نصوص أدبية

من همسات الماضي الجميل

bahjat abaasالقلبُ قبل العـيـن لا يعشَقُ

لكـنّـه مــن عـشقــهـا يُــورِقُ

 


 

من همسات الماضي الجميل / بهجت عباس

 

كان يوماً ذِكْرُهُ أجملُ من ورد الربيع الناضرِ

سِحـرُه لمسةُ حُـبٍّ وحنـان ٍ مــن نسيـم سادرِ

شمسُهُ ساطعـةٌ تغزلُ خـيـطـاً لحبيب حــائــرِ

ليس فيه أيّ وهمٍ وأساطـيـرٍ وجهــلٍ غـامــرِ

هي ذي الجنّة خضراءَ تراءتْ لعيون الناظرِ

ترك الدنيـا وما فيها وهاما

لاهثاً لا يرتوي إلاّ لمـامـا

ما الذي جاء بهذا الصَّبِّ من أقصى البلادِ

يسُرع الخطو كطيفٍ فـرّ من طول الرقادِ

ينشُد الحبَّ ويهوى العيش في تلك المِهـادِ

أدمتِ الأشواكُ منه القدمينِ واليدين

لا يبالي أدمٌ أو أدمعٌ في المقلـتيـن

فرأى حُلـمَ الليـالـي باسمـاً يأتـلــق

ناشراً أجنحة الشوق لقلب يخفــقُ

في صباح عبق الورد شذاً واختال غصنُ

ونسيمُ الصّبـح فوق الشجـر الوارف لحـنُ

يا خليلي لم يكن طيفـاً تهادى فـي خـيالـي

بـيـن أشباح ترامتْ وتراءتْ فـي اللـيالـي

إنّما السِّحــرُ الذي شعّ مـن العـيـن وذابـا

في فؤاد حائــرٍ لاقـى مـن الدُّنـيـا عـذابـا

ظامئٍ لا يرتــوي من منهلٍ إلاّ رُضابــا

حينما أبصر في العينين وهْجاً وضِراما

لاحتِ الدنيا له روضاً وأزهاراً خُزامى

ورأى كلّ حوالـيْــه ثغــوراً وابـتسامـا

حَلِيتْ في عينه الدنيا فهاما، وتسامـى

 

وإذا بالقُـبلة الحرّى على الثَّـغــر تـفـور

وإذا بالرّوح تسري في عروق وتغـور

وإذا بالخــدّ يحـمــرّ كَـورد الجلّنارِ

آه يا فاتنة الكون ويا رمــز النهـارِ

ها هي الدنيا عطــورٌ وأزاهــيـرٌ ونورُ

وغدٌ في الغيب لا يُعرَفُ، همٌّ أم حبورُ

أحياةٌ وحـضـورٌ، أم مـمـاتٌ ونشـورُ

فليكن كأسُ الهوى نشوةَ حبّ لا تبـورُ

***

القلبُ قبل العـيـن لا يعشَقُ**لكـنّـه مــن عـشقــهـا يُــورِقُ

فتورق الأزهار من حوله**أنفـاسُهــا مــن عطـره تعـبَــق

وتبسِم الثغورُ من نرجس**ناطـقـةً مـا السَّحـــرُ لا ينـطِـق

ويملأ الأريجُ رحبَ الفضا**منـه طـيـور الحبّ تستـنـشـق

أغصانـه تمـيـد من نشوة**أزهــارُها فــي خـلسة تــرمُــق

وينتشي الروض بسحر الهوى**من دونه النفـوسُ لا تألـَقُ

والشمس عين في أعالي السّما**تمنـحها النورَ الذي يخلـق

***

في الحقل كانت وردةٌ**وكان حولهـا الزهـرْ

تستقبل النسيمَ جـذلـى**والريـاحَ والمـطــرْ

ومــرّة أبصـرتــها** تبكي بدمـع مُـنهـمِــرْ

قلتُ لها يا وردتي**ماذا دهاك ما الخبـرْ؟

قالت ومن تويجها**بـدا ذبــول واستـمَــرْ

لقد أتـانـي مــرّةً**عصفورُ بَـرٍّ فـي حـذرْ

كان يغنّيني الهوى**ْ في نشوة وفي خفَـرْ

وكان يُبدي الوجـْدَ**ممزوجاً بشوقٍ ووطَرْ

لكنّـه أبصـرنـي**أداعب النـجـمَ الأغَـــرْ

فصار منّي غاضباً**فغادر الروض وفَـرْ

وها أنـا من بعـده** دائـبـةٌ علـى السّهــرْ

أضنانيَ الدَّهـرُ وما**ينفعُ لحــنٌ وسمـرْ

لا تحزني يا وردتي**فكـلّ شيء بـقــدرْ

وابتسمي! إنّ الحياةَ** دأبُهــا خيـرٌ وشرْ

وإن تعيشي بالشَّقا**ينًـلْـكِ بؤسٌ وكَـدَرْ

وتُصبحي أسيرةً**يعيث فيكِ المنـتـصِرْ

فابتسمي! فإنّ في**أكمامك النفحَ العَطِرْ

فأجهشتْ باكـيـةً**بأدمــعٍ عـلـى الأثـرْ

ناطــقَــة بحسرةٍ**والليـلُ داجٍ معتكِــر؛

ما فات من سعادةٍ**أصبح مَـيْـتاً واندثرْ

 

في نصوص اليوم