نصوص أدبية

عطر الخزاما

وعادة ما ترتب أكياسا من نبات الخزاما داخل صندرق ملابسها، عندما فارقت الحياة، فتحنا صندوق ملابسها على التّو، قبل أن تأكل الجراثيم ألياف الحرير والقطن فيه، وبفخر واعتزاز، نظفنا كل ملابسها، المهداة والمستعملة، فبمجرّد فتح الصندوق فاحت رائحة عطر الجدّة منه، ذاك العطر الذي عادة ما تستعمله بعد الحمام، ذو رائحة الخزاما.

هنا في المدينة، حيث يلبس الجو مناخ رطب، كان هناك نبات نادر الوجود،  نبات يستنكر رطوبة الجو، رأيته أول مرّة في الجنوب، في بّاطاكونيا، حيث الآثار الاوربية ماتزال أكثر وضوحا من تلك الموجودة  في العاصمة، ذات المناخ الجاف.

نبات لمواطني الأطلس المتوسط، هناك نشأ كنبتة برّيّة، حيث جسور الأراضي جافة ومتحجرة، مشرعة على الحريات:وهو باللتينية "Lavanda spica oficinales " ويسمى Linneo في  البوتانيك أوعلم النبات السويدي، في حين يسمونه بـ espliego بالاسبانية، بينما يسميه البعض الآخر ببساطة *الخزاما*.

بالخفاء، جمعت أغصان الشجيرات التي تلوّن الآن مركز البلد. أخاطت حقائب ببقايا زهرة السوسن، ورتبت زهورا صغيرة، مشدودة برابط زئبقي ناعم و ذرتهم في الرفوف و الصناديق.

 لتعرف أن الجودة تبقى  في جوهر العطر، قاعدته، وهو في الحقيقة مواز للعطور المعروفة مثل "pour un homme " ، "pour monsieur " " عطر الخزاما" وأشياء أخرى. هذا الأخير استسلمته في عيد الميلاد، لمست الصّرة، وعرفت من الخطوط العريضة للقارورة أنها باردة، متوحشة ومؤثرة، عطر الخزاما يبقى في الملابس، في الهواء، في زئبق العتمة  فوق البحر. رششته فوقي، أمام المرآة، كآخر لمسة قبل لقاء خاص.

تنتهي القارورة أبدا وهي مقلوبة نحو الأسفل، إلى أن تسقط آخر قطرة، وبعدها، تختفي بين الملابس  لسنوات، إلى أن ينتهي أريجها وتبقى فقط ذكرى .

 

اكتشفت عطر "ماء الخزاما"  في جولة من جولاتي في المركز، حينما كنت أشاهد أنا وجدّتي الدواليب الزجاجية، وكل شيء يبدو عيدا، شظايا سرمدية. كم هو جميل وجودها الآن!

اليوم هو ليلة الواحد والثلاثين من أكتوبر. أشعلت الشموع الصغيرة المعطرة بالخزاما، الذي أسرفت في وضعه. أظن أن هذه الليلة ستعود . تعرف أني أعيش في البيت الذي اعتادت على رؤيتي فيه، لكنها لن تقرع بابه أبدا.

وضعت موسيقى شوبين، اللهب يرقص، تركت الباب مفتوحا، أشعلت الضوء......

 

بلانكا ماريا راثنر- ترجمة زينب سعيد

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1401 الاربعاء 12/05/2010)

 

 

في نصوص اليوم