نصوص أدبية

الزوج الثاني

mohamad aldahabiلم تعلن له وعلى مدى خمسة وعشرين عاما، عن سبب انفصالها من زوجها الاول، وهل كانت هي السبب ام هو، قال لها مرة: على حد علمي هو من طلب الانفصال، لم تزد على قول تكرره دائما، انا من طلبت ذلك، لكنها مع هذا لاتفصح عن السبب، ادخلته جحيما كبر مع ابنائه، وكلما مر الزمن يتسع الجحيم اكثر، الزوج الاول كان من اقربائها المقربين، وكانت تلتقيه في اوهامه هو في بيت اهلها، هذا مايفكر به عدنان في زياراتها المتكررة لاهلها، يصنع القصص في كل يوم جمعة له قصة مختلفة عن قصة الاسبوع الفائت، هذا مادرج عليه وامتص نقمته تماما، يلعن الزواج ويعتبره مؤسسة لانتاج الهموم وحسب، المشاكل اليومية كثيرة جدا، مع ان احلام لاتتكلم معه بشيء يخص حياتها اليومية، يختلي بها في الشهر او الشهرين مرة واحدة، جثة هامدة لاتعطيه سوى مزيد من الشك والحيرة.

لم يفصح لاقرب الناس اليه، كان يحمل جرحه معه، مرسوما على قسمات وجهه المليء بالحيرة والترقب، في كل يوم يقرر قرارا مختلفا، الشك الذي تربى باحضانه كبر مع الايام، لم ير شيئا، لكنه رأى الكثير، كل تصرفات احلام معه لاتتعدى جدران المؤسسة الزوجية، طعام ونوم منفرد، كان يتمنى ان تقص عليه قصة ولو بسيطة من حياتها التي دامت سبع سنوات تجلده اسواطها في كل يوم يمر، لكنها مصرة ان تحاربه بسلاح النساء القاهر، الصمت تجاه معاناته، كان يتحين الفرص للحصول على معلومة واحدة عن حياتها السابقة، لكن لم يفلح حتى وهو يفتش خزانة الثياب لعشرات المرات، كل شيء كان متقنا ، لم تترك اثرا واحدا خلفها، يفتش عن اثر لشفتيه على جسدها، يراقب حديثها في لاوعيها اثناء النوم، يحاول ان يحلل الكلمات المبهمة، هل يعثر على اسمه بين طيات الكلمات المختلطة، على شفاهه في ارجاء هذا الجسد، عن صورته في طيات ثيابها، انه يتحرك نحو الجنون ببطء، تسلبه بعض الاحيان جلسته في الخميس مع بعض الاصدقاء، ليحتسي شيئا من العرق العراقي (العصرية)، تنتشله من هموم شهرين او اكثر، يجدد معها نشاطه ثم يبتدىء رحلة الشك مرة اخرى.

لقد دمّر حياتك سلمان! هذا ماقالته له ابنته الكبرى بكل وقاحة، فسقط مستسلما يبكي، دفع ثمنا باهظا، صحته وصداعه اليومي، والعزلة التي طالما يعبر عنها: سأحمل اوراقي وامضي في مئة عام من العزلة، دائما تتبجح بتدينها المقيت، وانها تحب الله، كان يحاول اقناعها، ان الله يأمر بالحب، وعليها ان تفتش في كتابها المقدس، لترى اين يسكن الله، هي تعرف الله بحروف معينة، وهو يحتج بان زواجه منها هو بغاء مقنن، شرعنه شيخ غبي دخل الى غرفة نوم فقيرة، فكتب مايعجبه، فاصبحت هذه الورقة هي الوثاق الذي اوثقه طويلا، يردد قول السياب: ولايمسح الليل اوجاعه بالردى، يحاول ان يقرن نفسه بالمعذبين ايوب وسيزيف، فيجد ان عذاباته تفوق كل العذابات، عذابات مقننة تبتكرها امرأة ساذجة، لم تعجب يوما ببيت شعري كتبه او مقالة نشرها، او صوت غناه، صار عصبيا وبعض الاحيان يكره جميع الوجود، حتى الخمرة لاتستقبله كما تستقبل باقي الندامى، لاتسمح له بالوصول الى النشوة او اللذة، يشرب بلاسكر، فيمقت الرحلة التي لاتجلب سوى الصداع وبعض الهذيان، الجسد بدأ يتهاوى فهو لايتحمل مزيدا من الالم اليومي، تصوروا ان الالم يقيم معكم ليل نهار، ولاتستطيعوا سوى ان تأخذوا المهدئات، يهلوس في احايين كثيرة، فتخرج هلوساته شعرا ونثرا، الفاليوم لاتفارقه، غالبا ما يكتشف ان هذا الكلام هراء، ربما زاد في الجرعة بعض الشيء، فصنع اساطيره المعتادة، يؤسفني انني غششتكم، فهي واحدة من هلوساتي فحسب، لم تكن المرأة هكذا، كانت اما مثالية، بدليل ان ابناءها يحبونها اكثر مني، هذا مايقوله عدنان في نهاية كل جلسة، انا مجنون تتهيأ الاشياء وترتسم امامي وهي غير حقيقية، كانت تسترق النظر الى زوجها الاول في احدى المناسبات، وكان عدنان قريبا منه، وحين عادا الى البيت سألها، هل كنت تنظرين باتجاهي، انكرت وقالت انني لم ارك، قال لها: كنت قريبا منه وانت تنظرين باتجاهنا، تجاهلت وقالت: لم ارك، يالبشاعة العذر، لقد ذهلت عني، قرر اخيرا ان يضعها امام اعين الجميع فدس لها ثلاثا من الحبوب المخدرة في العصير، كان يحاول اكتشافها، لم تتكلم كثيرا، قالت انني اكرهك، فمضى في عزلته.

 

محمد الذهبي

 

في نصوص اليوم