نصوص أدبية

كان اسمها بغداد / راضي المترفي

بالسيارة وجلس خلف مقودها صعد هو وامه وبقية اشقائه وقبل ان يدير الوالد مفتاح التشغيل سأله:

بابا لماذا نترك بيتنا ومدينتنا هل اشتراها الامريكان؟

اجاب باقتضاب: لا ولكنها الحرب ياولدي .

فسأل الولد: ألم تكن مقاتلا في الحرس الجمهوري وكنت تقول انكم جنود ابطال؟.

احتار الاب كيف يجيب والاسئلة تنهمر من فم الابن كالمطر .. ان اجاب بنعم فسيسأله اذن لماذا لاتبقى وتطرد الامريكان عندما يأتون؟ وان اجاب ب(لا) فسيسقط في عين ابنه بعد ان يكون قد خدعه من خلال بدلته ( الزيتوني ومسدسه الضخم الذي لايفارق وسطه المترهل وسيارته ذات الزجاج المظلل وعنترياته التي يطلقها كل يوم وان قال سأوصلكم الى مكان آمن واعود لاحارب فأن الزمن سيكشف تلك الكذبة وربما تتمزق صورة البطل في عين الصغير ..

تشاغل بأدارة محرك السيارة وتشغيله وحانت من الطفل التفاتة فرأى دموع امه تنحدر على خدها بصمت فسأل:

 ماما لماذا البكاء؟

اجابت من دون ان تفكر كثيرا: على العمر الذي ذهب خسارا .

فقال مهدئا:

لاتخافي سيوصلنا بابا الى مكان آمن ويعود الى ساحة المعركة يقود جنوده ويحول العراق هو وباقي الحرس الجمهوري الى مقبرة يدفن فيها الامريكان مثلما قال السيد الوزير.

تاففت ثم قالت: الوزير هذا اكبر كذاب في التاريخ .

فسأل الطفل: الا يعلم به عموالرئيس .؟

قالت الام: وعمو هذا اكبر خدعة في تاريخنا الحديث .

فسأل الطفل .. والحرس الجمهوري .؟.

ردت بسخرية واضحة: كلهم (بوخه) .

احتج الطفل غاضبا مستفهما: حتى بابا؟

قالت اسأله انت؟.

هنا استشاط الاب غضبا وانتهر زوجته صائحا .. ماذا تقولين؟ الا تراعين مشاعري؟.

اجابت: وهل راعيتم انتم مشاعرنا ذات يوم؟. لقد جرعتمونا الذل غصصا على مدى اعواما طويلة وقد آن وقت الحساب .. لقد ارغمتني على العيش معك من دون ان تربطني بك صلة او علاقة اللهم عدا حبكم لاستعباد الاخرين واذلالهم وآن الاوان بأن يأتي من يتسلط عليكم ويذلكم .

سأل شبه معاتبا: هل نسيت العشرة؟ الم نقض عمرا طويلا معا وكان لنا اولاد؟.

قصدك السجن .. الاسر .. المذلة .

قال: وعقد زواجنا .؟.

قالت: كان عقدا مزورا وقع بحراب البنادق في ليلة سوداء .

اضاف: ومع ذلك لاتزالين على ذمتي .

ردت بثقة: ماهي الا ايام واكون حرة طليقة بعد ان تكون الحراب القادمة ازاحت حرابكم .

قال هو: في كل الحالات التي سأغيب فيها يكون عليك الالتزام ب(عدة ) شئت ام ابيت .

ردت بسخرية: لن احمل اسم الارملة ولاعدتها او المطلقة لكون العقد كان باطلا ومابني على باطل باطل وسأمارس حريتي التي ربما استعيدها بحراب قادمة من بعيد .

اذن انت غير نادمة على فراقنا؟.

بل فرحة بساعة الخلاص وانجلاء الليل الطويل وكسر القيد البغيض .

قال: وهل تستطيعين .؟.

اجابت: نعم وفتحت باب السيارة واطلقت جملة جعلته يتسمر طويلا خلف مقود السيارة .. اذهب الى مصيرك المحتوم .

 

6 نيسان 2003

راضي المترفي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1457 الاربعاء 14/07/2010)

 

في نصوص اليوم