نصوص أدبية

المعطف والربيع

mohamad althahapy كان يتساءل بحيرة من امره وهو يتوق الى بيع معطفه، انه الربيع ايها المعطف الجميل، يامن رافقتني لسنوات طويلة، ساعدد مزاياك واضع فيك كل امكانيتي الادبية لاظهر جمال روحك التي تكتنفني، واعود الى ايامك التي قضيتها معي، لم ابعك وانا جاهل نعمتك، لكنني اشعر ان علاقتنا تراخت هذه الايام وعلينا ان نفترق، ربما ستجد صديقا افضل مني، وربما اجد معطفا آخر، او ابقى بدون معطف بقية عمري، ساتعجل البيع ايها المعطف الحنون، ربما هذا هو الربيع، ربما لا احد يشتريك في الربيع لكنني ساحاول، انا اعرف كم انت ثميناً، ولذا لن تؤثر عليك الفصول، كان يذرع الارض بقدميه ويحمل معطفه على كاهله، مر بالبساتين والحدائق، انعشت رئتيه بعض نسائم الهواء ، ايقظ جميع حواسه، ووضع معطفه على كتفيه، لن تغطي سوى ثلثي جسدي، لكنني استخدمتك في اغراض كثيرة، هل كانت العصافير صادقة عندما افتت بدخول الربيع، طارت وزقزقت وحلقت باجنحتها كثيرا، انه الربيع، وانا قطعت وعدا ان ابيعك في الربيع، سابيع جميع ذكرياتي معك، ايقظني العصفور صباحا، حين زقزق على نافذتي، معلنا عن قدوم الربيع، يجب ان انهي اليوم كل شيء يامعطفي، ساعود بدونك، لن يسرقك احد مني كمعطف اكاكي غوغول، ولم اخيطك عند خياط سكير، جلبوك لي من بلاد بعيدة، وكنت جاهزا، اتذكر انني تعجلت الشتاء لارتديك، فاستجاب الله لدعائي وامطرت في الشهر العاشر، واول مافعلته صباحا ، خرجت وانت على كتفي وسط ذهول الناس، لم يدر بخلدي ان احدا قبلي ارتداك، حتى وجدت رسالة في جيبك الايمن، ربما دسها احد العاشقين.

كانت الرسالة مؤلمة جدا ، جاءت من حبيب مفجوع قضى عمره بانتظار اللقاء الاخير، وعند اقتراب البداية كانت النهاية تنتظر بفارغ الصبر، يوضح العاشق فيها، ان حبيبته ستذهب بعيدا، ولكنها لن تجد السعادة في يوم ما، ولن يسعد بها من سوف يخطفها منه، من الذي دس هذه الرسالة في جيبك الايمن، ربما ذاته الحبيب المغدور بعد ان عجز عن ايصالها لحبيبته، كان قد ضمنها نصيحة كبيرة في قول لاحدهم: ان لم تتزوج حبيبتك، فاعلم انك ستتزوج حبيبة رجل آخر، كم كان فخورا بهذه الجملة، حتى انه كررها لعدة مرات، ان لم تتزوج حبيبتك فاعلم انك ستتزوج حبيبة رجل آخر، كانت الليلة التي قضاها مع المعطف كاشفة لجميع الاسرار، اسراره هو واسرار معطفه الذي عاش على كتفيه عدة سنوات، كان يفتخر به في كل مكان، لولا العصفور الذي زقزق على نافذته ايذانا ببدء الربيع لم يجرؤ على بيع معطفه الحبيب، كم شتاء مر علينا ونحن معا، كم من الامطار هطلت علينا سوية، وكم مرة رفعتك على كتفي خوفا عليك، وعند اشتداد المطر، كنت احملك بين يديّ، كي لاترهق فروتك الثمينة.

لو سرقك احدهم لعدت للمطالبة بك ولطرقت جميع الابواب بحثا عنك ولما استسلمت كما استسلم اكاكي غوغول، ليعود في نهاية المطاف يبحث عن معطفه فوق جسور المدينة جثة هامدة، انطلق هامسا في اذن المعطف، انها النهاية ياصديقي فلا تبتئس، لقد اخبرني العصفور على النافذة ببداية الربيع، ولايمكن ان اقضي معك الفترة المقبلة، كل الاشياء تفترق في النهاية، ولا اريد ان اتركك كقطعة ملابس رثة لاتستحق الاحترام، هناك من يقدر كونك معطفا عريقا، ولذا سيشترونك حتى في الربيع، طرحه للبيع وراح ينتظر الزبائن، لست محتاجا لمعطف، قال له احدهم، انني احتاج الى ذكريات، هل يحمل هذا المعطف بعض الذكريات، نعم تستطيع ان ترى ذلك من تلك الرسالة التي دست في جيبه الايمن، وتستطيع ان تقيم حجم الذكريات التي يحملها هذا المعطف الرائع، وبعد مساومة صارمة ، استطاع ان يبيع المعطف، وبمجرد ان غادر الزبون الساحة، انطلقت الغيوم من كل مكان، غيوم سوداء ورياح عاتية، انقلب شكل السماء الى اسود وراحت زخات المطر تتساقط من كل سنتمتر في السماء، ماهذا؟ انهم يطلقون علينا المياه، اين معطفي، يالي من ساذج، الشتاء لم ينته بعد، سابحث عن العصفور واوبخه، وامنعه من الاقتراب من نافذتي، عاد بنفس الطريق مارا بالبساتين، شاهد في الطريق جثة عصفور متجمد من البرد، سحقه بقدمه، وصرخ باعلى صوته: لماذا خدعتني؟.

 

محمد الذهبي

 

في نصوص اليوم