نصوص أدبية

محنـةُ شهرزاد

MM80من أعالي الغيمِ تُطِلُ فاتنةُ السَرد، أمرأةٌ بتول .. ما وَلَجت "العملةُ" سريرها،

معَ كل صياحِ ديكٍ تحتفِلُ شهرزاد ببقاء رأسها بين كَتِفيها..،

وحينَ يغُطُّ شهريار في الشخيرِ، تروحُ تَتَلوّى أَرَقَاً، فتلبسُ الوسَنَ والحزن تاجاً،

تُعدَّ ما ستحكيه له في الليلةِ التالية، حكايةً يسرُدُ واحدٌ من شخوصها حكايةً عن شخصٍ في حكايةٍ أُخرى ....

شهرزادُ تَحوكُ الحكايا بمغزَلِ قهرِهـا،

حشودٌ من العقاربِ تحاصِرُ أملها الهزيلَ، تنهشُ أيَّةَ فرصةٍ للفرح الصغير ..

الليلُ محنتُها .. غابةٌ، هي طريدةٌ فيها .. تريدُ أنْ تهدِمَ مملكة السكونِ والسَكينة ..

حيثُ القمرُ مِسَنّ النجوم ....

تُبعثِرُ أرخبيلَ الغيبِ والوحشة بالحكايا ... تأبى التآخي مع الصمتِ، كي لا ينامَ شهريار فيحلمَ بسيفٍ يشحذه بأعناقِ النساء !

                                 ***

لا تموتي، شهرزاد ... فثمَّةَ وقتٌ آخرَ لأَرَقِ الملائكةِ،

قليلاً من الحياة، في لُجَّةِ الموت ! فهذا زمنٌ لا ينفعُ فيه الله، والأعمارُ سدىً راحَت،

فاتنةٌ أنتِ، كما كنتِ بالأمس، وكما البارحة، التي ستأتي غداً،

قَتِّري حكاياكِ ... علِّبي الآمالَ لمستقبلٍ أسوأُ من حاضرنا ... لأزمنةٍ يتكثَّفُ الظلامُ

فيها، حينَ تنحطُّ المدائنُ والناسُ .. الحكايا والخيال ...

لآزمنةٍ تكونُ العزلةُ فيها أكثرُ إحتشاداً،

فالتأريخ ثمرةُ الحياة، لكنها غَدَت اليومَ تقليداً له ..!

يا لويلتنا ! فقد أضحى المستقبلُ، بدلَ أنْ يكونَ صعوداً قياساً بما مضى، صارَ

سقوطاً كما هو الحال ...

سنجرِّبُ قلوبنا في ما إذا كانت صالحة للحياةِ حَدَّ الصمت الفصيح،

إمسكي أسراركِ مُفخخةً بجدواها،

لا بأسَ، شهرزاد، إذْ قَبلتِ التحدي !

قد يكونُ شهريار أصابته لَوثَةٌ، وهو صغير لمّـا رأى اُمَّه "تبيعُ الهوى"، فلصقت به

" عقدة أوديب "!! ولم يجد حائطاً يكتب عليه ما يستدرُّ العطفَ ..!!

أو قد يكونُ مصاباُ بهستيريا " تَمَلُّكِ "! المرأة، كي تكونَ له وحده فقط، كديكِ

الجن الحمصي* .. أو كذاكَ الذي سجنَ إبنته لجمالها في بيتٍ من زجاجٍ كي لايمسَّها أحد !! لكنها ماتت من شيءٍ آخر ... من دودِ الضجر والوحدة !

شهرزاد! لا تُلقِ عصا السرد، فقد تَلقَفُها نوايا شهريار المريضة !

عليكِ بكورزاكوف**، حينَ تكفين عن الكلام المُباح !

 

يحيى علوان

...............

* هو الشاعر عبد السلام بن رغبان الملقب بـ"ديك الجن الحمصي"، قتلَ جاريته الحسناء، التي كانَ مُتيِّماً بها، مخافةَ    أَنْ يشاركه فيها أحد .. خليفةً كانَ أم والياً او نخّاساً ! (ي.ع)

** متتابعة سيمفونية للموسيقار الروسي ريميسكي كورزاكوف، ألّفَها عام 1888 متأثراً بـ"ألف ليلة وليلة"،

       بعنوان "شهرزاد". (ي.ع)

 

 

في نصوص اليوم