نصوص أدبية

جاء الليلُ مُعاتِباً

من يُجاهِرُ أنَّكَ

 أجملُ من نهاراتِ الضِّياء؟!

  

جاء الليلُ مُعاتِباً / عبد المجيد المحمود

 

يا ليلُ لا تَخْجَلْ مُعاتَبَةً

إنَّا نراكَ أَتيتَ واجِمَ الوجْهِ

مُدْلَهمَّ العيْنِ..

و سمعْنا فؤادَكَ جَهْوَريَّ النَّبضِ

و قدْ ثَجَجْتَ حُزْنَكَ في كؤوسِ صُدُورِنا

إذا ارتحْتَ من عناءِ الطَّريقِ

فأَلْقِ علينا زَعَلَكَ الشَّجيَّ

و إن أنتَ لمْ تستَطِعْ وِشايَةَ سرِّكَ ها هنا

فهل نسألُ الزِّبْرقانَ عنكَ؟!

أم ننشُدُ الثُّريَّا كي تجودَ بِخفاياكَ العصيّة؟!

 

يا ليلُ جُدْ بما أَنْهَكَ أعصابَكَ منْ زِبَعْرَى الشُّعراءِ

إنْ همْ أهانوا جلالتكَ البهيَّةَ لحظةً

فأنتَ باقٍ سيِّدُ الحُكَمَاءِ

لا تَلُمْ همَّاً تَقَلَّدَ باسمِكَ

أو حُزناً أَزَبَّ رسمناهُ أسودَ

مِثلَ ثنايا بُرْدِكَ النَّائي

أيُّها الليلُ أقْبِلْ في زُمَرِ الحكايا

في هدوءِ عطرِ الياسمين

في ثوبِ طُهْرٍ من شقاءِ

هاهنا نجلِسُ مُنْتَظِرينَ مَجيئَكَ الزَّاكي

 

كم ذا شَغَلنا روحَكَ من قصصِ الشَّقاءِ!

و سكبْنَا دمعَنَا هيِّناً على كفِّكَ العلياءِ!

كم أَنَخْنا أحزانَنا في رِيفِكَ السَّموحِ!

وحملنا إلى عَيُّوقِكِ أسرارَنا    

يلوذُ بك العشَّاقُ من وَخَمِ النَّهارِ

كم اَوْجَرْتَ عليلاً يشتكي!

 وسَهرْتَ تَئنُ مع الحَيارى

بينما الفجرُ يَخِطُكَ في صيامكَ الأبدي

كمْ لَبِسْناكَ مِيْدَعَةً عندما كنَّا نمارِسُ الحزنَ

و أنتَ تُلقي علينا قصيدَةً من الوَدَع!

 

من تُرى يَدْفَعُ دِيَّةَ صمتِكَ القاسي؟!

من يُجاهِرُ أنَّكَ أجملُ من نهاراتِ الضِّياء؟!

أنتَ مليكُ البوحِ والأماني

أنتَ مليكُ النَّقاءِ والدُّعاءِ والصَّفاءِ

منْ تُرَى يُواليكَ في محكمةِ العُمرِ؟!

و يَقْتَحِم زيْفَ الشَّموسِ الحارقِة؟!

كيفَ نُورِثُكَ يَمَّ هُمومِنا؟

ثمَّ نُوَلِّي إلى يباسِ الفرح

ذَرْنا نعاني مَرّةً..

و لْتَلْتَحِفْ أنتَ بعطرِ البحرِ ثمَّ تَغفو

 

أيُّها الليلُ الباسقُ ها أنا أذبُّ عنكَ

أغسلُ وجهَكَ الأسوانَ بوابلِ قلبي

أَشْرِعْ لنا أبوابَكَ

كي نقتاتَ على أبِّ أنسِكَ

ونستلقي على أُوارِ قلبكَ

مستمعينَ لأوجِ محبَّتكَ البِكْرِ

فما بوحُنا إلَّا تنهيدةً حرَّى

لصدرِكَ المُثخَنِ بجراحِ المُتعبين

آنَ أنْ نُصيخَ السَّمعَ لإِمْرِكَ العظيم

لتستريحَ على صدورِنا من سفركَ الطَّويل

 

بقلمي: د.عبد المجيد أحمد المحمود

 

 

في نصوص اليوم