نصوص أدبية

رسالة إلى السماء / زينب سعيد

 ضوء كنت تحت الشظايا، وفي ليلة ناجمة، وحدك بين النجوم. كنت أستطيع رؤية اشعاعاتك، ريحك، صوتك المنير: أنظر إلى السماء ليل الغد والليل الذي يليه، وسترى شيئا خارقا للعادة، أنا وصوتك المشتعل نتسامر على خط الضوء: جيمينيداس هو صاروخ سماوي حقيقي، يحكم معظم النجوم الماطرة الخضراء منها والصفراء والبيضاء والوردية المتهاوية، تستطيع في عبورك من جانب إلى آخر لسماء ليلية، في ليلة مظلمة بقمر جديد رؤية......

 

أذكر أول مرة رأيتك فيها ارنيستو، كان شهر اختبار لي في مجتمع جديد، أكثر حرية وقربا من المركز-كنت لا تستطيع تحضير القهوة وقت الاستراحة، كما كنت تفعل في تلك اللحظات، ولا تستطيع تحضيرها بنفسك، بالعكس، تراجعت عن مسار النمو الطبيعي، لا أذكر تماما متى ولا كيف بدأت باختراقي بأحاديثنا المتقطعة، بالصمت، بالنظرات، بالمقطوعات الموسيقية للمغني بارتوك في مسرح الاوديتوريوم، حينما تنام وتحلم بالانجليزية أو الايطالية وتتنكر وبعدها تطلق فرقعة من الضحكات!

كصيف افريقي على تل، حينما جنك الحر، رغم أنه أفضل من سهلك الرطب. أثار أعصابك فكسرت يدك مستنكرا ولففت وقلت لي :" سامحيني أخيّتي.

أو ذاك المساء، حينما أخذت الحبوب بالخظأ وفي المكتب الرمادي رتّبت لك سريرا قربي شربت فيه ماء كثيرا لتغرق غموضك.

أذكرك في هذه الايام، حيث عدت شيئا انغمس في أحلامي، لا يتركني أحلم بدونك.

أو عندما حكيت لي عن رحلاتك إلى استراليا وعن الصراصير الموجودة في المطبخ وعن بيتك في سهلك الرطب حيث أقمت معية إخوانك جبلا من الحيوانات المحنطة تتشابك الانوف والاعين البلاستيكية فيه.

أو حينما أخذت الدراجة النارية دون اذن، وأنت لم تكمل بعد ربيعك الرابع عشرة فالتواك التعب جعلك معاقا جسديا وأتعب عقلك المراهق إلى الابد.

أو ذاك المساء المشمس حينما،زمرت بمزمارك، فتحت الميدان التاريخي، أهدتك الحداثة أصواتا لطفت أجواء وحدتك وتعلمت ببطء تحضير الرسائل لأحلامك العاشقة والدائمة الشباب .

أو حينما رافقتني لأداء مهمة ودخلنا معا إلى المقهى، أخذنا قهوتين وبعدها سمعنا طوال سفرنا أغنية "تعجبني أنت" لمغنيها مانو ككل العالم.

 أو حينما أخذتك الى السينما وظننتك ضائعا فوجدتك مقهقها واكتشفت أننا نضحك على الشيء نفسه! أوفي عيد ميلادك عندما غنيت بصوتك المنفرد وأشرق وجهك حين أحسست أن أحدا يحبك.

أو حين رسمت على محياك الساذج "أريدك سعيدة"، أعرف وطالما أني عرفت، وأنا أيضا" أنا أيضا،"أريدك سعيدا"أو كتلك المرة حينما دخلنا المطبخ سوية وفجأة علّف الهدوء عينيك ....

والان، هنا، تركت فقط أرنبك الأزرق وحجابا يغطي قيثارتك التي لا تطاوع أياد غيرك.

الان، نبكيك، في الوقت الذي كنت تعد فيه آخر لقمة لك في حفل عشائك الأخير بالمشفى كان زملاؤك يحتفلون بمساوئك في حفل عشائنا الآخر في دار المعاقين، يتحدثون عنك مستائين من أفعالك الليلية وموسيقاك المرتفعة التي توقظ كل التل وآخر السهل الرطب وعن الاهتمام الزائد الذي أكنه لك وحدك دون سواك، في الوقت الذي عانقت فيه الموت راحلا إلى الأبد .

الان بايادين المتشابكة نتعلم كل الحب المفقود في كنيسة طاهرة ودون موسيقى تهديك السلام في كل فصول السنة التي لن تتكرر معي البتة، من حين وأنت تحضر قهوتك وقت الاستراحة ارنيستو آمرك باحترام القوانين وإلا أرجعتك لدار أكثر انغلاقا وبعدا عن المركز.

 

.....تستطيع في عبورك لسماء ليلية من جانب الى اخر في ليلة مظلمة بقمر جديد رؤية....تمتمت.....بعيدة هي النجوم، بعيدة في سماء الزمن البعيييد، شاحبة، مبللة عيناي وهما تلمحان ضوءك، ورياحك، الخضراء، والصفراء، والبيضاء، والزهرية وفي لمس اشعاعاتك احسست صوتك يشق خط الضوء في ليلة موقتة حينما انباتني أن في السماء نجوم ايلة للافول.

 

ترجمة

زينب سعيد

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1476 الثلاثاء 03/08/2010)

 

 

في نصوص اليوم