نصوص أدبية

مِعجَنَةُ السَـراب !

almothaqafnewspaperهو ذا سيزيف، لم ينتصر(1)، هَزُلَتْ مفاصِلُ صَبرِه ..

هو ذا يتشوَّقُ منذُ آبد الدهور ليومِ عطلةٍ يرتاحُ فيها...

حتى من إعجازِ الكنايةِ والمجاز، لأنهما أضيقُ من رحابةِ المعنى !

.................

أنتَ ...؟!

كذلكَ ما إنتصرتَ حتى تَطمعَ بإستراحة .. تضعُ فيها دروعَكَ جانباً وتَنهَمِكَ بالمطلق !!

فلا تعود تُلصِقُ الأشلاءَ بالأشلاء.. في صفحةٍ بيضاءَ تطوي الزمانَ بالحرفِ .

مازلتَ مُقطَّعَ الأنفاسِ، تحتفي بشياطينِ حلمٍ هاربٍ ...

لم يتخثّر الدمُ بعدُ في مَربَطِ الذكرى،

ما زالَ يَنِزُّ فيجرح سكينَ الصَمت ...

أحرقتَ كل الوصايا لطبخِ وصفةِ الأمان والفرح ...

تَنتظرُ إنتهاءَ الحروبِ القادمة ...

فقد إنهزمنا دونَ مقابل ..!!

وأنتَ لم تبرَح مكانكَ، تُخمِّرُ أحلامَ يقظةٍ، حُلُمٌ داخلَ حُلمٍ ...

تَصطادُ سمكاً مُعلّباً تَلقُمُ به رافِدَ "الخير"، صارَ شحيحاً،

فُضلةً من "وُضوءِ" سلاطين الإستانة !

* * *

تَتسمَّعُ رقصاً ..؟!

رقصاً تَتَلعثمُ فيه نجمةٌ تَرعى نهايةَ الغَسَقِ،

فتُصغي لما فوقَ السمعِ البشريِّ،

تَتَنصَّتُ لأسئلةٍ في صحراء الكلام ..

ووحشةِ خرابٍ عَميمٍ،

خِلْتَ أنَّ البدءَ منكَ، فما لامستَ إلاّ قاعَ حلمك،

ظنَنتَ أَنَّ الموتَ سيَرِقُّ،

لكنكَ حِرتَ بأيِّ الحروفِ ستقفزُ من عَتباتِ وهمٍ أبيضَ كوجه الموت .

..............

في الليلِ تُوَحِّدُ عَديدَ أقنعتِكَ،

تمُدُّ يدَكَ .. يرتدُّ صداها في فضاءِ الوَحشةِ،

فيُشعشِعُ أصابعَ الليلِ النّجمُ ..

للصُبح الفطورُ وأولُ سيكارةٍ مع القهوة ..

للضُحى البريدُ والأخبارُ، ومكالماتٌ مع مَنْ صَحَا من الرَبعِ،

للكتابِ والكتابة كل الوقتِ، إلاّ "إستراحاتٍ !" تتناسلُ لِنَقٍّ وفيرٍ في الدار ..

لأنَّ الكتابَ لايُوفّرُّ خبزاً للعيش ..!!

...............

...............

كالصبايا تأتي الكلماتُ، حُبلى بأُقحوانِ المعنى، وإلتباسِ الكلامِ ..

أجملُ ما في الليلِ، هَدأةُ العالم ..

صديقةٌ .. كأسانِ لا يَفرَغان ..

وموسيقى هادئةٍ ..

ذاكرةٌ تمـوءُ بأحلامٍ داستها عَربةُ "زُحَل"(2)،

عيونٌ راحلاتٌ في الغياب،

تَتسلَّقُ سَفحَ الخوفِ، تخترقُ الحصارَ بينَ قَصفٍ وعصفٍ،

* * *

لكَ ساعةُ صِفرِ الليلِ،

وحيداً أنتَ والبياض..

تتساءلُ لماذا لاينهضُ في مرآةٍ مُضبَّبةٍ إلاّ وجهكَ من دونِ قناع،

حيثُ يلتمعُ السرابُ في رملِ الزمان ..!

وإذْ تحظُرُ أفكارٌ تُنقِّرُ بابَ الليلِ .. تتربّعُ على كتفِكَ تتَفقّدُ أوراقَ الأمس،

.............

وحينَ يَلتئمُ الليلُ على كلبٍ ساكنٍ في الظُلمَةِ، يُصابُ بذعرٍ لمّا يرى ظِلَّ سَكرانٍ يترنَّحُ،

يولّي هارباً، يبحثُ عن خَرِبةً أو مرآبٍ مهجورٍ يأوي إليه كي ينام ..وأنت ساهر!

.................

.................

دافعتَ عن الشجرِ، الذي ستُشنقُ عليه،

وعما ليسَ لكَ،

عساكَ تُرجعُ الماضي إلى ماضيه،

تَملأُ الكلمات بمعانٍ إهتديتَ لها،

كي تختارَ خطوتكَ الأخيرة ..

وتنصرفَ لتنسى ..

أو، قُلْ لتَكِفَّ عن إبتكارِالبدايةَ من نهايةِ ما إنتهى فينا !

فمَنْ ليس مِنّا، صارَ"مِنّا"..! ومَنْ كانَ مِنّا، لمْ يَعُدْ ... لم يَعُدْ ...

صارَ سواه !!

.................

كُنّا نُحرِّرُ شَمسَنا من غَفلةِ الأشياءِ، ونُنشيءُ كلاماً يَرسِمُ مستحيلاً من شُقوقِ الموتِ،

فلأيِّةِ رابيةٍ ستصعدُ، أنتَ، بين حدائقِ الموتى ؟!

تَتهجّى الظلالَ القديمةَ.. مفتوناً بسيلِ الضياءِ على أصواتٍ،

لا جذرَ لها في حنجرةٍ تشرَبُ من حُلُمٍ ما بَلَغَ الفِطامَ بَعدُ ..!

بَردانَ تُدافعُ عن توازُنِكَ ..

فكيفَ تفكُّ إلتباسَ المعنى ..؟

أبِدَحرجةِ حجرِ النَردِ، كي تَرى ما لايُرى ..؟!

فلا تُمجّد العَبَثَ الشَقِيَّ، وحلولَ الشيبِ قبلَ أوانه، دونَ حِكمَة !

مُرتجفاً، كرعشةِ موجَةٍ، تُقيمُ للضَحِكِ مَسكَناً كـ" البُكَا "..!

مُرتاباً، تُخثِّرُ قَطَراتٍ،

تُنَدّي ما إستودعَهُ عطَشُ الأسلافِ ... مَجداً للهَذيَانِ ...

حيثُ الصمتُ مُنشَغِلٌ .. يُرَتِّبُ أمواتاً عبروا من ذاكرةِ الكلمات،

إلى جِسرٍ يقودُ الراحلينَ إلى مَنافي الله ..

" وَدائعَ للرحمة " في مجهولٍ .. بينَ صَخَبٍ وتَهاليل .. !

غَداً ستَنسى الشُهُبُ وَميضَها، فأسرقْ لَفحَةَ النجمِ من مَستورِ السُهاد،

عساكَ تُؤَجّلُ حَشرجاتِ قلبٍ هَدَّهُ في الخَفاءِ رَنينٌ ..

تَهجُرَما يقولهُ "هُدهُدُ سليمانَ"...

فالسرابُ ليس إبناً ظالاًّ، هَجَرَ أصلَهُ الماء !!

....................

آآآآهٍ .. ما ألعَنَ الأرضَ التي لمْ يبقَ فيها ما يَتَّسع للحنين(3) !!

ليلٌ بلا قاعٍ، وخلفَ بابِ الزمانِ يَكْمُنُ الرَدَى ..

فماذا ستفعلُ بالأستراحة، إذن؟!

أَمِعجَنَةُ سرابٍ أنتَ ..؟!!

 

يحيى علـوان

...................

(1) محنةُ سيزيف - حسب كامو في كتابه [إسطورة سيزيف] – تكمنُ فلسفياً في إدراكه لـ"اللا مُرْضي". فذلك الإدراك هو الذي ولّدَ ضرورة المجابهة مع الواقع/ الحاضر والصراع المستديم معه من أجلِ الخَلاص " الإنعتاق "، كي ما يغدو الحاضرُ "اللامُرضي" ماضياً وَلّى .

(2) زُحَل هو إله الزمان في الميثولوجيا الأغريقية يسوطُ عربةً مسرعةً، يُقابله الأسم اليوناني ( كرونوس) وهو / أي زُحل / أبو كبير آلهة الإغريق (زيوس) وأبو (بوزايدون) = (نبتون) عند الرومان - إله البحر .

(3) الشاعر الألماني هاينريش هاينه، قال في إحدى قصائده "نسّاجو شليزيَنْ"، ضمن مجموعة " أغاني/ قصائد الشتاء"، لمّا كان مُغترباً في فرنسا،هرباً من المضايقات البوليسية نتيجة لمواقفه السياسية، إذ جاهرَ بتأييده للثورة الفرنسية .. :

[ فَلنَلعَنِ الوطنَ، الذي

لا تُزهِرُ فيه غيرَ الرذيلة والعار ]

 

 

في نصوص اليوم