شهادات ومذكرات

البصرة خزانة العرب وقبة العلم

تعتبر البصرة من اقدم المدن العراقية وكانت في زمن الساسانيين امارة تسمى امارة ميشان. وتتكون من بلدتين احدهما في الجنوب على الخليج وتسمى ميشان والاخرى في الشمال وتسمى الابلة والامارة محصورة بين نهري دجلة والكارون.. وكانت الابلة تسمى ثغر الهند حيث فيها مرفأ تجاري للسفن القادمة والمغادرة للهند. وسماها اليونان خلوك او حارك (ولا نعرف معنى ذلك. ربما تعني الخارج اي التي تخرج منها السفن التجارية) وسماها العرب دست ميسان وميشان والحفير والثني وذات الوشمين وخزانة العرب وقبة العلم والزاهرة والفيحاء وام العراق غيرها من الاسماء.. وقد فتحها المسلمون سنة 14 هجرية في زمن الخليفة عمر بن الخطاب.. واطلقوا عليها اسم البصرة وتعني عندهم الارض الغليظة ذات الحجارة الرخوة البيضاء...4715 البصرة عاصمة الثقافة

وفي زمن الخليفة العباسي المأمون (198 هجرية) امر باحصاء علماء البصرة وتلاميذهم فبلغ عدد العلماء سبعمائة عالم وعدد التلاميذ احد عشر الفا.. فلما وقف المأمون على هذا الاحصاء سره سرورا عظيما وأمر بتخصيص رواتب للمحتاجين منهم.. كما طلب بأرسال نسخ من مؤلفات اولئك العلماء. فجمعوا له اكثر من مئتي الف مؤلف بين صغير وكبير في جميع صنوف العلوم والمعرفة.. ارسلت الى المأمون في ثلاثة سفن وصلت الى بغداد وضمها  الى مكتبته...

وكانت البصرة من اهم مراكز الاشعاع الثقافي والفكري والعلمي في العالم الاسلامي. واشتهرت في الادب والشعر واللغة والنحو والبلاغة والفقة والعلم والتصوير....

و منهم الحريري الذي ولد في البصرة سنة /444هجرية/ 1054 م / وهو ابو محمد القاسم بن علي الحريري البصري.. عرف بالفصاحة والبلاغة وجزالة الالفاظ وكان مؤلفا نابغا ذكيا. واشتهر بكتابه – مقامات الحريري - وذكر انه كتب بخط يده منه 700 نسخة  وهو اشارة الى اهمية المخطوط وزيادة الطلب عليه

وقد وصل المخطوط الى الاندلس سنة 1222 وترجم الى اللغة القشتالية ثم عبر الى اوربا وترجم الى عدة لغات في ذلك الوقت. وتأثر به كثير من الادباء الاجانب منهم ثربانتس الاسباني صاحب رواية – دون كيخوته -

وقد ولد في البصرة  عباقرة لم يشهد لهم التاريخ الاسلامي مثيل.  كالجاحظ والفرزدق وبشار بن برد وابو الاسود الدؤلي والخليل بن احمد الفراهيدي وابن الهيثم 965 م عالم الرياضيات والبصريات ومخترع – الكاميرة - والاصمعي والكندي والمربد وابن سيرين وفرقة المعتزلة والمصور احمد الخراط البصري الذي ظهر في النصف الاخير من القرن الثاني الهجري( 8 م )واشتهر برسم الصور الشخصية والكاريكاتير ويعتبر من اوائل المصورين ورسامي الكاريكاتير في العالم الاسلامي...

وكانت الابلة من اجمل مدن الدنيا ويقال انها احد عجائب الدنيا السبع. حيث تكثر فيها البساتين والمزارع وغابات النخيل والقصور.. وكانت مرفأ للسفن القادمة والمغادرة الى الهند وهي محملة بانواع التوابل والاقمشة خاصة الهمايون والقصطور وهي اقمشة ملوكية اشتهرت بها الابلة.... وكانت الابلة مركزا وملتقى الثقافات الهندية والفارسية والعربية والصينية.. واشتهرت بقصصها الخيالية مثل قصص السندباد البحري وجزر الواق واق( وهي جزر تقع قبالة الهند او في الخليج )حيث اتخذها ابن طفيل الاندلسي مكانا لروايته الخيالية – حي بن يقضان -.. وقد اسحرت  هذه القصص وادهشت الغرب فترجمت الى لغاتهم وعملوا منها الافلام الروائية الطويلة وقصص الاطفال واستوحوا منها قصص طرزان وروبنسن كروسو وغيرها.... .

وخلاصة القول ان المشاعر الانسانية العميقة نحو البصرة بما انبتت من المبدعين والعباقرة في الفكر والادب والعلم خلال تاريخها الطويل... تستحق ان تكون عاصمة الثقافة العربية.. وكيف لا وهي التي ولدت السياب ونازك الملائكة رائدي الشعر الحديث في العالم العربي.......

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر.

او شرفتان تنأى عنهما القمر.

عيناك حين تبتسمان تورق الكروم.

و ترقض الاضواء كألاقمار في النهر.

انشودة المطر للسياب.

***

د. كاظم شمهود

في المثقف اليوم