نصوص أدبية

مقاطع من قصيدة: سجين شيلون

لقد أبيض شعري،لا بفعل السنين،

لم يحدث ذلك

في ليلة واحدة، مثلما يحدث لبعض الناس من خوف مباغت :

إطرافي تقوست، لا من جهد أقوم به،

لكنه صدئت من الاسترخاء المقيت،

إذ تعاني من فساد الزنزانة، ومصيري مثل مصير أولئك

المحرومون من الأرض الواسعة والسماء الفسيحة

والزاد مقطوع عنهم،

هذا عهد وفاء لأبي

أن أكابد القيود، وأغازل الموت،

أبي الذي احرق حيا

لعقيدة لم يتخل عنها،

وللسبب نفسه ألقي خلفه في قبو مظلم،

سبعة كنا، فصرنا واحدا،

ستة دون البلوغ، وواحد في الرشد،

ومثلما ابتدأوا انتهوا،

أباة واجهوا غيظ الاضطهاد، واحدا أحرق حيا، وفي المعركة صرع اثنان

بالدم ختم معتقدهم،

وماتوا مثلما مات أبوهم،

والله تبرأ من خصومهم،

وثلاثة القوا في الزنزانة،

ولم يبق منهم إلا الحطام .

 

-2 –

شدوا كل واحد منا إلى عمود حجري،

كنا ثلاثة – كل واحد لوحده،

لا نتحرك خطوة واحدة،

لا يسطيع أي منا أن يرى وجه الآخر،

إلا بذلك البصيص الأزرق الشاحب

الصيرنا غرباء في نظر بعضنا بعض،

ومع إننا في مكان واحد، فقد كنا منفصلين،

مقيدو الأيدي، ولكننا بالقلب متواصلون،

بعض العزاء لنا أن نسمع كلام بعضنا البعض،

إن يلتفت احدنا للآخر مسليا

بأمل جديد، أو بخرافة قديمة،

أو بأغنية بطولية مشجعة،

ابتدرت هذه الأشياء طول الوقت

فاكتسبت أصواتنا نبرة غريبة،

 

-3 – 

كنت اكبر الثلاثة سنا،

وعليّ أن أشد عضد الآخرين، أن أشجعهم

عليّ أن أفعل ذلك – وفعلت وسع ما استطيع –

وكل واحد فعل وسع ما يستطيع . الأصغر الذي يحبه أبي،

 

لأنه وهب ملامح وجه الأم

بعينين أصفى ما تكون السماء

يثير شفقتي على نحو موجع،

ومن الحزن رؤية هذا العصفور في مثل هذا العش،

إذ كان جميلا كالنهار

( يوم كان جمال النهار عندي يعدل

جماله عند أفراخ العقاب، وهي طليقة ) نهار قطبي، لا يشهد غروب

شمس حتى انقضاء الصيف،

صيف  غير نائم بضوء مستمر، ودموع لا تغني شيئا لدفع أذى الآخرين،

تفيض مثل جدول يتدحرج من جبل، ما لم يستطع أن يخفف من الحزن

الذي يمقت أن يستعرضه من دونه .

 

-4–

كان الآخر انقى ما يكون الفكر

غير أن مخلوق لمنازلة الأقران،

قوي في هيكله وطبعه

ويبارز العالم ويصمد .

لقد كان صياد تلال،

يطارد فيها الأيل والذئب،

وهذه الزنزانة مجرد هوة له،

وأقسى محنته تقييد القدمين .

 

- 5 -

سبق أن قلت أن أخي الأقرب لي قد هزل،

وقلت أن قلبه قد وهن

لقد أبعد عنه الطعام مشمئزا،

ليس لأن الطعام كان خشنا وفجا،

فقد تعودنا أن نأكل طعام الصيد،

من دون أي اهتمام :

الحليب من العنز الجبلية،

استبدل بماء الخندق المحيط بالحصن،

خبزنا كأنه معجون بدموع الأسرى

طوال بضعة آلاف من السنين . لقد مات وانحلت قيوده، وبحشوا له قبرا ضحلا

في ارض القبو الباردة،

وقد رجوتهم أن يواروا جثته

في ارض يمكن أن تشرق

عليها الشمس – فكانت فكرة حمقاء،

إن قلبه الذي ولد حرا لا يمكن،

حتى في الموت، أن يستريح في مثل هذه الزنزانة .

كان من الممكن أن أوفر على نفسي ذلك التضرع اللامجدي

فقد ضحكوا ببرود، ووسدوه هناك،

من دون أن يرفعوا فوق الأرض المستوية التي أحببنا

فوقها بعضنا بعضا، ما يدل على قبره،

وقيوده التي فرغت التوت فوق الأرض،

مثلما يخلفه القتيل إلى جانبه !

 

-6 - 

لعلها كانت شهورا، أو سنوات، أو أياما،

لم أحصها، ولم ألق بالا إليها،

لا أمل يوقظ عينيّ،

ويمسح عنهما الغبار المخيف

أخيرا جاء البشير ليطلقوني،

لم أسأل لماذا، ولم أحرز إلى أين،

لقد أستوى عندي،

أن أظل مقيدا، أو أن يطلق سراحي،

فقد تعلمت أن أحب اليأس،

وهكذا كنت عندما حضروا آخر الأمر،

وألقيت جانبا كل قيودي،

وتلك الجدران الثقيلة التي كانت لي

ملاذا – كانت كل ما املك !

وبعض ما أحسست به لما دخلوا

إنهم أتوا لينتزعوني من بيتي الثاني :

حيث كانت لي صداقة مع العناكب،

إذ كنت أتأمل طريقها الرتيب .

وكنت أرى الفئران تلعب في ضوء القمر،

فكيف يكون شعوري اقلّ من شعورها

ونحن معا نزلاء مكان واحد،

وكان لي، وأنا الملك على كل جنس،

المقدرة على القتل – أجل، ما اغرب أن أقول هذا  !

لقد تعلمنا أن نقيم معا متواعدين،

 ونميّت مع قيودي الحميمة،

كثيرا من العلاقات المشتركة الطويلة

اذ من شأن شركة طويلة كهذه أن تجعل مناما نحن عليه : -

حتى اني استعدت حريتي متنهدا .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1326 الثلاثاء 23/02/2010)

 

 

في نصوص اليوم