نصوص أدبية

الخان وهجرة الأوطان

akeel alabodعند ذلك المكان،

الانتظار نافذة يسكن في أرجائها القلق

 


 

الخان وهجرة الأوطان/ عقيل العبود

 

توطئة:

العالم خارطتان؛ الاولى بشرية، والثانية جغرافية.  الاولى تتناسل فيها بقاع من الحروب، والثانية، تستنزفها تلك المساحات المتنامية من الدماء، اما السياسة فهي ذلك الأخطبوط الذي لم يتوان لحظة واحدة في احتواء هذا الكم الذي لا حدود له من الدمار. 

***

 

هنالك في أقصى بقعة من الارض شخص يهزمه النسيان، يظل طريقه الى بيته، تحتويه الطرقات،

يمشي هائما وسط مجموعة بنايات، لم يشهدها من قبل، يصرخ  في قرارة نفسه، ولكن دون جدوى.

***

 

بغداد العاصمة التي كانت ترفض ان تنام، تتحول فجأة الى معسكرات تسكنها البنادق، وتتحول فيها آليات العسكر الى ثكنات، ومتاريس تهدد منظومة الحياة.

***

 

الزمن ساعات تنأى عند أقصى أطرافها لحظات تكاد ان تحلق فوق اجنحة  بلا مناقير.

***

 

 الخفافيش، أقنعة يصعب التمعن فيها، المارة، مسارات تخشى ان يرهقها الليل، البقعة تلك المزهوة بعلو المكان، تعانق قبابها سماء تنبض في روحها طهارة الامام موسى الكاظم.

***

 

وهنالك ثمة جدران لأسواق تساقط بعض سقوفها لتبقى على شاكلة خان ترتديه اسمال فرش هشة تستقبل الوافدين اليها عبر ليالٍ بلا نهارات.

***

 

يومئذ، حيث لا احد يعانق قصة صمته المرتبك، المشهد موضع تغلفه أغطية رثه، الظلام اسرار لخوف يبقى متماسكا مع القدر.

الأحزان محطات تعتريها، كما أنفاس الفقراء واحاديثهم لغة حزينة.

***

 

عند ذلك المكان، الانتظار نافذة يسكن في أرجائها القلق.

***

 

العزلة، قصة رجل فقد الذاكرة اثر مساحات تمتد بها الأزمان من ابعد نقطة انتظار في هذا العالم الى اقرب بقعة من الوجدان، 

***

 

زوجة أخيه، امرأة لا يطيقها، لكنه يطلب منها النجدة لحظة انشغاله بذاكرة لم يبق منها الا صمت يسكنه النسيان، اتصل عبر هاتفه الذي لا زالت تغفو بين جوانحه ذاكرة الارقام.

***

 

عند أطراف الحضرة، المكتب الخاص بتقديم الخدمات المجانية للمسافرين في يوم من ايام الزمن الفائت، يتحول  الى دائرة تصدير واستيراد تشرف عليه الشركات الخاصة بمكاتب سفر اجنبية.

***

السندويشات تلك التي تم أعدادها خصيصا الى المحتفلين، تم توزيعها بعد إيصالها الى المكتب المذكور عن طريق السائق الذي التقاه في مكان عمله، حيث كان هو الاخر يحتفي بدعوة الإفطار ذاتها.

***

 

 العربة مع سائقها غادرت المكان، تاركة إياه في دوامة  التيه؛  كان يأمل ان يعود برفقة صاحبها  ولكن ثمة شيء يشبه الجدار، أفقده الجزء الأكبر من ذاكرته، لولاء جهاز الموبايل، الذي لم يبق من رصيده الا سبعين سنتا.

***

 

شخص كبير قام بأصطحابه الى مكان ما، حاول الاتصال بأهله وذويه، مستغلا اخر ما تبقى له من رصيد. أبلغت زوجة أخيه، الشخص الذي قام بأصطحابه ان يتركه عند أطراف الخان، لتقوم بواجبها نحوه.

***

 

هنالك حيث يجلس جميع من فقدوا أهاليهم، تم استقبال صاحبي، حيث بصحبة مكان بائس،  عرض عليه الشخص الذي قام باصطحابه ان يعطيه قطع ورقية من فئة العشرة ليرات سورية كما يبدو، اوربما عراقية، امتنع الرجل مأخوذا بالعزة مكررا كلمة "شكرًا جزاكم الله خيرا".

***

 

حل الليل، بقي الخان مفتوحا، حتى ساعات الصباح، ليستقبل رعاياه.

***

 

 الزائرون والضيوف أقدامهم تطوف، ظن الرجل ان أمه قد جاءت، ارتفع صوته "يمه يمه" ،لم تأتي أمه، بل كان اللاجئون كما يبدو يتوافدون بإعداد تكاد ان تكون كبيرة، لم يكن الخان، بعد يتسع لاستقبالهم، تمتماتهم، أصواتهم  بما فيها صيحات الصبايا؛ جميعها راحت تتعالى كما لو انها ممتعضة.

***

 

قال مع قرارة نفسه. لقد ضاع كل شيء اما هؤلاء الوافدين فهم لا يختلفون عني، فكما ضللت بيتي لاطرق أبواب هذا الذي يعد الان مأوى لمن لا بيت له،  هؤلاء تركوا أوطانهم قادمين الى هذا الملجأ الذي بات اليوم يحتويهم، لعله يصبح سقفا يقيهم من العواصف.

 

ساندياكو

10/01/2015

 

في نصوص اليوم