نصوص أدبية

زُخْـرُف / يحيى علوان

 

مُسرِفونَ .. مُسرِفونَ، نحنُ !

أَسرَفنـا في الطيبـةِ،

أَسرَفنـا في الحُلُمِ والنُبلِ ..

ما إحتسبنا بماذا نَمـلأُ الخندَقَ الذي يفصلُنـا عن حدائـقِ الأريجِ ..!

مَنْ سيضعُ الزهـورَ على قبورنـا إِنْ وفَّقنـا الربُّ فعبرنـا دهاليزَ العتمةِ،

ومُتنـا طَيّبينَ من فرطِ سذاجَةٍ ..

مَنْ سيَضفِرُ ما كَتبنا، جـدائلَ، لِهامِ " نَصـرٍ " شاردٍ .. لاهٍ، يتَحرَّشُ بخَصـرِ السماء ؟!

.......................

 

لَـمْ يَكُـنْ بِـدعَـةً، ولا " بَديعـاً !" ما كَتَبنـاه،

قُلنـا الجِـدَّ كُلَّـه، جِـدَّ الموتِ الزاحِفِ علينـا ..!

رمَّمنا المـوجَ الأهـوَجَ .. لَيتَنـا ما ... !

أَشعَلنـا فِتَنَ الروحِ، حتى هَيّجْنـا المَحظـورَ فَأَيقَظْنـا مارِدَ السُكْرِ النائمِ ..

ليسَ سُدىً، كُلُّ ما فَعلناه، إزاءَ هذا الهبـاء ..! رُغـمَ بداهَـةِ أَنَّ الأبجديةَ لا تَكفـي

لوضـعِ العـالَمِ على شفا الجُرحِ ...

ليسَ عيبـاً أَنْ نبكـي بشجاعةِ الحَرْفِ وفَصاحَـةِ لُغَـةٍ، تَتَمَنَّعُ على " الزَلَقِ " والتأويلِ

بما لا تُريد ..! مِمّـا لا يَرفو شُقوقَ الروح، ولا يَنضو عنِ الشَجَرِ بعضَ أَوهامـه ..

فهـذا ليسَ "ربيعاً " .. إنّـه خَريفٌ ... خَريفٌ، خَريفٌ .. خَرِفٌ !!

 

وَجَـعُ النـاي

 فاجِـعٌ، باطِـلٌ .. ما نراه اليـومَ !

كُنّـا نُمسِكُ بِهُدُبِ الحُلُمِ، نُؤَمِّـلُ النفسَ أَنَّ ما فاتَ، قد وَلّـى ..

وما سيجيءُ، لا بُدَّ يكـون أَحسَن ..

لكـن هيهاتَ وألفُ هيهاتٍ ..!!

..............................

زَلِـقٌ دَفْتَـرُ الندامَـةِ .. لَمْ يكُنْ سهلاً أَنْ نُطفِىءَ مرجَلَ الحروبِ،

لا الورقُ، ولا القرطاس ...

فهـذا كَذِبٌ صُـراح !

..........................

كُنّـا، وما زِلنـا، ... وسنظلُّ مثلَ "خَلالاتِ العبد"!**

كَتَبَةُ الشيطانِ كُثرٌ ... واجِمـونَ، طاعنونَ في الخرابِ،

لَهُمُ الكأسُ المُعلاّ و"دانياتُ"! القُطـوفِ ..!!

يَسلخونَ جُلودَ المفرداتِ والمعاني لِرَنينِ " الليرة " و" لدِفء " حُضنِ السلطانِ، أَيّاً كانْ !

 

قَضّينا نصفَ أَعمارِنا، نُراوِحُ بينَ المنافي ومَنْبَتِ الذكـرى،

هَجَرنـا الأَهلَ والصَحبَ،

رَكِبنـا اليَمَّ .. أَجنحَةَ الريحِ، ظُهـورَ الدواب، حتى أَزهَرَ مِلـحُ الوحشةِ فينا،

مثلَ وَجَعِ نايٍ، ثَقَّبَته اَصابـعُ الخساراتِ، نَضَجَتْ أَشواقُنا " ونَحن .. غافِلونْ !"

فَإذا بالوطنِ يُكابِـرُ، يُنافِـحُ عَمّا صارَ إليه من طَلَلٍ، خَطَلٍ وَخَبَلْ ..

وَطـنٌ حملنـاه غَصَّةً .. جيلان،

كَوَينـا جِراحَنـا بأسياخِ التَصابُـر،

كُنّـا نَسقي أحلاماً مُرتجَلَةً، تحرِثُ القلبَ، بثوراتٍ لا يموتُ فيها أحدٌ، ولا يَسيلُ بهـا

غيرَ عرَقِ الفرحةِ ... وأَمسينا نُغـالي بالحُلُمِ أَنْ نَصحـو، فَنَنضو عنّـا تَعَبَ الأحلامِ

المُرتَجَلَةِ، ونَنْفِضُ عَن رؤوسنا ضَجَّةَ الحشودِ ...

تَرَكنـا الصمتَ مُعَلَّقاً فـي الهـواءِ، وحيـداً .. بـلا وَلَـدٍ ولا تَلَـدٍ ..

 

حتى صَحَت الدنيـا على غَيبٍ من تَهاليلَ وأَباطيل ...

لكننا سنَظلُّ سائرين !

فليسَ لنـا سوى السير حَتفاً .. إِنْ أَصبنا أو أَخطأنا،

سنسيرُ، نَسير

................................

 لكِن كَمْ من الصمتِ يَلزَمُنـا، حتى يَتَشَقَّقَ السكونُ وَنَنفَجِر ؟!

كَمْ من الذُلِّ يلزمنـا، حتى نَثورَ ؟!

وَكَمْ من العَفويَّـةِ نحتاجُ، حتى نَطرُدَ اللصَّ والناطـور ؟!

 

يحيى علوان

 

.......................

* تُشيرُ الأبحاثُ الطبية، إستناداً إلى تحاليلِ الحمضِ النووي،بأنَّ الجنينَ يولَدُ مُثقلاً بأعباءٍ وراثيةٍ، لا دَخلَ له ولا للمحيطِ، الذي ينشأُ فيه، بها . أَي يولَدُ بماضٍ لا قِبَلَ له به ..

** أَجرٌ عَينيٌّ للعبيد، الذينَ يَشقَونَ في عَملِ السُخرة لدى الإقطاعي في جنيِ التمور،" يُكافأون " عليه بحفنةٍ من الخَلال، أي حَبّات التمر قبلَ أَن تصيرَ رُطباً .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2182 الأحد 15/ 07 / 2012)


في نصوص اليوم