شهادات ومذكرات

حسين الهنداوي.. فيلسوف عراقي في جامعة الدول العربية

من معين شط الهندية أحد فروع نهر الفرات العذب نغرف وجهاً عراقياً – كريلائياً مضيئاً في سماء عالمنا العربي المعاصر، الذي خبت نجومه، وقلت شموسه، وتقلصت رموزه، ولكن الخير كل الخير في البقية الباقية من الرواد العظام الذين لا ينساهم التاريخ أبداً في فلسفة هيجل والفكر العربي الحديث والمعاصر.

ومن هؤلاء الرواد نحاول في هذا المقال أن نتطلع إلي نموذج من العباقرة نهتدي عبر طريقه، وشخصية استطاعت أن تستجمع جوانب الفلسفة بكل مباحثها، فاتخذها منهاجاً، ثم باحثاً بدرجة فارس لا يشق له غبار، وسياسي بدرجة جنرال، وقامة من قامات الثقافة والمعرفة والتنوير، إنه الأستاذ الدكتور الكاتب والأكاديمي العراقي حسين الهنداوي .

هذا المفكر الكبير استطاع أن يكون له في كل مجتمع عربي وغربي سافر إليه صوت، وفي كل ناد رأي، وفي كل صحيفة بحث، حتي اشتهر أمره، وذاع ذكره في  مصر والعراق وسائر الأقطار الأوربية والعربية والأنجلو ساكسونية، وهو نعم الكربلائي الوفي، الذي يضحي في سبيل صداقته، ونعم الباذل للجهد والعلم والفكر في سبيل سعادة العراق وسعادة بنيه. وهو من الرجال الذين تجدهم من ثبات علي المبدأ، واستقلال في الرأي، وإدراك لمعني الحياة الحرة.

والدكتور حسين الهنداوي (مع حفظ الألقاب) قامة عراقية مشرفة في أرض الكنانة، من المفكرين العراقيين الذين تراهم كشعلة نشاط، إنه لا يكل ولا يمل، وهو يمثل علامة وضاءة ومشرقة، ولا يمكن لأي دارس أن يتغافل كتابه (مئة عام من الفلسفة في العراق) الذي صدر عن دار الشؤون الثقافية مؤخرا، نشوء وتطور النشاط الفلسفي العراقي المعاصر بولادة الدولة العراقية الحديثة معتبرا أن الفلسفة هي "بوصلة وحارس العقل العام"، حيث يشرح الكتاب الكثير من المفاهيم الفلسفية وانعكاساتها في مسيرة تطور الفكر الفلسفي في العراق الحديث، متوقفاً عند أهم رواده والمشتغلين به وعلاقتهم مع تيارات الفلسفة العالمية المعاصرة.

والدكتور حسين الهنداوي من مواليد مدينة الهندية في العراق في العام 1947 م، حاصل على بكالوريوس في الفلسفة من كلية الآداب جامعة بغداد، العراق، دكتوراه في الفلسفة بدرجة شرف (بأشراف البروفيسور جاك دونت) من جامعة بواتيه (1987)– فرنسا، متخصص في الفلسفة الهيغيلية.

لكن من الأهمية بمكان أن نذكر بعض المؤلفات التي تجسد فكره الفلسفي وإسهاماته العلمية، ولعل من بين هذه المؤلفات الكتب التالية: "هيجل والإسلام" (بالفرنسية)، "التاريخ والدولة ما بين ابن خلدون وهيجل"،"على ضفاف الفلسفة"- الجزء الأول، "هيجل والهيجلية" (تأليف جاك دونت) ترجمة عن الفرنسية، "ولادة الكون لدى فرقة العليّلاّهيّة" (تأليف محمد مكري) ترجمة عن الفرنسية، "أخاديد" – مجموعة شعرية،استبداد شرقي أم استبداد في الشرق؟...وهلم جرا

له عشرات المقالات والمحاضرات والمقابلات الفلسفية والادبية والصحفية منشور معظمها في دوريات ومجلات رئيسية اهمها "الاغتراب الادبي" و"نزوى" وصحيفة "الحياة"، و"دراسات شرقية"، و"الصباح"، و"الصباح الجديد"، والحكمة"، و "إضافة إلى مجلة "أصوات" التي أسسها مع أدباء وفنانين عراقيين آخرين في فرنسا عام 1976. كما ترجمت له عشرات المقالات إلى لغات اجنبية أبرزها الإنجليزية ونشرها عدد من أبرز الصحف الأمريكية من بينها (الناشيونال انترست) و (الناشيونال رفيو) والواشنطن تايمز والعيده غيرها

وقد شغل الهنداوي وظيفة مستشار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لشؤون الانتخابات منذ أيار مايو عام 2020 وعمل مستشار الرئيس جمهورية العراق لأربع سنوات بين عامي 2015 و2018 .

وكان الهنداوي قد تولى رئاسة المفوضية العراقية العليا للانتخابات بين عامي 2004 الى 2007 وعمل مستشارا دوليا للشؤون السياسية والقانونية والانتخابات لبعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" بين عامي 2008 و2014 وعضواً في بعثة الامم المتحدة إلى هايتي بين عامي 1993 و1995 ومستشارا لدى منظمة العفو الدولية ومبعوثها الخاص إلى كل من لبنان عام 1991 واليمن عام 1992 وعضواً في وفد المنظمة الدولية نفسها الى اليمن عام 1994 .

كما شغل حسين الهنداوي عضوية مجلس امناء هيئة الإعلام والاتصالات العراقية بين عامي 2004 و2008 وعمل رئيسا للقسم العربي في وكالة الاميركية يونايتدبريس انترناشنال بين عامي 1995 و2003 ومحرراً خارجياً في صحيفة الحياة اللندنية وباحثاً في القضايا الاستراتيجية في المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية في باريس بين عامي 1985 و1990 وأستاذاً للحضارة الإسلامية واللغة العربية في القسم العربي الذي قام بتأسيسه في جامعة بواتييه في فرنسا بين عامي 1982 و1985.

ويشغل الآن الدكتور الهنداوي منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية، وهو يتحدث إضافة إلى العربية اللغتين الفرنسية والانكليزية، وقد خلف الهنداوي في منصبه الجديد الراحل الدكتور قيس العزاوي الامين العام المساعد للجامعة سابقاً، والذي توفي منتصف كانون الثاني يناير الماضي أثر اصابته بمرض السرطان بعد أن تولى منصب نائب الامين العام للجامعة العربية لشؤون الإعلام والاتصال منذ آذار مارس عام 2019 بعد أن تولى مهمة مندوب العراق في الجامعة لمدة 5 أعوام حتى عام 2014.

تحيةً مني للأستاذ الدكتور حسين هنداوي الذي لم تغيره السلطة، ولم يجذبه النفوذ ولكنه آثر أن تكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً . بارك الله لنا فيه قيمة جميلة وسامية في زمن سيطر عليه السفهاء، وأمد الله لنا في عمره قلماً يكتب عن أوجاعنا، وأوجاع وطنناً، بهدف الكشف عن مسالب الواقع، والبحث عن غداً أفضل، وأبقاه الله لنا إنساناً نلقي عليه ما لا تحمله قلوبنا وصدورنا، ونستفهم منه عن ما عجزت عقولنا عن فهمه.

تحية وفاء وعرفان واحترام لهذا الأستاذ الجليل الدكتور حسين الهنداوي الذى ظل معدنه أصيلًا لامعًا لا يصدأ أبدًا، فهو ذلك الذي كان متربعًا على قمة أساتذة الفلسفة الهيجلية في مصر والوطن العربي، كما كان صاحب قلب كبير، وعاطفة جياشة، وكبرياء لا ينحنى، ونفس تعلو فوق كل الصغائر. بارك الله في حسين هنداوي بما قدم لنا ولغيرنا من إسهامات مجيدة فى فلسفة هيجل.

***

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل - جامعة أسيوط

في المثقف اليوم