نصوص أدبية
حيِّ قبرًا
في رثاء
والدي
رحمه الله
حيِّ قبرًا / حسن الحضري
حيِّ قبرًا بجانبِ الآكامِ = بين جوفِ الثَّرى بأزكى سَلامِ
يا أبي قل لي كيف أرضيكَ إنِّي = صار قلبي منِّي إلى الآثامِ
وثوتْ في الضلوع حُرقةُ وجدٍ = تجلب الحتف مِن جوى الإيلامِ
قِطَعُ الترْبِ تحت جسمك بُسْطٌ = وغطاءٌ مصقولةٌ برضامِ
فأنا اليوم في أشدِّ اكتئابٍ = أتلقَّى نوائب الأيامِ
يا ترابًا ثوى بجوف ترابٍ = أين أنت اغتديتَ بعد وئامِ
كان حُلمًا مضى بعيدًا وولَّى = وانقضى أم حقيقة الأوهامِ
أين عنَّا ذهبتَ بعد اجتماعٍ = فبقينا لطول حزنٍ دامِ
فبربِّي خبِّرْ نأيتَ بحقٍّ = أم عيوني أعشت من الإيلامِ
فبربِّي خبِّرْ نأيتَ بحقٍّ = أم ظنونٌ في غفوة النُّوَّامِ
فبنُو مرعي هل يرونكَ يومًا = حين تُغْدي الأرحام للأرحامِ
حين ناداهمُ المنادي بصوتٍ = مقشعرٍّ لسطوة الأحلامِ
قال أقوامٌ: كان فينا فكيف اصـ = ـطاده الموت دون أدنى كلامِ
أنت حين الصيامُ يهلك قومًا = لم تكن غير مقْبلٍ صوَّامِ
أنت حين القيامُ يهلك قومًا = لم تكن غير مقْبلٍ قوَّامِ
لم تكن خائنًا كذوبًا خبيثًا = إنما أنتَ من أجلِّ الأنامِ
قد مضى نحو ربِّه فجزعنا = بصروف الأقدار والأيامِ
فبقينا من بعده كسرابٍ = حين ولَّى فجاءةً للسَّامِ
إن ربي بكل قلبٍ عليمٌ = ما سواه في الكون مِن علَّامِ
ليت أني فداؤه لسهام الـ = ـموت حين الهلاكُ بالإقدامِ
لرصدتُ الهلاك للنفس منِّي = ساعيًا نحوه على الأقدامِ
لست حين المنون ترصدُ نفسي = ممسكًا عنها النفس بالإحجامِ
يا أبي هل رضيتَ عني وهل ير = ضيك ذاك الرثاء بعد السَّامِ
إن يكن ليس ذاك قم أسْعَ للمو = تِ فِدًى غير واجل محجامِ
إنما الموت وقْعُه دون شكٍّ = بقضاءٍ يقتادنا بخطامِ
فيقود الورى إليه جميعًا = لبحورٍ أمواجهن طوامِ
وكأنَّ المنون راع وإنا = لرعايا تجرُّهم بزمامِ
وضع الموت كلَّ خلقٍ إليه = نصْب عينٍ يعدُّهم لمرامِ
ليقود الجميع نحو صفيحٍ = حيث وارى الآطام بالآطامِ
ليس في الدنيا من خلودٍ لخلقٍ = كلُّ خلقٍ مصيره لِرِجامِ
وسِلامٍ من حولهن سِلامٌ = في قبورٍ قد سُتِّرتْ بسِلامِ
ليت شعري متى يكون قضائي = لأراه في حفرة الأنسامِ
كيف قاد الردى أبي اليوم عنا = كيف أمسيتَ دوننا للحِمامِ
كيف أحيا وقد هلكتَ وكيف الـ = ـعيشُ منِّي يطيب بالأيامِ
لا أرى نفسي ترغب العيش يومًا = بمرور الأيام والأعوامِ
قد طواه الرَّدى فأصبحتُ تعْسًا = بعد عزٍّ ظننتُه لدوامِ
أيُّ خطْبٍ قد فاجأ القلب فارفـ (م) ـضَّ كئيبًا كعصفِ عصْفِ الحطامِ
يا نسيم القبور إن جئتَ فاحملْ = مِن أبي نحونا أجلَّ سَلامِ
ولئن عدتَ نحوه فاحمل البـ (م) ـرَّ إليه وكلَّ شوقٍ دامِ