شهادات ومذكرات

علي حسين: مارغريت آتوود.. بين جورج اورويل وسيمون دي بوفوار

تقترب من عامها الـ" 84 " وتصر ان تنشر كتابا كل عام. تقول ان هناك ساعة تنبهها الى ضرورة مواصلة التاليف، لا شيء عندها يعوض الجلوس الى طاولة الكتابة " الكتاب لا يتوقفون، بل يستمرون في السير مثل أرنب إنرجايزر. يستمر ثم يسقط "، تعيش كابوس اسمه الناشر الذي لديه استعداد لنشر دفتر هواتفها لان الجمهور يريد ان يقرأ لها اي شيء. لا تزال تستمتع باعادة قراءة شكسبير، انه يعرف الكثير عن الناس. تقول لمراسل الغارديان انها تشعر بالمتعة وهي تتسكع مع صاحب هاملت، تقرأ كثيرا عن الثورات وتجد في الثورة الفرنسية النموذج الأمثل للحرية. قالت ان جورج اورويل دمر حياتها فقررت ان تستحضر روحه في واحده من قصصها التي نشرت مؤخرا، تعترف انها قرأت روايته مزرعة الحيوان وهي في التاسعة من عمرها، اعتقدت انها كتاب للاطفال عن الحيوانات: " شعرت بالرعب عندما انتهيت من الصفحة الاخيرة "، تطلق على جورج اورويل لقب " الامبراطور " في المدرسة الثانوية تقرأ رواية 1984، لم تكن قد بدأت التفكير في الكتابة، إلا ان جرأة اورويل علمتها كيف تواجه المخاطر.في العام 1984 تقرر ان تحنفل باورويل بطريقتها الخاصة حيث تبدأ بكتابة روايتها” قصة الخادمة "

ولدت مارغريت اتوود في الثامن عشر من تشرين الثاني عام 1939 في أوتاوا بكندا، والدها عالم حشرات، فيما عملت والدتها في مجال التغذية، كتبت ثمانية عشر رواية و20 ديوان شعر وخمسة كتب للاطفال وعدد كبير من القصص ترجمت الى خمسين لغة، ابتكرت لنفسها طريقة خاصة بالكتابة تقول عنها:" لا اؤمن بالعقدة الروائية، واحاول ان امزج بين الحقيقي والخيالي، واليومي والمجازي "

بدأت تجرب حظها في الكتابة في سن مبكرة، ادركت فيما بعد انها يجب ان تكتب الادب بحرفية، لم تدخل مدرسة حتى سن الحادية عشر، في الخامسة عشر من عمرها تعثر على كاتبها المفضل " فرانز كافكا "، قرأت له كتاب المحاكمة، وتتذكر كيف انها ظلت مستيقضة الى صباح اليوم التالي، وعندما جلست على مائدة الافطار قالت لوالدها عالم الحشرات:" لقد وجدت مهنة تناسبني.. انها الكتابة ".

اختارت اسم " الدمية " لروايتها الاولى - ترجمتها الى العربية سامية دياب -، تدور فكرتها الرئيسية عن الزمن الذي يريد ان يعبث بمصائر الناس، بطلة الرواية " زينيا " تدرك جيدا انها ستتحول في يوم من الايام الى غبار منثور، مبعثر في الريح، وستصبح تاريخاً فقط.تجازف فترسل المخطوط الذي كتبته الى احدى دور النشر، وبعد اشهر كان الجواب:" الاوراق غير مفهومة "، ليتعطل نشر الرواية اكثر من خمسة عشر عاماً، تتركها جانبا لتكتب روايتها الثانية " المذنبة " في ذلك الوقت تعود الى كاتب طفولنها جورج ارويل:" ادين لارويل وكافكا بانني تعلمت الكتابة من خلال عشقي لرواياتهم، دوماً، لم أرد أن أكون بوقاً لأي مذهب "..

تلاقي روايتها الثانية نفس المصير، لتتوقف عن كتابة الرواية وتتوجه للشعر فتصدر ديوانها الاول " لعبة الدائرة " وهي في الخامسة والعشرون من عمرها. تحقق من خلاله اول اعترف ادبي، تعود للرواية من جديد فتكتب " السطح " -ترجمها الى العربية عبد الحميد فهمي-، تجد الرواية ناشر يتحمس لطبعها، وكان يامل ان تباع الثلاثة الاف نسخة في حدود عام او عامين،، لكن المفاجاة كانت في انتظار الفتاة الكندية حيث نفذت الرواية التي تعالج بعضا من القضايا المتعلقة بالهوية وموقف المجتمع من المراة، نقرا قصة امرأة، اسمها غير معروف، تعود إلي مدينتها في كندا، لتبحث عن والدها المفقود. وفي صحبة كل من حبيبها و زوجها وصيقدتها آنّا، حيث نجد هذه المرأة تقابل ماضيها في بيت الطفولة، مستدعية الأحداث والمشاعر بينما تحاول أن تجد حلولا لألغاز اختفاء أبيها الغامض. الا ان الماضي بكل مأسيه وذكرياته يتغلب عليها، فيقودها الى مصحة للمجانين.

عندما بلغت السادسة والاربعين نشرت روايتها " قصة الخادمة " - ترجمها عبد الحميد فهمي -، - هناك ترجمة اخرى بعنوان حكاية الجارية ترجمة احمد العلي - يبدو الامر لها اشبه بالمفاجاة فالرواية التي تحذر من مستقبل كارثي لمجتمع يسوده العقم تهيمن عليه طائفة من رجال الدين، تُقسم فيه النساء الى طائفتين، مجموعة تخضع للاستعباد الجنسي لإنجاب الأطفال من رجال الدين الأقوياء، ومجموعة هنّ زوجات هؤلاء الرجال يعانين من العقم فياخذن الأطفال من أمهاتهن. وتقول آتوود:" تاثرت كثيرا بسيمون دي بوفوار وبالخصوص كتابها العظيم الجنس الاخر والذي تسلط فيه الضوء على نظرة الرجال الى النساء على اعتبارهن مجرد جنس. جنس مطلق ولا شىء غير ذلك. فالمرأة ثانوية والرجل ضروي وأساسي. الرجل مطلق والمرأة هي الآخر". قالت انها في مراهقتها كانت تقرأ كتب سيمون دي بوفوار غي الحمام.

في الرواية نجد مجتمع الرجال ينظر الى المرأة باعتبارها وعاء لتفريغ الشهوات، حيث العمة ليديا التي تقوم بدور المتحدث الرسمي للحكومة الدينية، تصر على ان النساء مجرد اشياء مكملة لعالم الرجل، اعتبرت الرواية بعد صدورها منشورا اجتماعيا وثقافيا ونقدا للتقاليد والعادات الموروثة.

رشحت الرواية لجائزة البوكر لكنها منحت في ذلك العام لكينجسلي أميس، تضحك وهي تجيب عن عدم منحها الجائزة انذاك:" قالوا إنني لا ازال صغيرة، هكذا تسير الأمور، كل ما علينا أن نواصل الكتابة، لا شيء غير ذلك،"، بعد خمسة عشر عاما تخطف آتوود جائزة البوكر عن روايتها " القاتل الأعمى" - ترجمتها عزة مازن -، وفيها نتعرف على حكاية شقيقتين، إحداهما انتحرت بعد الحرب العالمية الثانية نتيبجة مقتل حبيبها في الحرب، والثانية امراة مسنة تستعيد ذكريات طفولتها وعلاقتها غير الشرعية بحبيب شقيقتها، إضافة إلى زواجها التعيس من رجل يكبرها سناً.

عانت آتوود من نظرة المجتمع لها لانها لم تستقر في علاقتها الزوجية الاولى ولا الثانية، وتقول آتوود في حوار معها لصحيفة الغارديان انها:" من ذلك الجيل الذين قيل انهم من المؤرخين الاجتماعيين والادباء ايضاً، ان على المرأة الكاتبة، منح نفسها لادبها، لانها غير قادرة على الامساك بطرف الكتابة والاسرة ".

عام 2017 فازت آتوود بجائزة فرانز كافكا الدولية، وقالت خلال المراسم التي اقيمت في براغ:" هذه الجائزة خاصة جدا بالنسبة لي لان اول محاولة ادبية مستقلة كتبتها كانت بوحي من فرانز كافكا في الخمسينات. لقد قرأت في تلك الفترة سيرة حياة فرانز كافكا فضلا عن كل اعماله وانا اذكرها جيدا

وعندما سالت هل لديها مشكلة لكونها الكاتبة الاكثر مبيعاً، ومع ذلك تأخرت نوبل عنها حتى الآن؟ قالت:" الجميع يسألونني عن جائزة نوبل بينما أنا ليس لدي أي سلطة في هذا الشأن، أما بخصوص المبيعات فهناك أربعة أنواع من الكتب: كتب جيدة رائجة، كتب جيدة غير رائجة، كتب رديئة رائجة، كتب رديئة غير رائجة. النوع الأخير بالتأكيد هو النوع الذي لا يريد أحد منّا كتابته ".

تنعكس اهمية كتابات مارغريت آتوود في تنوعها، ورغم اصرارها على الغوص في عالم المرأة من خلال معظم اعمالها الروائية، لكن ذلك لا يعني انفصالها عن الحاضر ومشاغله؛ علاوة على أنها مسكونة ومنشغلة بالاحتمالات التي يحملها المستقبل، مثل ظاهرة الاحتباس الحراري والحروب الحديثة وكوارث البيئة وظاهرة الفقر وعدم المساواة في الاجور والاهم حقوق المراة.. وهي تدخل عقدها التاسع، قالت لمراسل جريدة الغارديان:" ان الناس يبدون عجبهم، لأني مازلت على قيد الحياة. والناس يرون رأسي على شكل كتاب، ويتوهمون انني طويلة القامة،علماً انني قصيرة اقصر مما يتصورون وخصوصا امام الجوائز

العام 2019 حصلت على " البوكر " الثانية عن روايتها " العهود" – ترجمتها ايمان اسعد -، لكن هذه المرة مناصفة مع البريطانية إيفاريستو عن روايتها " فتاة، إمرأة، أخرى"، وقالت لجنة التحكيم في بيانها إن:" العهود رواية مكتوبة بشكل ممتاز، وبابداع لغوي، وتخاطب عالم اليوم وتقدم لنا نظرة ثاقبة وتخلق شخصيات يتردد صداها معنا، وسوف يتردد هذا الصدى على مر العصور ".

فيما قالت أتوود إنها "أمراة كبيرة في السن ولديها عدد كبير جدًا من حقائب اليد لذلك فلن تنفق المبلغ على نفسها وستتبرع به لمؤسسة خيرية.

في السنوات الماضية شهدت روايتها "قصة خادمة" حالة من الرواج بعد تحولها لمسلسل تلفزيوني، قررت آتوود كتابة رواية جديدة تكمل بها احداث " قصة خادمة " حيث تبدأ الاحداث بعد 15 عاما من نهايتها.

وقد بيع من رواية "العهود "، التي نشرت في أيلول عام 2019، مئة الف نسخة في بريطانيا في الأسبوع الأول، لتتصدر قائمة الكتب الاكثر مبيعا، في " العهود " هناك ثلاثة نساء يروين حيث نجد واحدة منهن هي العمة ليديا احدى شخصيات حكاية خادمة والتي كانت مسؤولة عن "إعادة تثقيف" النساء المفكرات وتحويلهن إلى خادمات ضعيفات في الرواية "، وفي الوصايا نتعرف على حكاية ليديا، ونعرف أنّها إبنة عائلة كانت تعيش في مقطورة متنقلة في المنتزهات، وتمكنت من الهرب من والدها المدمن، ثم حصلت على تعليم جامعي، وأصبحت قاضية. بعد الانقلاب في "جلعاد"، اختارت البقاء وأصبحت أقوى امرأة في النظام. واعتبر النقاد رواية " الوصايا " بانها رواية هامة جدا في هذا الوقت لأنها تكشف الطرق الخبيثة التي يسيطر بها المجتمع على أجساد النساء، حيث يجري تلقين طالبات المدارس أنهن "زهرات ثمينات" ويحتجن إلى الحماية، وأن الفساتين البيضاء ترمز إلى الطهارة. وكذلك تُجبَرْ المراهقات على الزواج برجال كبار في السن، وتُسلَبْ النساء حق الاختيار بشأن إنجاب الأطفال أو تحديد الوقت الذي يناسبهن لذلك، كما تتعرض النساء إلى التهميش بسبب فشلهن في الإنجاب.

وعندما قيل لمارغريت آتوود من ان المجتمع الذي تروي حكايته خيالي قالت:" لا شيء من بين تلك الأمور خيالي. على الصعيد العالمي، تتزوج 12 مليون فتاة دون سن الثامنة عشرة كل سنة، والتحيز الجنسي موجود حتى في اكثر البلدان ديمقراطية "، وتشير آتوود انها كامرأة عانت من نظرة المجتمع لها لانها لم تستقر في علاقتها الزوجية الاولى ولا الثانية، وتقول في حوار معها لصحيفة الغارديان ان المجتمع ينظر اليها نظرة مريبة لانها منحت نفسها لادبها، ولانها غير قادرة على الامساك بطرف الكتابة والاسرة ".

في اخر حوار معها قالت ان جورج اورويل تنبأ قبل عقود بكارثة الذكاء الصناعي :" لقد كتب عن الآلات التي تصدر الأدب التافه للجماهير فى رواية 1984 ".

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم