نصوص أدبية

المحـارب القرطاجـي

salim matarهذه النصوص لا تدعي الشعر، بل يمكن اعتبارها (نثر جمالي). وهي جزء من رواية ( تاريــخ روحـي) التي ستصدر قريبا في بيروت.

 


 

المحـارب القرطاجـي / سليم مطر

ألقى (هانيبعل) آخر نظرات الوداع نحو مدينته المحترقة..

بينما سفينة الغزاة ترحل به الى منفاه المجهول، اشتدت حرائق روحه وهو يشاهد من بعيد أميرته الحبيبة ونبلاء قرطاجة يستقبلون الغزاة بكل خنوع وذل.

رغماً عنه راحت عيناه تذرفان الدموع وهو يناجي أمواج البحر أن توصل صوته المفعم بالغضب والشوق الى أميرته وبلاده الخؤونة:

ها أنا منكسر وحيد أمضي نهاراتي في لعنتك

وفي ليالي أتوسد نيران حنيني اليك

كم أبغضك، ألعنك، أرفضك..

يا أميرتي.. يا بلادي.. يا معبودتي!

أيتها الغدارة الحقودة الخوؤنة..

أيتها الخلابة الرقيقة الحنونة

لأدعون جميع الآلهة وأمنا المقدسة عوليس

أن تمسح عن أرض قرطاجة كل دروبك

لتبقى وحدها دروب شفاهك على صدري

أن ترسل عفاريت البوادي تقبض روحك

لأدفنك هنا في لب قلبي

أن تعصف رياح العمر تسلبك شبابك

لأمنحك كل ما تبقى من عمري

رحماك يا ثلج جزعي ولهيب جبروتي..

اني امقتك، فابعدي.. ارحلي.. تبددي هناك في البحار..

اني اعبدك، فتعالي.. اقتربي.. طوفي هنا في رحابي..

ويحك..

كم انت ابليسة يا ملاكي

كم انت ملوثة يا قديستي

كم انت آفة يا طفلتي

قولي ماذا تريدي؟

قلبي، عمري، أمجادي الغابرة

خذي ما تشائي وارحلي..

بل خذيني أنا كلي معك..

*   *   *

 

فارس الاكوان

يا مهرة الخلود، يا طريدة الاكوان، تعالي. منذ أزمان وأزمان وأنا أجول بحثاً عنك، هائماً في براري السماوات.

تخليت عن مملكتي وشتَّت شعبي وسرَّحت جيوشي وأغرَقت مراكبي، لكي نظل هكذا في متاهات الوجود وحيدين أنا وأنت.

لو تعرفي يا مهرتي كم أنا تواق لعواصف جموحك ورعود صهيلك، فأنا متعب حزين وقد أضناني الغياب. فتعالي ياحبيبتي لأضمك الى صدري، العقك جراح عمري وأبث فيك رعشات حلمي..

أو نسيتي؟! أنا فارسك الأول، بكياني هذا علَّمتك الانقياد لنداءات الميلاد، والانطلاق عبر شهوات الحياة. كم مارسنا لعبتنا الوحشية بالغور في الاسرار، تثورين ترفسين تنفرين وأنا متمسك بك وأسناني تقبض على عرفك، جسدي يشرق في جسدك، وروحي تغرب في روحك...

يا مهرتي، هبي أنك لا تخافين، ويحك ألا تشتاقين؟ أنا فارسك الذي جال معك في سوح الغواية، معا احتسينا خمرة الايمان وعاشرنا متسكعي الخلاص. معاً حاربنا جحافل اليأس واقتنصنا غزلان الأمل، ثم اطلقنا العنان ثمالاً طائشين في رياح الحرية، مبللين بأمطار الفرح، منشدين حكايات أسلافنا العشاق!

أعاهدك يا مهرتي هذه المرة سأظل معك الى أبد الآبدين، لنبني وطناً جديداً:

أطفاله نجوم، مدنه شموس، وبحاره أقمار!

*   *   *

 

جبل الأحلام

بعد أزمان وأزمان سأبلغ قمة جبل الأحلام

أنظر إلى الحياة تحتي وأناجي السماء:

إيه يارب، لقد سأمت هذا العالم الساذج

الذي يتشدق بذرى العقل وهو في هاوية الجنون

خذني أيها الحبيب إلى كوكب آخر نظامه بالمقلوب:

نهاراته أقمار ولياليه شموس

غاباته رمال وبواديه مروج

يعلمني أطفاله ويلاعبني آبائه

تحنو الي نساؤه ويهابني أسياده

تسافر لي مدنه وتحلم بي أحلامه

حكوماته ضحكات وأمواله كلمات

تتطاير الحمامات من أسلحة جيوشه، وينام الحراس في زنازينه

في الجوع نلتهم نجومه، وفي العطش نشرب أنواره

تسير في روحي قوافله، وتعشعش في قلبي عصافيره

 

جنيف

 

في نصوص اليوم