نصوص أدبية

فِخـاخُ الصِغـار .. / يحيى علوان

تَقاطُعاتٍ عَبَرناهـا .. مغاراتٍ هَجَرناها، كي نَعـودَ بحطامِ أجسادِنا، أَخيراً، إلى رقصتها الأولى، يـومَ تَدَحرَجنا فوقَ هذه الدنيا، دونَ أَنْ نُسأَلَ ...

لطفولَةٍ ما شَبِعنا منها ...

..........................

أخبَرتنا " عَرّافاتٌ "، يُمَشِّطنَ جدائلَ الغَيْبِ، عن أكثرِ الخساراتِ وثوقـاً، فما صَدَّقنـا ..!

 سَخِرنا، بـ"علومنا !" من جُرابٍ مُنْطَـوٍ على حَفنَةِ رَملٍ وعُظيْماتٍ ..

ورُحنـا نُسرِعُ العَـدْوَ نحـوَ مرايا الأُفُـقِ، نُمَعْدِنُ الصهيلَ، نَدلُقُ الحنينَ،

ونُنصِتُ لأَنينِ الفَواخِتِ، وقتَ يحينُ " الچِمْرِيْ " *!!

عَلَّنـا نَظفَرُ بِفَرحةٍ تَيَّهَتْها الريحُ .. نَستَظيفُها، بَـدْوَاً، في خِيامِ " مواكبَ " لاتنتهي،

تَحَجَّرَ الزمنُ فيها منذُ صَدرِ الإسلام .. نُحاولُ أَنْ نسوقه بسياطِ " العَقلِ "، لكنَّه أَحرَنَ ..!

..........................

..........................

طفلتي تُجيدُ نصبَ الفِخاخِ، لا تَكِلُّ ولا تَمِلُّ :" بابا، مَنْ شَيَّدَ هذا الخرابَ .. ؟! "

فأُجيبها " مَنْ سيصونُ عُذريَّـةَ شقائقِ النُعمانِ ؟! "**

تقولُ : "لا تَهرَبْ ..! أسألُكَ كُلَّ الجِدِّ، عن بغداد وأهلي هناك !! "

قُلتُ :" اللعنة ! كلُّ الناسِ تزهو بالأنتماء إلى أوطانها .. إِلاّنا ! نقولها خَفيظةً، مَعجونَةً بالحسرة، والمرارة، والتبرير .. كأَننا نَدرَاُ عنّا تُهمَةً باطِلَةً ..! لستُ أَدري كيفَ أَتعامَلُ مع مَنْ أَوصَلَنا، إلى حالٍ نخجَلُ فيها من الإنتماء لهـذا الوطن ..!!"

 

 

: " ما العمل ؟ أُريدُ أنْ أرى أهلي في بغداد !! "

قُلتُ لها " يا ندى، نحتاجُ نظاماً صادِقاً، مثلَ نَبعٍ، رحيماً مثلَ جَدَّةٍ، مِعطاءً مثلَ نخلَةٍ ..

شجاعاً، مثلَ أُمٍّ تَذودُ عن صغارها ! "

قَطَّبَتْ حاجبيها .. جَعَّدَتْ وَجْهَهَا، ثُمَّ كَشَّرَتْ، مُستنكرَةً : " ما علاقةُ هذا بزيارةِ أَهلي؟

ــــــــــــــــــــــ

 

* هو حبّاتُ التَمرِ قبلَ أَنْ ينضُجَ رُطباً، تُلَفُّ، صفراءَ، بقطعةٍ من قماشٍ، تُدفَنُ في الرملِ أو التراب، تحت الشمس، طوالَ يومٍ أو إثنين، حتى ينضجَ بلونِ أُوكرٍ باهتٍ، غيرَ لون العقيقِ الحُُرِّ للرُطبِ

 الناضج على النخلة ..

 

** صغيرتي لَمّا تَزَلْ تحبو في بحر اللغة .. لكنها مُغرمة بالإيقاعِ والقافيةِ .. فتراها تُقَلِّدُ في حديثها المُعتاد الأناشيد والشعرَ، الذي تحفظه في المدرسةِ، لذلكَ حاولتُ مُحاكاتها في الجواب ..

 

 شَـبَهُ المُختَلِف ..

 

_ مالكَ ..؟ كأنَّكَ قِطٌ يدورُ على نفسه، كي يعضَّ ذيله ..؟!

* أَبحثُ عن ظِلِّي، لأُمسِكَ به .. فقدْ أَعثرُ فيه على شَبَهي ..!

_ أَلَستَ أَنتَ، الذي تَغنّى بـ" أَهيمُ بالإختلاف ! لا التشابه يُغريني، ولا القطيعُ يُغويني !"

* نعم ..! لكنني مَلَلتُ " وحشتي "، لذلكَ أَبحثُ عن شَبَهي ..

_ الشَبَهُ، مـرآةٌ، لا تَلبثُ أَنْ تَعافَها، لأنها لا تفعلُ غيرَ أَنْ تعكِسَ ما يقعُ عليها ..!

........................

* وهـذا صحيحٌ أيضـاً .. بيدَ أَنّني أَبحثُ عنْ شَبَهي في " الإختلاف " !

_ إنّـه ضَربٌ من " التَمَنطُقِ "!، إِنْ لَـمْ أَقُلْ تلاعبٌ بالألفاظ ...

* إذا كنتَ تُسمّي ما لا تَفقهُه تلاعباً بالألفاظِ !؟ بماذا ستُسَمّي، إذن، ما يتقيؤه الإعلامُ،

 صباحَ مساء ..؟!

 لا، يا سيدي ! أنا أَبحثُ عن تَوأمي في "الإختلاف "، أُقاسمه الفَرَحَ .. وقبلَ أَنْ تسألَ عن

 أيةِ فَرحَـةٍ .. أَقـولُ لكَ إنهـا فَرحَـةُ الشفاء من ألَـمِ " التَكَيُّفِ "! فهذا الأخيرُ لا يَتِمُّ مـن دونِ قمعِ الذات !

ـ لكن في النهاية، لا بُدَّ لكما من التماثُلِ مع بعضٍ .. وحينها سيَدبُّ المَلَلُ إليكمـا !! وتَبدآنِ رحلَةً أُخرى للبحثِ عن " المُختلِفِ ".. فتَخوضانِ الإغترابَ من جديد ..

* لا خوفَ من ذلكَ .. فالفَردُ الذي أَبحثُ عنه، ذاتٌ لحالـه ! له هندسةُ جيناتٍ فريدة،

 تستعصي على الذوبانِ في ذاتٍ أو ذواتٍ أُخرى ..!! لايمكنها أَنْ تكونَ إلاّ ذاتَها هيَ .. عندهـا ستكونُ الطريقُ أَكثَرَ متعَةً من البقاءِ مع الشَبَه المُتماثُلِ .. تماثُلاً هندسياً ..!

 حينَها، سيكونُ الإغترابُ في البحثِ عن " المَجهولِ "و" المُستَترِ الهارِبِ من عيونِ الناسِ " أَيسرَ من البقاءِ مع " الشَبَهِ " .. !

 وما دامَ " الثَباتُ والأَبَدُ !" من مزايا الآلهةِ .. فقد نَفوزَ، نحنُ الهراطِقَةُ بآياتِ "التَحَوُّلِ "!!

 

 

 غُفـران ..

 

 لا جدوى من الوَلوَلَةِ .. !!

أَخيراً ظَفِرتُ بـه ..! كان يجلِسُ على مصطبَةٍ، وحيداً، مثلَ همزةٍ مُنفَصلَةٍ، إحدَوْدَبَ ظهرهُ، كسَنامٍ .. لا يكادُ يقوى على رفعِ رأسه !

 مُنشغلاً كانَ بأصابعه ..كأَنَّه يَعُدُّ ما طاشَ من سِنيِّ عَقـدَه الثامِنَ، يَتَحسَّبُ ما بَقيَ لـه منها ..

لا أَشكُّ أَنَّه ما كانَ يَحتَسِبُ، حتى في كوابيسِ مناماته، أَنْ يراني !

ولَمّـا إصطدَمَتْ نَظراتُنا، عاجَلتُه :slow motionتَسَمَّرتُ أمامه .. رَفَعَ رأسه بحركةِ

" قَدْ غَفَرتُ لكَ ..!! "

 إنكَمَشَ وجهُهُ كجلد فيلٍ .. سَقَطَ رأسه على نَحرِه .. فَوَقَعَ نَظَرُه بينَ قَدَمَيَّ ..!

.....................

.....................

كانَ أكرَمَ من سواهِ، ممَّنْ أَساؤوا لي ... تَبَخَّـروا، فحرموني من فرصَةِ الغفرانِ لهم ..!!

نَذالَـةٌ، أَنْ يَتَسرَّبَ شَخصٌ، أَساءَ لكَ .. فَيَحرِمُكَ من فرصةٍ تقولُ لَـه فيها : " قـد

غَفَرتُ لك .. " !! 


 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2167 السبت 30/ 06 / 2012)


في نصوص اليوم