شهادات ومذكرات

سعيد بوسامر: الثقافة في الحقبة المشعشعية

كانت الحويزة كباقي مدن اقليم الأهواز خاضعة لحكم المغول وكان حاكمها حين ظهور المشعشعيين حفيد تيمور لنك المغولي فنازله محمد بن فلاح المشعشعي بمساعدة بعض القبائل العربية وجرت بينهم معارك كانت نتيجتها استيلاء المشعشعين على الحويزة وخروجها من حكم المغول عام ٨٤٥ للهجرة. توسعت رقعة هذه الحكومة فضمت مناطق عدة إليها وعند استقرارها شارك أمراؤها في المسيرة الثقافية في الأهواز حتى تحولت إلى مركز من مراكز العلم والثقافة وازدهر الأدب وانشئت فيها المدارس والمكتبات وبرز الأساتذة والمدرسون، حتى أصبحت هي الوجهة والمقصد للأدباء وطلاب العلم الذين ما انفكوا يتوافدون إلى عاصمتها الحويزة من شتى بقاع الأرض. ف:

* أنشئت عدة مكاتب ومدارس وصفوف في مختلف العلوم وباللغة العربية منها مدرسة آل أبي جامع العاملي في تستر والحويزة والخلفية والتي تخرّج منها الكثير من العلماء والخطباء و الأدباء. وأيضا مدرسة الشيخ سعد ومدرسة عبدالله الجامعي، مدرسة آلبوصوف، ومدرسة الأمير مبارك، ومدرسةالأمير خلف ومدرسة عبدالعلي عروض والعشرات غيرها . ويشير اللامي إلى أن كثرة الكتّاب والعلماء في هذه الحقبة يرجع إلى كثرة المدارس والمكاتب.

* وأنشئت مكتبات عامة تضم كتباً عدة في مختلف العلوم منها علوم الحديث، والأدب والفلك والكيمياء والطب أضخمها كانت مكتبة أمراء الحويزة وأغلب الكتب والمخطوطات الأهوازية القديمة التي وصلتنا هي في الأساس من رفوف هذه المكتبة الضخمة. كنماذج نشير إلى مكتبتي الشيخ سعد، ومكتبة السيد نعمة الله الجزائري التي كانت تضم قرابة اثني عشر ألفا من الكتب والمخطوطات.

* وأصبحت أرض الأهواز دار العلماء ومجمع الفضلاء والأتقياء ومعدن الأبرار والصلحاء ويؤكد نعمة الجزائري أن الغالب على أهلها الزهد، والذكاء ومطالعة العلوم وكتابة الكتب ونظم الأشعار وتدوينها والتصانيف العالية في أنواع العلوم منها علم النحو والصرف.

* وتوسع العلم و المعرفة إلى العامة حتى أصبحت بعض البيوت مكاتب لتعلم اللغة العربية وعلوم القرآن والأدب واشتهرت في هذا الباب بيوت كبيت الطريفي وبيت السيد عبداللطيف وبيت الشيخ نعمة و بيت آل البكاء و بيت آل النخعية المذحجية وبيت آل سبتي وبيت آل بديع و بيت آل مهدي وغيرها التي تركت بصمة في نشر المعرفة على مستوى الإقليم.

* وظهرت ثلة كبيرة من العلماء والأعلام الأهوازية وشعروا بالمسؤولية تجاه رفع راية الثقافة فلم تخمد نار العلم في هذه الأرض وبقيت الأهواز بمختلف مدنها مركزاً من مراكز العطاء والفكر على كافة الأصعدة وفي العلوم المختلفة. مؤلفون عدة منهم شرف الدين الدورقي، العالم الشهير السيد شبر بن ثنوان، السيد هادي باليل الموسوي صاحب كتاب الياقوت الأزرق الذي ذكر فيه أكثر من مئة علم من أعلام الأهواز صنعتهم مدارس الحقبة المشعشعية ويذكر اللطيفي في كتابه تاريخ الحويزة ورجالها قرابة الثلاث مئة علم من أعلام الأهواز مع سير حياتهم في كتابه المقسم إلى جزئين.

* في مجال الشعر ظهر عدد كبير من الشعراء في فترة حكم المشعشعيين، كشهاب الدين الموسوي، علي بن خلف الموسوي، إبن رحمة الحويزي، هاشم الكعبي، عبدالعظيم الربيعي وآخرون. وقد تناولوا جمیع أغراض الشعر المتعارفة من غزلٍ ومدحٍ وفخرٍ ورثاءٍ ووصفٍ وحکمة واخترعوا فن البند الذي مثّل أولى المبادرات في الشعر الحر. نسب هذا الإبداع السيد جمال الدين في كتابه "الإيقاع في الشعر العربي" إلى الأديب الشهير السيد شهاب الدين أبي معتوق الحويزي وقد أشارت نازك الملائكة في كتابها "قضايا الشعر المعاصر"إلى هذا الأمر بأن "أعظم إرهاص بالشعر الحر هو ما يعرف بالبند" الذي أبدعه شعراء الأهواز.

إذن تزامناً مع عصرٍ كان يعرفه العالم بعصر الانحطاط في الأدب العربي انتعشت الحياة العلمية والأدبية والثقافية في هذه البقعة (الأهواز) واستمر أبناؤها بالعطاء لكنّهم أمسوا تحت هالة من غبار الإهمال والإجحاف.

***

سعيد بوسامر/الأهواز

...............................

المصادر التي راجعها الباحث:

بلاوي، رسول. إنتعاش الحياة الثقافیة والأدبية في جنوب إيران والعراق.

www.research.pgu.ac.ir/~RBallawy/ViewResearch.aspx?ResearcherID=21535

بوسامر، سعيد، وفرحان، ميثم. سين وجيم لمحات من تأريخنا. نشر قهوة. الأهواز. ٢٠١٨.

اللطيفي، جليل. تاريخ الحويزة ورجالها. الأهواز. ١٤٢٢ ه.

المحمودي، قاسم. الأدب العربي في الأهواز.

www.alfalahia.blogfa.com/post/267

 

في المثقف اليوم