نصوص أدبية

قصائد (أغاني) رواية (سنوات تدريب فيلهلم مايستر)

تدور حوادثها حول رجل أعمال بورجوازي (فيلهلم مايسترWilhelm Meister ) في القرن السابع عشر، سئِـمَ الحياة "الخالية" لمهنته فأراد أن يهرب منها تاركاً عمله التجاريّ ليكون ممثلاً وروائياً. تتعرف الفتاة الصغيرة (ميكَنون Mignon) ذات الثاني عشر ربيعاً عليه، فيرعاها كابنته، فتقع في حبّ فاشل معه . تقوم  ميكَنون بغناء قصائد أربع تحمل اسمها بمساعدة عازف القيثار، وهو شخص غامض متجول كئيب، ويكون أباها يُنشد معها في القصيدة الثانية، وهو (عازف القيثار)  يغني ثلاث أغانٍ.  في الرواية وقعت ميكَنون، وهي فتاة متشرِّدة، كئيبة وغريبة الأطوار، ميتة عندما رأت مايستر يقبل صديقته قبلة حبّ . لا عناوين لهذه القصيدة ولكنها سُميَّت بأسماء مغنيها . نشرت هذه الرواية سنة 1796 ونالت شهرة عالمية كبيرة، فمن بين الذين نالت إعجابهم وكتب عنها وقيمها تقييماً حسناً كان الكاتب الأسكوتلندي السّـاخر توماس كارلايل .)  

 

ميكَنون

1

(لحنها تشايكوفسكي وسماها : لا شيء ولكنْ القلب الوحيد)

وحده الذي يعـرف لـوعة الاشتياق

يدري ما أعاني.

وحيدةً وبعيدةً عن كلِّ ابتهاج،

أتطلّع إلى السّماء

وراءَ تلك الأرجاء .

آخ! مَـنْ يُحبّـني ويعـرفـني

هو هناك ناءٍ عنّي.

يُصيبني دُوارٌ

تضطرم في حشايَ نارٌ

وحده الذي يعـرف لـوعة الاشتياق

يدري ما أعـاني .

 

وهذه القصيدة في شعر مقفّى موزون :

 

 وَحـدَه من يعرف الوجدَ ولوعـاتِ الحنـينِ

هـو يدري ما أُعانـيه من الحُـزن الدَّفـينِ

وَحدَتي، بُعدي عن الأفراح في دهري الضَّـنين

السَّما أرنـو إليها بدموع وفـؤادٍ مُستـكيـنِ

خلف هاتـيك الجهـات النـائيـاتِ

فإذا حبّـي الذي يعرفـني ليس بآتي

إنَّـه ناءٍ، فأغـدو في ذهـول ودُوارِ

والحشى مِـنّيَ نارٌ تتلـظّى في أُوارِ

وَحـدَه من يعرف الوجدَ ولوعـات الحنـينِ

هـو يدري ما أُعانـيه من الحُـزن الدَّفـينِ

 

2

أتعرف الأرض التي تُزهِـرُ أشجارُ الليمون فيها،

حيث البرتقالُ الذهبيّ يلمع في الظّلام بين الأوراق،

حيث النسيمُ العليل يهبّ من السّماء الزّرقاء،

حيث الآسُ صامتٌ وشجر الغار ينتصبُ شامخاً،

هل تعرفها جيداً ؟

 

هـناكَ ! هـناكّ

أتمنّى أنْ أذهب معك إليها، يا حبيبي .

 

أتعرف ذلك البيتَ ؟ حيث السّـقـفُ يستقـرّ مرتاحاً على أعمدته،

تشعّ صالتُـه، وتلمع غـرفُـه،

وتماثيـله الرّخـام منتصبة ترنـو إليَّ:

" ما الذي فعلوا بك يا طفلتي المسكينة ؟ "

هل تعرف ذلك جيّـداً ؟

 

هنـاكَ ! هنـاكَ !

أتمنّى أن أذهب معك، أوه يا مَـنْ يحفظُـني.

 

أتعرف الجبلَ وجسرَه وسطَ الغيـوم ؟

حيث البَـغْـلُ يبحثُ عن دربه في الضَّـباب،

في الكهـوف يقطن فـرخُ التّـنّـينِ المُـعَـمِّـرُ،

الجّـرُف ينحدر بسرعة إلى أسفلَ وفوقه الفيضان،

هل تعرف ذلك جيّداً ؟

 

هنـاكَ ! هنـاكَ !

طريقنا هذا يقـود، أوه يا أبي، إلى البيت دعـنا نذهب !

 

3

لا تدعُـني إلى الكلام، بل ادعُـني إلى الصَّمت،

لأنَّ كَتْـمَ سريرتي فَـرْضٌ عليَّ ؛

أودّ أن أُطلعَكَ  على كلِّ مـا في طَـويَّـتي،

ولكنَّ مقدوري يأبى .

 

في الوقت المُـوائـم يُبـدِّد مَسارُ الشمس

الليلَ المدلهـمَّ، وعليها أن تُـنيـرَ ذاتَـها ؛

تتـفـتّت* الصّخرة الصَّوّانُ،

ولا تَضَنّ على الأرضِ بينابيعِها المخـفـيّـةِ عميقـاً.

 

كلُّ واحدٍ يبحثُ راحةً تحت كَـنَـفِ صديقه،

هناك يقدر ُ أنْ يسكبَ القلبُ ذاتَـه في أنـين ؛

ولكنَّ قسماً يُغلقُ شَفـتَـيَّ،

وليس غيـرَ الإله وحدَه مَـنْ يقـدرُ أنْ يفتحَهمـا .

 

............................

* الترجمة الحرفية : تفتح صدرها

4

(بعد أن أدّتْ ميكَنون دور ملاك صغير بردائها الأبيض الفضفاض في عرضٍ دينيّ، أرادوا خلعَ الرداءِ الأبيضِ عنها، فرفضت وجلست بردائها حول طاولة الكتابة وكانت قاب قوسين أو أدنى من الموت، وأخذت تغني :

 

دعوني أظهـر هكذا إلى أنْ أصبحَ حَـقيـقـيّـةً ؛

لا تجرِّدوني مِنْ ردائي الأبيض !

إنني أخِـفّ ُ السَّـيْرَ من الأرض الجميلة

إلى أسفلَ إلى ذلك البيت الحصيـن .

 

هناك سأرتاح برهـةً قصيرةً هادئـةً ؛

تتفتَّح عيناي بعدها عن النظرة الصّـافية،

سأترك بعد ذلك الغطاءَ النقيَّ ورائي،

والزّنّـارَ وإكـليلَ الغـار .

 

وأولئكَ المخلوقاتُ السَّماويةُ،

لا تسأل أَرَجُـلٌ أنتِ أم امـرأة،

ولا ملابسَ، ولا أستارَ

تُطـوِّق جسدَك المطَـهَّـرَ .

 

حقّـاً لقد عشتُ بلا هـمٍّ بلا جُهـدٍ،

ولكنْ شعرتُ بألمٍ دفـينٍ كافٍ .

من الحـزن شِبتُ مُبَـكِّـراً جدّاً –

اجعلوني مرةً أخرى يافـعةً إلى الأبد!

 

عازف القيثـار

1

الذي يسلّم نفسه إلى العزلة،

آخ! يكون وحيداً فوراً،

كلّ واحد يعيش، كل واحد يحبّ

ويترك له ألمَـه .

 

نعم ! اتركوني في ألـمي !

مرّةً واحدة أستطيع

أن أعيش وحيداً،

ثم لا أكون وحيداً .

 

ينسلّ مُحبّ بلطف ويُصغي،

فيما إذا كانتْ صديقـتُـه وحيدة ؟

وهكذا يبقى ينسلّ ليـلَ نهـارَ،

ألمي ومعـانـاتي لي،

في وَحـدتي كلِّـها

وسأكون يوماً ما وحيداً في قبري،

هناك تـتركـني وحيـداً !

 

2

سأنسلُّ إلى أبواب الناس،

سأقـف هناك هادئـاً ورزينـاً ؛

يَـدٌ كريمـةٌ ستـقـدِّم لي الطَّعـامَ،

وسأتـابعُ طـريقي،

كلّ واحـدٍ يحسَب نفسَه محظوظـاً،

عندمـا يرى شكلي ماثلاً أمـامَـه ؛

سيذرفُ دمـعـةً،

وأنا لا أدري، علامَ يبكي .

 

3

مَـنْ لـمْ يأكلْ خبـزَه قَـطُّ بدمـوعٍ،

مَـنْ لـمْ يجلسْ على فراشه باكيـاً

في الليالي المليئة حزناُ،

لا يعرفـكم، أيتها القُـوى الإلهـيّـة !

 

أنتم تقودوننـا إلى صميـم الحياة،

أنتم تَـدَعـون الفـقـيرَ يرتكب الخطأ،

ثـمَّ تتـركـونـه في ألمـه :

لأنَّ كلَّ خطيـئة على الأرض تأخذ ثأرَها .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1563 الأثنين 01 /11 /2010)

 

 

في نصوص اليوم