نصوص أدبية

رحيل في المنفى

latif shafiqفتركنا وقع خطانا في العتمة،

بعد ما أطبق الليل أجفانه

 


 

مرثية ندية

رحيل في المنفى / لطفي شفيق سعيد

 

افترقنا قبل خمسين عاما وكنت في الآونة الأخيرة أحاول جاهدا الاتصال به لأسمع ما لم يقله لي عن كل تلك السنوات. لكن الأنباء نقلت بأن الكاتب المسرحي والفنان الأكاديمي الدكتور نور الدين حسن فارس مات في غربته في أحدى مستشفيات هولندا بعيدا عن الأوطان.

 

من بلدة اسمها شهربان

يحمل قلبا أحمر كفرط الرمان

قلت له كيف لنا أن نعبر القنطرة

والمسلحون بانتظارنا؟ عندها

عدنا أدراجنا وعفنا دراجتنا.

وعاد المسلحون يمرحون فيها!

ويومها فتحنا دكانا لفن الرسم

وبدأنا نرسم وجوه المحرومين.

مرة قلت له :هذا الطبيب يدعي

بأن قوة نظري الساطعة لا تنفع!

فأعارني نظارته الطبية.

ولم أر بعدها وجه الطبيب!!

ونجحت بالفحص بدينارين!

وبذلك أنهينا الدرس الأول،

درس لا يحتاج للمراجعة

علينا أن نبحث عم يتساءلون؟

فتركنا وقع خطانا في العتمة،

بعد ما أطبق الليل أجفانه

وما عادت تلك الأسواق ترانا

تاركة سرها بين أيدينا -

والدكاكين أقفلت أبوابها،

لم تعد تعرف شيئا من لقانا

والعصافير أوت قبل أن-

يأتي المساء.

والطريق التي قد مشيناها

سادها صمت الفضاء.

يا فتى: إن الليل بدا،

والفوانيس زيتها ما عاد يكفي

والدرب بحر من تراب

والصدى نبح كلاب.

ها تني لوحتنا فهي لازالت هناك

فوق أحجار الجدار.

يا فتى الأمس: الدار خلت من كل جار

ليلنا داج وأمال لنا-

محض سراب.

يوم أن غيب الوحش أخاك*

لكي يمضي شهيدا في علاه

وكلانا قد بكيناه.

أنت في غربتك

وأنا وسط الخراب

وكلمح الومضة في وسط الدجى

مرق العمر سريعا-

بين هم وأنين وعذاب

فابرقي رمانة قلبي

وخذيني حيث لن ألقاه!

لأن الثلج في منفاه

لا ينفك يندف

وهناك البحر، قلما يقنط

موجه العارم يوما قد يفور

يجرف الجرف إلى أعماقه

أثرا كان لنا من عهدنا

ثم نمضي نملأ الأرض قبورا

دارسات بين آلاف القبور

دلني مالك الريب المهيب

أين أرض الميتين؟

ولتكن أرض الغضا

كي أبيتن فيها - ليل الدجى

في كثيب الرمل أو تحت الصخور

 

*الشهيد الفنان الدكتور شمس الدين حسن فارس أعدمه صدام حسين أثر وشاية زميل فنان معه في أكاديمية الفنون الجميلة.

 

مدينة ونستون سيلم

23 تشرين ثاني 2015

 

في نصوص اليوم