شهادات ومذكرات

محمد بوفلاقة: ذكرى رحيل الأديب والناقد عـبد الله ركيبي

توفي الأديب والناقد عبد الله خليفة ركيبي يوم: 19أفريل2011م؛ وقد ولد سنة: (1346هـ/1928م)، ببلدة: «جمورة»التي تقع بضواحي مدينة (بسكرة)، وقد تمّ تسجيله في الحالة المدنية بعد سنتين من تاريخ ميلاده، زاول تعليمه الابتدائي ببلدته باللُّغتين العربية والفرنسية، وفي سنة: (1365هـ/1946م)، انتقل إلى (تونس)، وانتسب إلى جامع الزيتونة، وتحصل منه على شهادة التحصيل سنة: (1374هـ/1954م)، وبعد عودته دخل ميدان التعليم بمدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؛ فدرّس بمدرسة الجمعية بندرومة قُرب (تلمسان)، وبسبب نشاطه النضالي مع الثوار، وبحكم علاقته بالشهيد البطل(مُصطفى بن بولعيد)؛ فقد كان من أوائل المثقفين الجزائريين الذين زجت بهم السلطات الاستعمارية في غياهب السجون، حيث ظل أحد عشر شهراً بمعتقل: (آفلو)؛ حيث أُلقي عليه القبض سنة: (1375هـ/1956م)؛ ثم ُأرغم على الإقامة الجبرية بمدينة (بسكرة)، إلى أن فر منها إلى جبال (الأوراس)، وهاجر بعدها إلى (تونس)، وعمل موظفاً بالمدرسة الصادقية الثانوية بتونس، ومنها انتقل إلى (القاهرة)؛ ليدرُس بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وترأس لجنة الطلبة الجزائريين بالقاهرة، ونال شهادة الإجازة سنة: (1383هـ/1964م)، وفي السنة نفسها عاد إلى الجزائر، وعمل مدرساً بالمعهد الوطني التربوي في (الجزائر العاصمة)؛ ثم اشتغل بثانوية حُسين داي، وفي سنة: (1387هـ/1967م) انضم إلى معهد اللغة والأدب العربي بجامعة الجزائر؛ بعد نيّله شهادة الماجستير من جامعة القاهرة عن دراسته الموسومة ب: (القصة الجزائرية القصيرة)، ونال درجة الدكتوراه من جامعة الجزائر عام: (1972م)، بعد أن أنجز رسالة متميزة بعنوان: (الشعر الديني الجزائري الحديث)؛ وقد كان رئيساً للجنة الفكر والثقافة التي كوّنها حزب جبهة التحرير الوطني، وكان أحد أبرز المؤسسين لاتحاد الكُتاب الجزائريين، وهو أول أمين عام مساعد لرئيسه الروائي الراحل مالك حداد إبان تأسيسه سنة: (1974م)؛ كما كانت له إسهامات كبيرة في تطوير الإعلام الجزائري، وتنشيط الحركة الأدبية، وأشرف على حصة بعنوان: «أقلام على الطريق»، قدم فيها العديد من الأدباء الشباب؛ الذين أضحوا اليوم قامات أدبية سامقة، كما كان من أبرز المدافعين عن اللغة العربية، ومن أبرز تلاميذه الناقد الدكتور: (إبراهيم رماني).

وقد ودعت الساحة الثقافية، والأدبية الأديب، والناقد الدكتور( عبد الله ركيبي)، سنة: (1432هـ/2011م)؛ وقد جاء رحيله قبل ساعات قليلة على تكريمه من قبل جمعية«الكلمة للثقافة والإعلام»، وهذا ما جعل حفل تكريمه يتحول إلى تأبينية تحدث فيها مجموعة من الأدباء الجزائريين، وأشادوا بخصاله، ونوّهوا بجهوده، وإسهاماته. وسيظل الناقد والباحث الدكتور (عبد الله ركيبي) أحد رواد النهضة الأدبية بالجزائر، وأحد كبار المثقفين الجزائريين الذين عرفتهم الجزائر في تاريخها الحديث؛ فهو واحد من أعلام الثقافة الجزائرية المعاصرة، ورمز من رموزها المناضلين؛ الذين أسسوا للدراسات الأدبية والفكرية بالجزائر. ومن أهم مؤلفاته النقدية: (القصة الجزائرية القصيرة)، وقد اعترف في مقدمته أن الباحث«يلمس صعوبة وهو يتلمس طريقه لدراسة القصة القصيرة، صعوبة في تحديد الزمان وفي الفترة التي يختارها في بحث كهذا، وصعوبة في تحديد المنهج الذي يختاره، ويزيد من صعوبة البحث في الموضوع-بالإضافة إلى ندرة الأبحاث والدراسات-ندرة المراجع وتفرقها، ومعظمها مفرق في الصحف والمجلات... ».

إضافة إلى كتاب: (قضايا عربيّة في الشعر الجزائري المُعاصر)، والذي يقول في مُستهله: «...وعندما عزمتُ على هذا الموضوع وأخذت أجمع مراجعه المختلفة وأتصفحها وجدت إنتاج شعرائنا حافلاً بالموضوعات الكثيرة التي تتصل بالوطن العربي وقضاياه من قريب أو بعيد، بل وتتصل بقضايا الإنسان العامة.ووجدتُ أن شعراءنا كانوا يُتابعون منذ وقت مبكر ما يجري في العالم العربي، وما يجد فيه من أحداث، وإلى جانب هذا وجدتُ في قصائدهم حنيناً جارفاً لفكرة الوحدة والعروبة...».

كما ألف الباحث والناقد(عبد الله ركيبي)، مجموعة من الكتب ناقش فيها قضايا متنوعة، من بينها كتاب: (عروبة الفكر والثقافة أولاً )؛ الذي أثار فيه جملة من النقاشات الفكرية حول مصير اللغة العربية بالجزائر، ومن بين ما أشار إليه في مقدمته أنه: «من المؤسف حقاً أننا في الوطن العربي لا نُفكر عربياً، فتفكيرنا في كافة القضايا، أو معظمها يُوشك أن يكون مُستورداً جاءنا من الغير، وتبنيناه نحن بلا فهم أو تمحيص أو تدقيق، ووضعناه في رؤوسنا، وحاولنا صبغه بصبغتنا...ولعل هذا هو السبب فيما نعانيه في بيئتنا العربية من اضطراب في الفكر والسلوك معاً... ». ونبّه كذلك في مطلعه إلى أن معركة التعريب في الجزائر«مثل معركة العروبة والثقافة الوطنية ما زالت متواصلة وما زال بعض الناس ينظرون بحذر إلى قضية التعريب، وبالتالي إلى مفهوم الثقافة ومفهوم العروبة؛ لأن الفكر والثقافة لا ينفصلان كما لا تنفصل عنهما الوحدة والعروبة، فكلها قضايا مرتبط بعضها ببعض ارتباطاً عضوياً وثيقاً... ».

كما كرس أحد مؤلفاته النفيسة للحديث عن: «الأوراس في الشعر العربي»، فنُلفيه يُنبه في مستهل هذا الكتاب إلى أن (الأوراس) كان «مُلهماً للنضال الجزائري من أجل الحرية مثلما كان ملهما للإبداع الفني بالكلمة، لا على نطاق الجزائر فحسب؛ بل على نطاق الوطن العربي كله...والواقع أن هذه المجموعة من المقالات تتفق في أنها تعبير عن نظرة صاحبها وآرائه في قضايا أدبية وقومية هامة، كما أنها تعكس مواقفه وتجاربه تجاه الحياة والفن، وتحمل بين طياتها إيمانه بدور الأدب في خدمة الإنسان وغده الأفضل... ».

ومن أهم دراساته النقدية التأسيسية: «دراسات في الشعر العربي الجزائري الحديث»، و «الشعر الديني الجزائري الحديث»، و«تطور النثر الجزائري الحديث»، و«فلسطين في النثر الجزائري الحديث».

ومن أبرز أعماله الإبداعية مسرحية: «مصرع الطغاة»؛ فقد بدأ حياته الأدبية كاتباً مسرحياً؛ فصدرت مسرحيته في (تونس)، عن منشورات دار بوسلامة، سنة: (1959م)، ووصفها الدكتور(أبو القاسم سعد الله)، بقوله: «تدور حوادث هذه المسرحية في الجزائر أثناء فترة الاستعداد للثورة ثم تتابع أحداث المعركة التحريرية إلى نهايتها المحتومة، وهي(مصرع الطغاة)، ويُمكن تلخيصها في الأفكار التالية: 1-يقظة الضمير الثوري وفكرة الواجب الوطني(الفصل الأول).2-إفلاس الأحزاب السياسية ويأس الجيل الجديد منها(الفصل الثاني).3-الحب إزاء التضحية والوطنية(الفصل الثالث).4-وأخيراً رد الفعل الفرنسي وفشل الاستعمار في القضاء على الثورة(الفصل الرابع).ولكن المسرحية لم تكن مجرد أحداث سياسية وصراعاً بين الوطنية والاستعمار.إنها تحتوي على لقطات فنية رائعة وعلى لوحات إنسانية شيِّقة.فقد رمز المؤلف إلى الجزائر القديمة التي كانت تود أن تتحرر، ولكنها لم تستطع بشخصية الأب الذي هو في نفس الوقت والد البطل...».

ومن بين الأعمال الإبداعية الأخرى التي كتبها الدكتور (عبد الله ركيبي) مجموعة قصصية، عنوانها: «نُفوس ثائرة»، نُشرت بالقاهرة سنة: (1963م)، وكتب تقديمها الناقد المصري الدكتور (شكري محمد عياد).ويقول مؤلفها في مستهلها: «...نريد لقصتنا أن تكون تعبيراً حياً عن عواطف الشعب وأحاسيسه.وأن تكون فناً للحياة النابضة، الحياة الجديدة، حياة التطلع والأمل؛ وبالتالي نود أن تكون رمزاً لليقظة والتطور، لا رمزاً للتخدير، للسكون والموت؛ هذه رسالة القصة كما أفهمها، رسالة إنسانية صميمة(رسالة تصف الدواء وتُقدم العلاج في نفس الوقت)؛ رسالة تفتح العيون لنُطل على عالم الخير والحق والجمال، ونبعث الأمل والحياة في نفوس عذبها الألم، وأضناها الشقاء، وقتلها اليأس.ولعل هذه بعض الدوافع التي دفعتني لكتابة هذه المجموعة التي عشت أحداثها وصاحبت أفرادها، وشاركتهم أحاسيسهم ومشاعرهم، إنها صورة لحياة أفراد عاشوا في هذه المرحلة الجديدة التي يمر بها وطننا في هذه الآونة الخطيرة، وفي هذه المرحلة الجديدة التي يعيشها الإنسان الجزائري ... الإنسان الذي وجد نفسهُ يُواجه حرباً فُرضت عليه، فكان لابد أن يتخذ منها موقفاً، وكان موقفه منها أن يُناضل ويُكافح حتى يُحقق كرامته كإنسان...».

يقول عنه الناقد الدكتور(عبد الملك مرتاض): «كان الرجل نقيَّ القلب، دمث الخلق، لطيف العشرة، دائم الابتسامة، هادئ النفس».

ويصفه المؤرخ الدكتور(أبو القاسم سعد الله)بأنه: «خدم الأدب الجزائري بتدريسه في الجامعة وفي تآليفه، وفي دراساته الأدبية العديدة. وقد درس فنونه من قصة ورواية ومسرحية ومقالة، ثم إن الفضل يرجع إليه في ريادة الكتابة عن القصة دراسة ونقداً...وخدمة للأدب الجزائري، أشرف على عدد من الرسائل الجامعية، وتخرج على يديه طلاب جيدون ظلوا أوفياء له، أغلبهم من الجزائريين، وبعضهم من الوطن العربي، وقد شارك في مناقشة الرسائل الجامعية».

***

الدكتور محمد سيف الإسلام بــوفـــلاقــــة

كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر

....................

أهمّ المراجع:

1-د.عبد الله ركيبي: نفوس ثائرة، منشورات الدار المصرية للطباعة والنشر، القاهرة، 1962م.

2-د.أبو القاسم سعد الله: تجارب في الأدب والرحلة، منشورات عالم المعرفة، الجزائر، ط: 03، 1430هـ/2009م.

3-د.عبد الملك مرتاض: هؤلاء أصدقائي- ملامح من ذكرياتي مع الأدباء العرب-، منشورات دار البصائر الجديدة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2013م.

 

في المثقف اليوم