نصوص أدبية

كيوبيد كرسّـام منظر طبيعي

 

مبكِّـراً جلستُ على قمّـة صخرة،

محـدِّقا بعينـيَّ المشدوهتين في الضَّباب،

كيف تمـدد كخـيمة رمـاديـّة،

مُـغطِّـياً كلَّ شيء علواً وامتداداً .

 

حـطَّ إلى جـانبي صبـيّ، وقال :

ما لكَ تحـدِّق مشدوهـاً،

يا صديقي العزيز، في

تلك الخيمة الخـاويـة ؟

هل فقدتَ حقـاً مُـتـعةَ الرسم وابتداع

الصّـور إلى الأبد ؟

 

نظرتُ إلى الصَّـبيِّ وفكَّـرتُ في نفسي،

أيـريد هـذا الصَّـبيّ ُ الصًّـغير

أن يصيرَ المعلِّـمَ !

إذا أردتَ أنْ تبقى متجـهِّماً دوماً وخاملاً،

فلن يكـونَ أيّ ُ نبـوغ ؛ قال الصبيّ،

أنظر، سأرسم لك صورة صغيرة حالاً،

وأعلِّـمكَ كيف ترسم صورة صغيرة جميلة .

 

وصـوَّبَ سـبّـابـته،

التي كانت حمراءَ مثلَ وردة،

نحو القماش العريض الممـتـدّ،

وبدأ يرسم بإصبـعـه .

 

في الأعلى رسم شمساً جميلة،

شـعّـتْ في عينيَّ بقوة،

وصنع حواشـيَ الغيوم ذهبية،

جاعلاً الأشـعّـةَ تخترق الغيـوم،

 

ثـمَّ رسـمَ الرؤوسَ اللطيفة لأشجار جديدة غضّـة،

سحب التَّـلال واحداً فواحداً، بحريّـة خـلفها ؛

وفي أسفلها لم يترك الماء بعيداً عنها،

رسم النهرَ طبيعياً جداً،

حيث لمع  متلألئـاً بأشعَّـة الشمس،

 وبدا تيّـاره مُـرتـطـماً بضفـافه العـالية .

 

آه، عند النهر تنـتظم الزهـور،

وهناك الألوان على المَـرج،

ذهَب وميـنا وأرجوان وأخضـر،

كلـّـُها مثل زمـرّد وياقـوت !

 

وأضاف لمعـاناً وصفاءً على السَّـماء

وصيّـر الجبالَ الزرقَ تبعد وتبعد،

حيث أنّي افتـتاناً ذ ُهلتُ وولدتُ من جديد،

نظرتُ فوراً إلى الرسّام، ونظرتُ فوراً إلى الصّورة .

 

هكذا برهنتُ لك حقـّاً،

أنني أفهم حرفة اليد هذه جيداً،

هكذا قال :

ولكنَّ الأصعبَ لم يأتِ بعـد .

 

ومن ثمّ رسم بطرف إصبعـه

وبعناية كبيرة عند الغابة الصّـغيـرة،

تمـاماً عند نهـايتها،  حيث الشمسُ

تُـعـكَـس بقوة من الأرض اللمّـاعة،

رسم أجملَ الفتـيـات،

بتـكوين قويـم، وملابس أنيـقة،

وجنات متوردة تحت شعر بنّيّ،

وكانت الوجنات بلون

الإصبع الصّـغيرة التي رسمتها.

 

آه يا فتـايَ، صرختُ،

يا له من معلِّـمٍ، هذا الذي

اختارك في مدرستـه،

أنْ تكون بمثل هذه السرعة، ومثل هذه الفطرة،

فتبدأ كلَّ شيء ببراعة وتُـنهيه جيداً ؟

 

بينا أنا لا أزال في قولي، هبّتْ نُـسَـيْمـة

وحرّكتْ قمّـة الجبل،

جعّـدتْ كلَّ أمواج النهر،

نفختْ حجابَ الفتاة المتكاملة،

والذي أدهشني أكثرَ من دهشتي التي أنا فيها،

تبدأ الفتاةَ تُـحرِّك قدميها،

تمضي بالمشيِ، وتقتـرب من البقعـة،

حيث أجلس مع المعـلِّـم الطلـيق.

 

الآن كلّ ُ شيء، كلّ ُ شيء تحـرَّك،

أشجار، نهر وزهور، والحجاب

والقدم الرقيقة لأجمل المخلـوقات،

هل تعتـقدون حـقـّاً، أنني  بقيت

على صخرتي هادئاً كصخرة دون حَـراك ؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1560 الجمعة 29/10/2010)

 

 

في نصوص اليوم