الخاص بعمل ثيرفانتس " دون كيخوته " حيث اصدر اورتيغا عام 1914 كتابه " تأملات حول دون كيخوته، وهو سلسلة مقالات فلسفية ضمنه نواة مبدأه الفلسفي المتعلق بأن الحياة البشرية هي الحقيقة المطلقة والتي صاغها في عبارته الشهيرة " أنا هو، أنا وظروفي ". وكان أونامونو قد اصدر عام 1905 كتابه " حياة دون كيخوته وسانتشو " –ترجمه صالح علماني – وقد تزامن صدور الكتاب مع احتفالات اسبانيا بالذكرى المئوية الثالثة لطباعة دون كيخوته اول مرة. وقبل صدور الكتاب نشرأونامانو مقالة بعنوان " حول قراءة دون كيخوته وتفسيره ". كما انه تناول شخصية دون كيخوته في كتابه " الشعور الماساوي بالحياة " - ترجمه الى العربية علي ابراهيم اشقر –. يحاول أونامونو في كتابه عن " دون كيخوته " ان يستفيد من بطل رواية ثربانتس ليحدد لنفسه الدور الذي يجب ان يقوم به المثقف وهو يواجه ما يدور في مجتمعه. ويسعى ايضا ان يحرر دون كيخوته من سجن الخيال الروائي ليجعل منه شخصية واقعية، ليقدم لنا صورة ذاتية او قناع يختاره أونامونو ليفسر لنا قيم الشجاعة والعاطفة والايمان، فهو من خلال متابعته الدقيقة لحياة دون كيخوته يفرض رؤيته على نص ثربانتس، ويقدم نصا موازيا ومختلفا يمكن ان نسمية " حياة دون كيخوته وتابعه سانشو مثلما رواها السيد ميغيل دي أونامونو: " ماذا يهمني ما اراد أو لم يرد ثربانتس، وضعه او ما قد وضعه فعلا ؟ فما هو حي هو ما اكتشفه أنا، سواء أورده ثربانتس ام لم يورده، هو ما اضعه وافرضه واخفيه. وما نضعه نحن جميعا " – حياة دون كيخوته وسانتشو ترجمة صالح علماني -. ونجد ان اونامونو يتخذ من دون كيخوته رمزاً لنضال الانسان في هذا العالم، فكفاحه تعبير عن النزاع بين العالم كما هو، وكما يصوره لنا العقل والعلم، وبين العالم كما نريده أن يكون. فدون كيخوته لا يذعن اللعالم ولا لحقيقته ولا للعلم ولا للمنطق، ولا للفن ولا لعلم الجمال، ولا للأخلاق، بل يثور على هذا كله، وينتهي إلى اليأس بعد أن رأى عبث النضال، ومن هذا اليأس يولد الأمل البطولي، الأمل اللامعقول، الأمل الجنوني، فدون كيخوته انهزم، لأنه بانهزامه قد انتصر. يتخذ أونامونو من دون كيخوته وسيلة لطرح أسئلة العصر التي تضع الفكر في مواجهة ما يجري على الارض، ولعل أهم الأسئلة التي يطرحها أو نامونو من خلال الفارس دون كيخوته، ما تتعلق بالعدالة بوصفها سؤالا راهنا يستدعي تفكيرا مغايرا حتى ولو كان يستند إلى شخصية الأحمق الذي يعلمنا أن نكون حكماء.

اطلق عليه اصدقاؤه وصف البومة التي تنفذ عيناها في ظلام الروح، وتحوم حول الوجود. كان فرديا معتزاً بفرديته وسط جو مشحون بصراع سياسي بين قوى اليسار والجماعات اليمينية، ظل يؤمن حتى اللحظة الاخيرة من حياته بقيمة الانسان الفرد: " كون المرء انسانا يعني ان يكون شيئاً " وقد اطلق أونامونو صحيته الشهيرة " انا ودائما انا ". فالانسان بالنسبة لهذا الفيلسوف الاسباني غاية سامية: " البشر هم غاية بحد ذاتها، وليسوا وسائل ".

تغيب عن ذاكرة ميغيل دي أونامونو ايام طفولته الاولى، ويخبرنا انه يسترجع حياته من خلال الوثائق التي تقول ان يوم مولده كان في التاسع والعشرين من ايلول عام 1864 في مدينة بلباو التي تقع شمال إسبانيا، كان الابن الثالث لصاحب مخبز لبيع الحلويات، عمل في السياسة وترشح للانتخابات البلدية التي فاز عام 1869، إلا ان الاب سيتوفي وكان عمر ميغيل ست سنوات، ولهذا يخبرنا انه لا يتذكر ملامح والده جيدا: " كل ما اتذكره عندما كان ابي جالسا يتحدث بالفرنسية مع رجل فرنسي، إني لاستنتج فعل اللغة وسحرها الذي تكشف آنذاك أمامي " – من ذاكرة الطفولة والشباب ترجمة بسام البزاز -. في الخامسة من عمره ياخذه والده الى مدرسة خاصة، هناك اكتشف ولعه بالحكايات: " كنت اجمع العديد من زملائي بعد ان يامرني المعلم: (ميغيل، احك لهم قصصا)، فآسرهم واشد انتباههم بقصص من قصص التشويق " – من ذاكرة الطفولة والشباب ترجمة بسام البزاز – في تلك السنوات عثر على روايات " جول فيرن " وكانت كلها تدور في عالم الخيال، امضى سنوات طفولته يدرس اللاهوت، في الثامنة من عمره يشهد الحرب الكارلية الثالثة التي نشبت في إسبانيا عام 1872 وانتهت عام 1876. حيث تمت محاصرة مدينته التي استولت عليها فيما بعد قوات جوتيريز دي لا كونشا.تفتح وعيه على مآسي الحروب، ويتذكر تلك القنلة التي سقطت على منزل مجاور لمنزلهم، حيث تركت في نفسه اثرا قويا ضد استخدام القوة والعنف، وغرست فيه اهتماما قويا بشؤون بلاده، وفي كتابه " من ذاكرة الطفولة والشباب " يكتب أونامونو أنه قبل هذا التاريخ " لا احتفظ الا بالذكريات المنفصلة ". يكمل دراسته الثانوية وفي هذه الفترة يقرأ مؤلفات ديكارت وبسكال وكانط وهيغل، عام 1880 دخل جامعة مدريد ليدرس الآداب والفلسفة، حصل على الدكتوراه برسالة عن اللغة، عاد الى بلدته بلباو، وظل بها يمارس مهنة التعليم، والكتابة في المجلة الاسبوعية "صراع الطبقات".. عام 1881 يعمل استاذا في الجامعة يلقي محاضرات عن الادب اليوناني والفلسفة الاغريفية، بعد سنوات يتم اختيارة مديرا لجامعة سلمانكا، اهتمامه بالسياسة يدفع ادارة الجامعة الى فصله بعد سنوات، عند اندلاع الحرب العالمية الاولى يقف الى جوار الحلفاء ضد المانيا، اخذ يكتب مقالات في الصحافة ضد النظام الاسباني مما ادى الى صدور حكم بسجنه ست سنوات، يخرج بعفو ملكي ليعود الى الجامعة، عند تولي ميغيل بريمو دي ريفيرا منصب رئيس الوزراء عام 1923 خاض أونامون حملة ضده بسبب نهجه الدكتاتوري، مما ادى الى نفيه إلى جزيرة فورنفنتورا، يصدر قرار جديد بالعفو عنه، لكنه يرفض العودة إلى إسبانيا، ويقرر العيش في باريس عاد إلى إسبانيا في عام 1930 واستقبل استقبالا حافلا من الثوار الذين حطموا عرش الملكية والدكتاتورية. وفي سنة 1931 عين "مديراً مدى الحياة" لجامعة سلمانكا،. في عام 1935 منح وسام ولقب "مواطن الشرف لسنة 1935" واختير نائباً في الجامعة التاسيسية التي وضعت دستور الجمهورية الاسبانية الناشئة، عندما قامت الحرب الاهلية وقف الى جانب فرانكو ضد الجمهوريين، لكنه سيكشف بعد عام تورطه في مساندة فرانكو وجماعته، حيث اخبر بعض المقربين منه أنه قلق ونادم على دعمه للإنقلابيين على الجمهورية،وأن هذه الطغمة العسكرية لن تأتي إلا بالموت والدمار، ووجد الفرصة سانحة عندما قررت اسبانيا عام 1936 الاحتفال بذكرى اكتشاف اكتشاف كولومبس لاميركا،حيث حاولت، وحاولت السلطة ان تجعل من المناسبة فرصة لاندماج النخبة الجامعية في مشروع فرانكو، وقرَّرت القيادة العسكرية آنذاك تنظيم هذه الذكرى في مدرج جامعة سلامنكا التي كان أونامونو عميدا لها امتلات مدرجات الجامعة  بشباب كتائب فرانكو وبالقيادات العسكرية ورجال الكنسية. كانت علامات الانزعاج والقلق بادية على أونانومو، لمنه قرر في هذه المناسبة ان يصمت ولا يلقي بكلمة، فتقرر ان يلقي احد الاساتذة كلمة الجامعة فوقع الاختيار على فرانسيسكو مالدونادو الذي ألقى كلمة حماسية تغزل فيها بفرانكو وحكومته، مؤكدا ان اسبانيا تحتاج الى طبيب جراح مثل فرانكو يقطع اللحم الحي برباطة جأش وبدون رحمة مادام في ذلك علاج. الكلمات الهبت حماس الحضور واخذت القاعة تردد عاش الموت وما أن انتهى مالدونادو من كلمته حتى وقف أونامونو ليتكلم بلهجة تنم عن امتعاض عميق وانطلق في خطاب مرتجل يعتبر اليوم من أهم ما قدمه مثقف معاصر في مواجهة سلطة غاشمة، أعلن أونامونو أن إستأصال القوميات يذكره بأنه فاسكي ويُشرِّفه ذلك، وأن رئيس الكنيسة الحاضر في المنصة كتلوني ولن يفيده التنكر لذلك. وبصوته الهاديء واصل أونامونو قائلا: " تعرفون أنني لا أستطيع الصمت عن الكلام، بل أعتبر أن الصمت أحيانا يساوي الكذب، ولذلك أنا مضطرّ للتعليق على ما يسمى بخطاب الافتتاح للأستاذ مالدونادو، تحدّث الخطيب عن خوضنا لحرب عالمية لنشر الحضارة المسيحية، وأنا لا أرى في مثل هذا الخطاب إلا حربا ضد المدنية، تحدث الخطيب الجليل عن النصر العسكري وبالقوة والمشرط الذي يستأصل الآخر، ولم ينتبه أن النصر بالقوة لا يعني شيئا وأن الحضارة تُنشر بالحوار والاقناع لا بالقوة والسيف". لم يتمالك احد الجنرالات أعصابه وبدأ يصرخُ عاليا ويقاطع أونامونو بشعارات " عاشت اسبانيا " و" الموت للمثقفين "، لكن الفيلسوف الاسباني لم يتوقف وواصل كلمته قائلا: " سمعتُ شعارات في هذه القاعة الموقَّرة تُنادي بالحياة للموت وهذا الصراخ لا يختلف عن المطالبة بالموت للحياة، " الجنرال ميلان يُعاني من إعاقات حصدها في الحرب بشهامة وشجاعة نادرة، كذلك كان سيرفانتيس قبل ان يكتب ملحمته دون كيشوت، لكن تشابه الحالات لا يعطي القاعدة، للأسف في اسبانيا ارتفع عدد معاقي الحرب بشكل مهول، وإذا لم يساعدنا الرب سيتضاعف عددهم، والذي يقلقني أن يحاول الجنرال وضع قواعد لعلم النفس الجمعي، وأن يحاول ذلك وهو مُعاق يفتقد لعظمة سيرفانتيس الذي كان إنسانا كاملا رغم إعاقاته الجسدية، المعاق الذي لا يحمل مثل صفات سيرفانتيس وقوته المعنوية من المُنتظر أن يجد متعته في المزيد من المُعاقين، الجنرال يريد إنشاء إسبانيا جديدة، ولن تكون إلا اسبانيا بائسة على شاكلته، ولن تكون إلاًّ نسخة من شخصه، نسخة مــعاقـــة "، لم يجد الجنرال مفرا من أن يشهر بمسدسه وسط صراخ وشعارات شباب الكتائب والجنود، وهدًّد بقتل أونامونو على المنصة، لكن أونامونو واصل كلامه هادئا: " أنتم في معبد العلم والمعرفة وأنا كبير كهنته، أنتم تُدنسون الآن قداسة المكان.اثارت الخطبة حفيظة الجنرالات فقررت الحكومة فصال أونامونو من الجامعة واصدار امر بوضعه تحت الاقامة الجبرية الى ان يُقدم للمحاكمة، لكن الموت كان اسرع، حيث تعرض الازمة قلبية حادة، لتعلن وفاته في الحادي والثلاثين من شهر كانون الثاني عام 1936.

رفض أونامونو ان يوضع في خانة معينة من خانات الفلسفة، او يدرج تحت مذهب من المذاهب الفكرية، قال عن نفسه: " لا أريد أن يضعني الناس في خانة،لأني أنا ميغيل دي أونامونو، نوع فريد شاني شأن أي إنسان آخر يسعى إلى الشعور الكامل بذاته ". فلسفته الوجودية تهتم بالانسان اولا حيث يرى ان موضوع الفلسفة الاساسي هو الإنسان الموجود الحيّ، الإنسان المفرد الذي يولد ويموت، ويتفلسف لا يعقله فحسب، بل وبإرادته وعاطفته وروحه وبدنه: " فالإنسان يتفلسف بكل أجزائه ". ولهذا يقول: أنا إنسان، وليس ثمَّ إنسان بغريب عني". والانسان في فلسفة أونامونو الوجودية غاية وليس وسيلة. والحضارة كلها هيئت له، والمسألة الكبرى بالنسبة إلى الإنسان هي البقاء، ومن هنا كان طموح الإنسان إلى الخلود. ويقتبس اونامونو عبارة كيركغارد الشهيرة: "المهم بالنسبة إلى من يوجد أن يوجد وجوداً لا نهاية له". لكن جوهر هذا الانسان هو "الاسى" او " الخوف من الموت "، وهو في سبيل ذلك انما يصارع طوال حياته. وتتخذ فكرة الكفاح في فلسفة اونامانو اشكالا متعددة، فهو لا يكافح الموت فحسب، وانما يكافح الحياة نفسها ايضا، ولا يبقى له إلا ان يقاوم حتى النهاية، ولهذا فالانسان عند اونامونو هو الانسان المتحفز للصراع باستمرار، المكافح في سبيل الحفاظ على الحياة دائما، وليس امامه في سبيل البقاء والخلود والانتصار غير حلول ثلاثة يوردها في كتابه الاساسي "  الشعور الماساوي بالحياة ":

الاول: ان يعرف الانسان انه سيموت موتا كليا، وفي هذه الحالة سيكون عليه ان يعيش حياته في يأس وقلق كبيرين

الثاني: ان يعرف الانسان انه لن يموت نهائيا، بل سيبقى جزء منه خالد، وفي هذه الحالة سيطمئن على مصيره

والثالث: ان يعرف الانسان انه لا يدري يقيننا ما هو الحق في هذا الامر، اهو سيموت ام لن يموت، وفي هذه الحالة يكون الانسان في صراع دائم مع نفسه، ونضال مستمر ليبقى وجوده ثريا بالتجارب والخبرات والانتصارات.

عن طريق هذه الحلول يتوصل أونامونو الى أنه من الصعب وضع الإنسان في إطار محدد، لأنه متجدد بإستمرار، يرفض القوالب الجامدة. والإنسان لا يتميز فقط بالفكر،بل إن أهم ما يميزه هو الإحساس والمشاعر والوجدان وهي تتسم بالحيوية والتجدد. ولذلك كان اهتمامه الدائم بالتنقيب فى أعماق الإنسان الفرد الذى يعد بداية انطلاقه نحو الخارج. واستحوذ علي اهتمامه المصير الإنساني، إنطلاقاً من الأبعاد الوجودية التي تتمثل في القلق واليأس والحرية والمعاناة والشك والصراع، وغير ذلك من الأبعاد التى تلتصق بالمصير الإنساني.

يكتب حسن حنفي: " إن فلسفة أونامونو هي فلسفة ملتصقة بمأساة الحياة، وتفكير في المعني اللآسيان للحياة. إنها تنبثق من الإيمان، وتستند إلى اللامعقول.. إنها فعل جوهره النضال، ولا نتيجة لهذا النضال غير هزيمة الإنسان، لكن هذه الهزيمة نفسها هي أروع انتصار" – دراسات فلسفية الجزء الثاني -

لعب كيركغارد وفلسفته تأثيره كبيراً علي أونامونو، بل ان هناك تشابها بيهما متمثلاَ في نظرتهم الى تراجع دور العقل في حياة الانسان واهمية الاحاسيس والمشاعر: " إن الأسبقية ليست للأفكار، وإذا طبقنا ذلك علي التفاؤل والتشاؤم نجد أن أفكارنا ليست هي المسؤولة عن تفاؤلنا أو تشاؤمنا وإنما تفاؤلنا أو تشاؤمنا يشكل أفكارنا ". ونجد أونامونو يتساءل: لماذا لم يتم وصف الإنسان بأنه عاطفي أو ذو حساسية؟ ولعل ما يميز الإنسان عن الحيوان هو الشعور وتلك الصفة هي اكثر وضوحاً عن العقل بمعني آخر إن الشعور وليس العقل، ومن اجل فهم كيركغارد يتعلم انونامونو الدانماركية لقراءته بلغته الاصلية، وكان يقول ان هناك رابطة روحية بينه وبين الفيلسوف الدنماركي الشهير، 

إن الإنسان الذي يسلط اونامونو الضوء عليه في فلسفته الوجودية، هو الإنسان الملتصق بالحياة المتفاعل معها. هو الآخر المتواجد أمامنا الذي يتعامل معنا ونتعامل معه، ويشعر بنا ونشعر به، هو أنا وانت، وهو ذلك الآخر القريب منا والبعيد عنا.

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم