نصوص أدبية

إبصق على الرماد / عبدالإله الياسري

ما هيَ إلا ساعة ٌ, وانطفأتْ حديقةُ الطريقْ,

وأعشبَ الظمأ ْ,

في رئةِ الشواطئْ؛

ومالتِ السفينهْ

مثقوبة ًيـَقطرُ منها الدمُ والرصاصْ.

منذ ُرحيل النار عن مدينتي, ورايتي في قفص الثلوجْ.

تـَرتقبُ الحريقْ.

سألـت عن مسافة الطريقْ.

أجابتِ السحابـهْ:

"ما أقربَ الطريقْ!"

أجابتِ الحجارهْ:

" ما أبعــدَ الطريقْ!"

ولاذ َ بيْ عصفورْ.

قد فرَّ من تلوُّثِ البيارقْ.

كنَّـا غريبَينِ معا ً.نـشاكسُ الرياحْ,

ونجمعُ السحابَ للنخيلْ.

وبينما كنَّـا نُعيدُ النبْضَ للصهيلْ,

تـَدحرجتْ من سلـَّم المدينة الخيولْ,

وانكـَفأ َالفرسانْ.

في حفرةِ السلطانْ.          

وصِيْحَ بالنخلةِ: "يا صاحبةَ الخوارجْ!

تقـوَّســي للـريـحْ.

هذا زمان الريحْ.

هذا مكان الريحْ."

قلتُ لهمْ,  وخطوتي مُورقـَة ُ الأشجارْ,:

"أزحتُ عن وجوهكمْ أغطيةَ َالحريرْ,

وصبغة َالنوَّارْ."

وقلتُ للنهـــارْ:

"أ َسْـقـِط ْ لنا أقنعة الرمادْ.

هذا أنا.ليْ قامة ُ الهجيرْ,

وجبهة الصواعقْ.

خرجتُ من أبراجكمْ مُغتربا ًفي جزُرِ الجنونْ.

أُجالسُ المياهَ والحدائقْ.

أُحاربُ السكونْ.

إنـِّي كما أكـونْ.

وصاحَ بيْ البهلولْ:

"إِبصقْ على الرمادْ."

-2-

حاصَرَنـا الرمادْ.

واختفتِ الطريقُ والشواطئْ.

وأسلمتْ جذورَها السفينهْ,

وامـَّحَتِ المدينهْ.

وساعة َاشْـتَقـْتُ إلى النخيلْ؛

كان الضبابُ بيننا,

وضاعَ أو ضعْتُ بــهِ.

ألا انْـقـَشـِعْ يا أيُّها الضبابْ!

واقتربي- حبيبتي!- ولادة ً,أو كـفَنا ً,أو برعما ً,أو حجــَرا ً.

وقـَرِّبي ليْ الطينْ,

كالجرح, كالسكـِّينْ.

تـُوشكُ أنْ تـُنـْكرَني السنابلْ.

أطاردُ الأجراسَ والمرايا.

أبحثُ عن رنينْ.

أبحث ُ عن ملامحْ.

أراقبُ الأنواءْ.

أبحثُ عن عاصفـة ٍ تُدخلني/ تُخرجني.

من أين تـَدخلينَ يا غيومُ للشجـرْ؟

من أين تـَخرجينَ من ذاكرة ٍ مليئة ٍ بالقـَحْـطِ والمطرْ؟

ما أبعــدَ العراقْ!

ما أقربَ العراقْ!

ما كان للزنـْج ِسـوى الحقيبــهْ,               

وشوكةٍ من وردة السفرْ.

ما كانَ للزنـْج ِسوى الضريبهْ.

ولم تزلْ رفيقتي الطيورْ.

ولم يزلْ يَـتبعُني الجُباةْ.

أسألُ: " مَـنْ يَـجْرأ أنْ يُسَمـِّيَ الأشياءْ؟

مَن ثقبَ السفينهْ؟

منْ هَـرَّبَ السَـفـَّانْ؟

منْ أسْـكتَ المدينهْ؟

منْ أغلـَقَ الطريقْ؟"

يا أيُّها الصديقْ!

هل نحن أصدقاءْ؟

هل نحن أبريــاءْ؟

هل إنَّها  تجاربُ الأخطاءْ؟

هل نحن كالأحياء؟

هل إنَّ في مستنقع ِ المنفى لنا فقاعهْ؟

هل نـَبْضَة ُ الفرات في جنازة الجليدْ؟

هل نخلة العراق في أعـمدة ِ الحديدْ؟

هلْ.....................؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟

حاولتُ أن أستنشق الهواءْ.

نوافذ الفضاءْ.

أغلقـَها الحرَسْ.

نافذة ٌ واحدة ٌ للواحد السلطانْ.

يَـفتحُها الحرَسْ.

يأتونَ بالطيور ْ,

(ألدمُ والرصاصْ)    

ويـَمسحونَ مقعدا ً يدورْ

يقولُ لي العصفورْ:

" تـَـغيَّرَ الزمانْ.

تــغيَّرَ المكانْ.

تـَدحرجتْ خيولكمْ, وانـْكـَفأ َالفرسانْ,

في حُـفـْرَة السلطانْ.

أين هي السفينهْ ؟

والناس والمدينهْ ؟"

أقــولُ للعـصــفورْ:

"تحت الرماد الزيتُ والشرَرْ.

إِرتـَقـِبِ الحريقْ."

وصِيْحَ بالنخلــةِ :" لاتـَسْتكبري.

ألا اسْجـدي.

سَبَّـحَ باسم الواحد السلطانْ.

ألماءُ والترابُ والشجرْ."

قلتُ:" اخْرجي, يا طينتي,من هذه المسوخْ,      

واغتسلي,

وارتقبي الحريقْ."

وصاحَ بيْ البهلولْ:

"إ بْصقْ على الرمادْ"

-3-

تزوَّجتْ مدينتي آلهة ُ الرمادْ,

وتـَمَّتِ الخَلـْقـَة ُ للفرسان من جديدْ:

قاماتــُهمْ رمادْ.

راياتـُـهمْ رمادْ.

خيولــهمْ رماد.

ويَصْـعدونْ,

ويَنـْـزلـونْ,

ويَمسحونَ مقعدا ً يدورْ؛                  

وحوله ذيولـُهمْ تـَدورْ.

يَـنـْدَسُّ فينا المـُخْبرونْ,

كالقملِ, كالصراصرْ.

يأتونَ بالعصفورْ

( ألدم ُ والرصاصْ)

ويَفتحونَ النافـذهْ.

حينئذ ٍ تـُـلـَطـِّخُ السمــاءْ

أجنحة ً بيضاءَ بالدمــاءْ.

ونـَمزجُ النزيفَ بالنشيدْ.

نحن- الغريبَينِ - بلا زمانْ.

نحن- الغريبَينِ - بلا مكانْ.

وصِـيْحَ بيْ: " يا أيُّها البهلولْ! ‍‍‍‍‍

قلنا لطيرِالنارِ كنْ ضفدعة ً فكانْ

وأنتَ من سلالة الصحراءْ

تلجأ تحت الماءْ

مـُقاوما ًبريشةِ الطيورْ,

وسعفةِ النخيلْ.

إنـْحَنـَتِ الأشياءْ.

ليس سوى الرمادْ,

وجثـَّةِ العصفورْ؛

وليس من طريقْ.

خلاصة الأشياءْ

ريشـَتـَكَ البيضـــاءْ.

سعْـفـَتـَكَ الخضراءْ؛

وبذرةَ الحريقْ.

فهذه مملكة ُالرمادْ .

ليس بها إنسانْ.

ليس بها إنسانْ."

-4-

بكيتُ بين نخلتين ِ: نخلةٍ واقفة ٍ في خندق النخيلْ,

ونخلة ٍساقطة ٍ قد أَنكَرَتْ ملامحَ النخيلْ.

ثـمَّ اجتمعتُ واحداً.غسَّلتُ أشلائي/ نفضتُ القبرَ عن وجهي/

أدَرْتُ الوجهَ للضوء ِ/أعَدْتُ الضوءَ للراية ِ/والراية َ للفارس ِ.              

صحتُ: " ابْصقْ على الرمادْ.

إرتَـقِبِ  الحريقْ. "

وصِحْتُ بالذينَ أسْقـَطـَتـْهم ِ الرياحْ,

في مُـدُن ِ الجليدْ,

و أوْحَدوا الحُسَـينَ للرماحْ,        

وأسْـلـَموا المسيحَ للصليبْ:

"ما أوسخَ المنافي!      

وأرخصَ الغريبْ"

أيْ ساعة َ النشورْ!

إقْـتَربي, وقَـرِّبي حبيبتي,وبيتـَنا:

شـُرْفـَتـَه,والديكَ,والصباحْ.

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2209   الجمعة  24/ 08 / 2012)

في نصوص اليوم