نصوص أدبية

غرام بالواسطة / يحيى علوان

إقترحَ أبو حميد ( أستاذنا الفقيد عبد المجيد الونداوي ) ـ وكنا حينها نجلس سوية مع رشدي العامل في غرفة صغيرة، بدار الروّاد، في "القصر الأبيض"، أقرب الى الجحر منها أن تكون غرفة عمل ـ إقترح الونداوي أن يصحبنا الى مكان هادئ بارد فيه أكلٌ لذيذ.. نشرب فيه كأساً ونُدردش فيه قليلاً مع أبي علي (رشدي).

ركبنا التكسي وانطلق بنا الى شارع السعدون. توقف قبل " الجندي المجهول" ناحية اليمين. وعندما نزلنا، هَمَسَ رشدي في أُذني أن صاحبَ هذا المكان هو الشخصية المعروفة رشيد مطلق. دخلنا، يتقدمنا الونداوي، وألقى تحيةً شبه مسموعة، كي لا يُخدّشَ هدوءَ المكان. إنتَحينا الجانب الأيسرَ من المحل وجلسنا الى طاولة بمفردنا.. تساءل رشدي:" ليش أبو حميد، مو نزار ماكو يمه أحّد؟ " أجابه أبو حميد بأن نزار ( المقصود هو القاص نزار عباس) لايبدو عليه اليوم راغباً في مؤانسة أحد.... ما أَن جلسنا حتى تقدّم منا شخصٌ في الستيناتِ من العمر، بشياكة بالغة. سلّم على أبي حميد بأدب جَمٍّ، وقام الونداوى بتقديمنا اليه. رحب بنا وأنصرف عائداً الى طاولةٍ صغيرة تجلس إليها سيدةٌ بعمر النضوج. كان ذلك الرجل هو رشيد مطلق. جاء النادلُ، طَلَبْنا.. فأحضر ما أردنا وأزاد، بناءأً على إشارةٍ من صاحب المحل.

بعد فترة، حَضَرَ الى مائدتنا شابٌ قويَّ البنيان، يرتدي قميصاً نظيفا وبنطالاً، تعتلي رأسه طاقيّة (عرقجين) سلّم بأدب، فيه شيء من الحراجة وقال :" إستاد، الله يخلّيك بلكي تكتب لي فد رسالة ؟ "

سأله رشدي مداعبا ً بحب، وأشرقت على وجهه إبتسامة طفولية، بل ملائكية، : " شجابك لهنا ؟"  

" سألت، گالولي هذا البُكان بيه مثقفيّه وأَكابر."

راح رشدي يُعابثه :" طيَب، ليش إجيت علينه بالذات ؟"

أشار الشاب ناحية نزار عباس، وقال :" ذاك الإستاد دزني عليكم ". تبادل نزار وأيانا نظرةً أَنْ "ساعدوه وفُظّونا "!

سأله رشدي عما يمتهن، فأجاب " آني خِلفَه ـ يريد بذلك مساعد أُسطة بناء ـ بس آني مو أُمّي, آني أعرف أقره وأكتب."

" إلمَن تريد الرسالة ؟"

" لفد وحده أميرة بِتْ مدرسة " قال الشاب ذلك بزهوٍ ظاهر.

واصل رشدي معابثته، وقد إستهواه الأمر " ليش مَتِكْتِبْ الرسالة بنفسك وتگول إلها اللي تريده..؟ "

" هُوَّه لو آني أعرف شريد، ما جان طِلَبِتْ من أحّد!"

ضحكنا. وافق رشدي على التكليف ودعاه للجلوس معنا. لكن الشاب أبى وقال معتذراً سأمرُّ عليكم بعد ساعة إذا وافقكم الأمر.

إنقضت الساعة وحَضَرَ الشاب. سلّمه رشدي الرسالة. بَرُقَتْ عيناه فرحاً، عندما قـرأ الرسالة.

قال "والله العظيم هذا اللي چِنِتْ أريد أَگوله إلها". طبع قبلةً على خدِّ رشدي.. صافحنا، وغادر المكان. سأل عبد المجيد رشدي عما كَتَبَ، فأجابه بشيء من الفخر، الذي لا يخلو من المناكدة والمُعابَثةِ الوِدِيَّةِ المعتادة بينهما " كتبتُ رسالة غرامية لبشيرة* عندك إعتراض؟؟!!"

أَطرَقَ أبو حميد رأسه، وقد بَدَتْ على وجهه ظلالُ غِمّة...

 

..........

* بشيرة البغدادي، أُمُّ ولديه علي ومحمد.. كانَ يَعشقُها، عِشقاً بوهيميّاً، لَمْ يكُنْ مفهوماً في غالبِ الأحيان..

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2224   الاثنين  24/ 09 / 2012)

في نصوص اليوم