شهادات ومذكرات

كريم الوائلي: قال طه حسين لتلميذته سهير القلماوي: يا سهيرمزقي بحثك

حين دلفت الى عالم البحث والدراسة في جامعة القاهرة، كنت حينها اعد نفسي امهر اقراني من الطلاب والطالبات، خليط، مصريون، وعراقيون، وجزائريون، وكويتيون، وشاء لي أن أسجل بحثي للماجستير بعنوان (نقد القصة القصيرة في العراق) وأخذت أشرع بكتابة البحث مع استاذي الناقد المعروف الدكتور جابر عصفور، وقد اشترط علي قراءات عديدة وترجمة فصول من بعض المراجع الانجليزية، ثم سلمته الفصل الأول، ثم كان اللقاء، فلاحظت أن ملاحظات استاذي كثيرة، وأنه كلمني بقدر من الحدة والحزم، فشعرت بحزن شديد، أدرك أستاذي ذلك مني، فقال لي، اسمع يا كريم: كنتُ الأول على قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة، وسجلت بحثي في الصورة الشعرية عند الاحيائيين، وكانت تشرف على البحث الدكتورة سهير القلماوي، وكنت طموحا ومزهوا ـ كما تبدو أنت الآن ـ بقدراتي العلمية، وسرعان ما انجزت الفصل الأول، وسلمته لها، وكانت آنذاك رئيسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وطلبت مني أن أعود اليها بعد اسبوع، كي توضح لي موقفها من الفصل الذي فرغت من كتابته بشهر أو يزيد، ولما ذهبت اليها، وبمجرد دخولي مكتبها، وقفت بغضب شديد، وصرخت بي بقسوة وعنف، وقالت: شوف يا ولد، خذ هذه الورقة واذهب الى مكتبة الجامعة الامريكية، واتصل بمدام فلانه، وخذ المراجع الانجليزية، وبعد أن تفرغ من ترجمتها عليك أن تعود الي. أخذ يشرح الدكتور جابر كيف خرج حزينا ثم سار ماشيا على قدميه الى المكتبة الامريكية، وكانت دمعة أو أكثر قد طفرت من عينيه، وحين وصل الى المدام أصرت وهي المصرية على التحدث معه باللغة الانجليزية، وكل الذي فهمه أنه استلم الكتب، ثم خرج بها بحزن أشد. بقي سنة كاملة يترجم ويتعلم، ثم ذهب الى استاذته وأخبرها أنه فرغ من ترجمة المراجع، عندها أخرجت له الفصل الذي كتبه، ثم سألته ماذا ستفعل بهذا الفصل؟ رد عليها: سأمزقه. ثم قالت له اسمع يا ولدي: أحكي لك حكايتي مع استاذي الدكتور طه حسين، فلقد ذهبت اليه وقد كتبت الرسالة كاملة، وأخذها مني، وحدد لي موعدا لإبداء ملاحظاته عليها، وحين ذهبت اليه في الموعد المحدد، وجدته قد وضع رسالتي على المنضدة، وقال لي بصوته الصارم ولهجته القاسية: يا سهير خذي رسالتك.. مزقيها!! وشرعت بتمزيقها، ثم قال اذهبي واكتبي من جديد !!

قهقه الدكتور جابر، وقهقت معه، وواصل حديثه: لقد قالت الدكتورة سهير القلماوي الا ترى ـ يا بني ـ أنكم تلاميذ آخر زمن !!(رحمهم الله جميعا).

***

الدكتور كريم الوائلي

في المثقف اليوم