نصوص أدبية

الكلبة المسحورة

عندما صفع الباب سمع زوجته تقول فى صوت واضح، يبدو أنها حرصت هذه المرة أن يسمعه جيدا: روحة بلا رجعة . فكر أن يعود على الفور ويصفعها على وجهها، لكنه تراجع، فكر لأول مرة بجدية ألا يعود إليها، تلك العجوز الشمطاء، العجوز التي تزوجها لعلها  تنشله من حياة الفقر التي قهره منذ مولده .

نزل من البيت الكائن على أطراف المدينة، المعتمة الآن بعد قطع التيار الكهربائى والذى  سيستمر لثلاث ساعات طبقا لجدول انقطاع التيار المعلن على القناة المحلية، كانت الساعة الثامنة مساء ولم يسبق له أن نزل من بيت الشمطاء فى مثل هذا الوقت، حاول أن يهتدى إلى موضع خطوه عبر أضواء النجوم القليلة المتناثرة فى السماء البعيدة، لمح من مسافة غير بعيدة ضوءا، لعله كشاف يدوى أو مصباح سيارة متوقفة، عندما اقترب وجد مقهى مضاء بماكينة تدار بالبنزين، كانت الماكينة تصدر صوتا مزعجا، مما جعله يعدل عن فكرة الجلوس فى المقهى، لكنه لام نفسه، فهو يعرف هذا الشارع جيدا، كيف له أن لا يرى هذا المقهى من قبل، فكر أن يعود ويتحقق من الأمر، ساوره الشك اذا ما كان ما يراه  الآن حقيقة أم خيال ؟ خطر له أنه مكان مسحور وليس هناك من مقهى، ربما خطر له ذلك بتأثير قراءته هذه الأيام فى كتاب ألف ليلة وليلة، وحكايات السحر، كل هذا بسبب العجوز الشمطاء، شعر بأن هناك من يتعقبه، تخيل زوجته وقد سحرت كلبة أو صفدعة تتعقبه فى الطرقات باحثة عنه، التفت وراءه فى وجل، ربما تتحقق أمنيته، فلم ير شيئا سوى الظلمة الخانقة، شعر بسخونة فى قدميه، ثم شعر بهذه السخونة تسرى فى جسده وتصعد الى وجهه، تذكر نفسه وهو صغير يخاف الظلمة والعفاريت، فضحك فى نفسه وقال : أتخاف يا ولد وأنت تقترب من الخمسين ؟ لكنه بدأ يشعر حقا بالخوف، فكر أن يعود إلى البيت ويعتذر لها، لكنه خشى أن تغلق فى وجهه الباب ولا تسمح له بالدخول، فكر أن يعود إلى المقهى ويجلس هناك إلى أن تعود الكهرباء فى الحادية عشرة، إلا انه لم يفعل شيئا من هذا أو ذاك، وقف حائرا وسط الطريق،وانتابه شعور بإنه على وشك السقوط على الأرض، ربما يصاب بغيبوبة السكر فيسقط وسط الظلام،و تأتى الكلاب و تنهشه، و يصير عنواناً لمانشيت الصحف: رجل تطرده زوجته وسط الظلام، فيسقط ميتاً فى الطريق، الكلاب الضالة تنهش جثة رجل وسط الظلام،عند هذه اللحظة سقط الرجل بالفعل و لكنه لم يسقط مغشياً عليه كما توقع، سقط الرجل فوق مقعد وجده على جانب الطريق، من الواضح أنها محطة حافلات، جلس وأسند ظهره للمقعد و راح  فى غفوة  على الفور دون أن يأبه به أحد من المارة أو حتى من جاء و جلس بجواره .

عندما صحا من غفوته لم تكن الكهرباء قد عادت بعد، و لكنه وجد بجواره كلباً، كلب يجلس بجانبه فوق المقعد، جفل قليلاً و أقشعر بدنه، وعند ذلك خطر فى باله أن هذا الكلب ليس كلبا حقيقيا بل كلبا مسحوراً، لعله أميرة سحرت كلباً، ووجد نفسه  رغم الخوف يلمس الكلبة فى رفق، ربت عل ظهرها فى مودة، ويا للمفاجأة انتفضت الكلبة و تحدثت إليه فى صوت بشرى جميل :

-  أشكرك، هل يمكن أن تقبلني؟ .

لم يدهش الرجل و ظن بالفعل أن هذه الكلبة مسحورة و إنه إذا ما قبلها ستتحول إلى أميرة جميلة و سوف يتزوجها و يبتعد إلى الأبد عن العجوز الشمطاء القابعة فى بيت على أطراف المدينة، قبل الرجل الكلبة، فتحول على الفور إلى كلب، وعند ذلك قفزت الكلبة وعوت :

- يا حبيبى، منذ مدة طويلة و أنت مسحور .

ثم أضافت فى سعادة :

- أخيراً تمكنت من إنقاذك .

" انتهت "

 

قصة قصيرة

د.محمد عبدالحليم غنيم

 

في نصوص اليوم