شهادات ومذكرات

ربابة فلسطينية وأغنية عربية

(قراءة توثيقية في حياة وتراث الشاعر الكاتب حنا ابو حنا)

رحل عن عالمنا يوم الثلاثاء 2-2-2022، الشخصية الادبية الوطنية الثقافية الفلسطينية الشاعر، الكاتب، الباحث والدارس حنا ابو حنا (1928- 2/2/ 2022)، وقد نعته مؤسسات ثقافية ، تجمعات وفعاليات ادبية مشيرة إلى ما خلّفه من تراث أدبي توزّع على مجالات مختلفة من الابداع الشعري والنثري، وعُرف خلال ما ربا على السبعين عامًا، هي عمر عطائه الادبي المشهود له لدى القاصي والداني من الباحثين والدارسين وشداة الادبي العرب والاجانب إلى حد ما.

البدايات- الحياة، الثقافة والانتاج الادبي الثقافي

 ولد حنا أمين أبو حنا في قرية الرينة عام 1928، وكان مولده لعائلة متعلّمة عُرف أبناؤها بميولهم الثقافية العامة، ونبَه فيها العديد من الكتاب والفنانين، نشير منهم إلى قريبه الكاتب الاستاذ أكرم ابو حنا، وهو صاحب العديد من القصص القصيرة، التي لم تنشر في كتاب وقد قام حنا أبو حنا بإصدار عدد من قصص قريبه أكرم في كتاب حمله عنوان "قوت الآخرين" وأصدره عام 1981. كما نشير من أبناء عائلة ـبي حنا إلى الفنان هشام أبو حنا نجل أكرم وقد أنتج عددًا من الاعمال الفنية الموسيقية بعد أن قام بكتابتها ووضع الحانها وتمّ عرضها برعاية جمعية "غوايش" التي أسسها ورعى نشاطاتها خلال العديد من السنوات الماضية، كما نشير من أبناء عائلته إلى الكاتبة المثقفة السيدة رنا ابو حنا- ابنة المرحوم المحامي المعروف أنيس أبو حنا. عمل والد حنا أبو حنا أمين ابو حنا، في مجال مساحة الاراضي، لذا تنقّل في طفولة نجله حنا بين العديد من المدن والبلدات، ما تسبب في تعدد الاماكن و المدارس التي تلقى حنا تعلّمه فيها. دراسة حنا في مرحلتها الثالثة كانت في مدرسة الناصرة الثانوية، أما دراسته العليا فقد تمت في جامعة حيفا حول موضوع الادب الانجليزي وحصل من هذه الجامعة على اللقب الثاني في موضوع دراسته هذا. لن نشير هنا إلى الكثير من التفاصيل المتعلقة بالفقيد، ونكتفي بالإشارة إلى أنه عمل فترة من عمره محاضرًا في جامعة حيفا التي درس فيها حتى اللقب الثاني، كما عمل المرحوم محاضرًا في كلية التربية – دار المعلمين العرب في حيفا، ويذكر أنه عمل ردحًا من عمره مديرًا للكلية العربية الارثوذكسية في حيفا، وقد تواصل عمله فيها حتى تقاعده من منصبه مديرًا لها عام 1987. وضع حنا في حياته المديدة (94 عامًا)، العديد من المؤلفات التي توزّعت على أنواع أدبية متعدّدة هي: الشعر، البحث الادبي والدراسة، إضافة إلى أدب السيرة الذاتية وأدب الاطفال. اعتُبر حنا أبو حنا منذ بدايات وعيه الاولى واحدًا من الشعراء والادباء اليساريين وقد كتب الشعر السياسي الوطني وردّد أشعاره العديد من أبناء جيله وزملائه من أعضاء الحزب الشيوعي الاسرائيلي، ومما يذكر له هنا هو أنه كان من أوائل مَن كتبوا شعر التفعيلة في بلادنا وربما خارجها، كما يذكر له أنه دفع لقاء مواقفه غير المهادنة مع السلطات الاسرائيلية، ثمنًا عمليًا تمثل في دخوله السجن عام 1958. حصل المرحوم على العديد من الجوائز لعلّ أهمها جائزة منظمة التحرير الفلسطينية في مجال أدب السيرة الذاتية، لقاء كتاب سيرته الذاتية "ظل الغيمة" عام 1999، ولقب عزيز حيفا، وهي المدينة التي أقام فيها جنبًا إلى جنب برفقة أبناء عائلته وهم: زوجته ورفيقة دربه السيدة سامية فرح من شفاعمرو. ابنته رباب، وابنته الصحفية أمية أبو حنا ونجله الاكبر والوحيد الذي حمل اسم جده البروفيسور أمين أبو حنا. ومما يذكر في هذا السياق أن الكاتبين بطرس أبو منه وجوني منصور بادرا عام 2005 لإصدار كتاب تكريمي للمرحوم حنا أبو حنا حمّلاه عنوانًا دالًا ومُعبرًا هو "زيتونة الجليل".

الشاعر حنا أبو حنا، عندما قال محمود درويش منه تعلمنا ترابية القصيدة:

 عُرف حنا أبو حنا منذ سنوات ما بعد عام النكبة 1948، بقصائده الوطنية النارية الملتهبة، ويذكر كاتب هذه السطور أن عددًا من زملائه ومجايليه الشيوعيين، منهم الناشط المثقف المرحوم سهيل نصار، ردّدوا أكثر من مرة أمامه قصائده في مقدمتها قصيدة حنا أبي حنا التي اشتهرت في بدايات شبابه الاول وحملت عنوان "عشر سنين". عمل حنا مُحرّرًا وكاتبًا في العديد من منشورات الحزب الشيوعي مثل صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية، ومجلتي "الجديد" و"الغد" وكان واحدًا من مؤسسي مجلة "المواكب" وبعدها "مواقف". ونشر أوائل أعماله الشعرية في منشورات الحزب الشيوعي، ومما يُسجّل له أن أبناء جيله وأبناء الجيل التالي لجيله طالما رددوا قصائده وأشعاره واهتموا بها وربما تعلّموا منها. "من الشاعر حنا ابو حنا تعلمنا ترابية القصيدة"، بمعنى انتمائها وبراءتها ( التوضيح مني)، قال الشاعر الراحل محمود درويش في أكثر من مجلس ومحضر. مع الاهتمام الذي حظي به الانتاج الشعري الاول لشاعرنا، لم يبادر هو ذاته لإصدار مجموعته الشعرية الاولى، وإنما جاءت المبادرة المفاجئة له، كما ذكر هو ذاته خلال حديث خاص معه، من دار نشر في عمان قامت بجمع عدد من قصائده الاولى وأصدرتها ضمن مجموعة شعرية تُعتبر مجموعته الأولى في مجال القول الشعري، وقد حملت تلك المجموعة عنوانًا معبرًا ومؤثرًا ومتماشيًا مع تلك الفترة هو " نداء الجراح"، وكان ذلك في عام 1969. بعد حرب الانتكاس العربية عام 1967 بعامين، وبعد هذه المجموعة الشعرية كتب حنا وأصدر عددًا من المجموعات هي على التتالي: "قصائد من حديقة الصبر"- صدرت عام 1988. "تجرّعت سُمك حتى المناعة"- 1990. و"عرّاف الكرمل"- 2005. ترجم حنا عددًا من قصائك الشعر الروماني وأصدرها عم 1953 تحت عنوان هو " الوان من الشعر الروماني"، وكان قد قام عام 1951 بترجمة ونشر كتاب في مجال أدب الاطفال حمل عنوان" ليالي حزيران". هذان الكتابان مثّلا تجربته الاولى والاخيرة في مجال الترجمة من أيٍّ من اللغات الاجنبية. غلبت على أشعار المرحوم لا سيما في بداياتها الاولى روح رومانسية ثورية شعبية، وهو ما جعل الكثيرين يحفظونها في رأيي ويردّدونها عن ظهر قلب. في مجال القول الشعري يُذكر أن فقيدنا أصدر عام 1991 كتابًا حمل عنوان " ديوان الشعر الفلسطيني". وأذكر أنني سألته ذات لقاء لي به عن سبب كتابته الشعر التقريري المباشر في تلك الفترة، فأجابني قائلًا: إنني وأبناء جيلي تنازلنا عن شيء من فنية الكتابة الشعرية لمصلحة قضيتنا الوطنية، وما تطلّبته من تنازلات كان لا بد منها لمواصلة المسيرة الصعبة والمشاركة الفعالة فيها.

الباحث الدارس، بين الانتماء والتأصيل:

 يبدو أن عَمل الفقيد في مجالات التعليم المختلفة قد أثّر على توجهه الادبي العام، فبادر خلال رحلته الثقافية الثرية، لإصدار العديد من الابحاث والدراسات التي حمّلها عناوين معبرة، ووجهها إلى الابناء والاحفاد ضمن محاولة واعية لتعزيز الانتماء وتأصيل الوجود لأبناء شعبه العربي الفلسطيني عامة ولأبناء شعبه الباقين في بلادهم خاصة. فيما يلي نورد ثبتا نرجو أن يكون شاملًا ووافيًا لما انتجه من مؤلفات وتحقيقات في هذا المجال ابتداء من كتابه الاول فيها حتى الاخير. تقول السيرة الذاتية لفقيدنا إن كتابه الاول في هذا المجال صدر عام 1977 بالاشتراك مع المثقف المرحوم سامي جرايسي-  ابن مدينة الناصرة، حمل عنوان " من مشاكل التعليم في القطاع العربي". بعد هذا الكتاب تتالى صدور كتبه ومؤلفاته على النحو التالي: "عالم القصة القصيرة"- صدر عام 1979. "الادب الملحمي"- 1983. وهما كتابان موجّهان لطلبة المدارس تحديدًا. رواية "مفلح الغساني" للكاتب الصحفي- صاحب جريدة "الكرمل"، نجيب نصار- تحقيق وتقديم - صدر عام 1985. "روحي على راحتي"- تحقيق وتقديم لديوان الشاعر الفلسطيني شهيد معركة الشجرة عام 1948 عبد الرحيم محمود- صدر عام 1985. "ثلاثة شعراء"- وضم معلومات عن عدد من الشعراء الوطنيين- هم: إبراهيم طوقان، عبد الرحيم محمود وعبد الكريم الكرمي - ابو سلمى، صدر في العام ذاته 1985. "دار المعلمين الروسية" في الناصرة- 1994. "رحلة البحث عن التراث" – إعداد وتقديم – 1994. "مذكرات نجاتي صدقي"- صدر عام 2001. و"فستق أدبي"- صدر عام 2004.

حنا ابو حنا، كاتب السيرة الذاتية المجلي:

أراد الشاعر الكاتب حنا أبو حنا على مدار حياته الادبية الثقافية، أن يقدّم شهادة متابع مهتم ومشارك في هذه الحياة، لذا حرص على ما يبدو عندما شرعت السبعينيات من عمره في طرق باب حياته، بكتابة سيرته الذاتية. وقد بدأ في أواسط التسعينيات بكتابة مؤلفه السيري المتميز " ظلّ الغيمة"، وبادر بإرسال فصولها الاولى لنشرها في صحيفة "الصنارة" التي عملت آنذاك محرّرًا ادبيًا فيها، فقمت من فوري بنشر تلك الفصول، متجاوزًا تعليمات هيئة التحرير وتوجيهاتها ومُخصّصًا لأول مرة في تاريخ عملي ذاك صفحتين كاملتين لنشر كلٍّ من تلك الفصول، وقد توقّعت في حينها أن تعارض هيئة التحرير تجاوزي هذا، غير أن ما حدث هو أن صاحب الصحيفة ورئيس تحريها إبّان تلك الفترة، الكاتب الصحفي لطفي مشعور طابت ذكراه، دعاني إلى مكتبه الخاص مستقبلًا إياي بابتسامة عريضة مشجّعة وتقريظ كبير لنشري تلك الفصول. بعد فروغ حنا من تأليف كتابه هذا، وكان ذلك عام ١٩٩٧ تحديدًا قام بإصداره بصورة خاصة. بعد ذلك تتالت الطبعات منه، وقد أهل هذا الكتاب مؤلفه المرحوم حنا أبو حنا للحصول على جائزة فلسطين للسيرة الادبية وتم ذلك عام 1999. بعد ثلاثة أعوام من صدور مؤلفه هذا صدر جزآه الآخران وهما: "مهر البومة" و"خميرة الرماد".

الكتابة للأطفال بشتى الألوان:

عام 2001 تحديدًا عمّق حنا رؤيته التثقيفية الانتمائية التأصيلية، وقرر التوجّه إلى أبناء الاجيال التالية من أطفال وفتيان، فاتحًا لهم أبواب الخيال والتراث العربي المسلّي المثقف، المنور والمفيد، وكان أن أصدر كتابه الأول في هذا النوع الادبي الهام جدًا، كما تقول تجارب الشعوب المتقدمة أيضًا، فأصدر بالتعاون مع "مكتبة كل شيء" الحيفاوية ومديرها الصديق المثقف صالح عباسي، كتابه الاول في هذا المجال مُحمّلًا إياه عنوان "أحمر أخضر"، وقد أصدر في العام ذاته عددًا من المؤلفات الموجّهة للأطفال والفتيان هي: "أرنوب وفرفور"، "أصابع ديما". "قطتي أميرة". في العام التالي صدر له كتاب " سر الملك كيسار". في عام 2004 صدر له "أوراق خضراء". وبعد هذا الكتاب بعامين، عام 2006 صدر كتابه الاخير الموجه للأطفال والفتيان وحمل عنوان "ملك الغابة".

***

ناجي ظاهر

في المثقف اليوم