نصوص أدبية
سدرة المنتهى
دعاكَ مِن غُلَّةِ الأشواقِ داعيها = فالقلبُ يكتمُها حينًا ويُبديها
وقمتَ تَسفَحُ دمْعَ العينِ في وجَلٍ = وبِتَّ تحتَ نجومِ الليلِ تُحصيها
أرسلتُ شِعريَ أبياتًا منمَّقةً = وبتُّ أنسجُ ما جادت قوافيها
ماذا تقدِّمُ أشعاري لِمَنْ وقفتْ = تَحارُ في وصفِه أحلَى معانيها
أمْ ما أسطِّرُ فيه بعدما نزلتْ = آياتُ ربِّكَ بالتعظيمِ نتلوها
يا سيِّدَ الثَّقَلَيْنِ اشتدَّ بي ظَمَئِي = وعذَّبَ النفسَ آمالٌ أمنِّيها
هل لي بِحَوضِكَ أُسقَى عذبَ موردِه = قد فاز واردُ حوضٍ أنتَ ساقيها
لمَّا رأيتُكَ في نومي تبشِّرُني = هنَّأتُ نفسي وقد وافتْ أمانيها
وقلتُ صبرًا لنفسي بعدَ ما سمعتْ = فكلُّ ما هو مكتوبٌ سيأتيها
يا رحمةً ربُّكَ الرحمنُ أرسلَها = فقام يتْبَعُها مَن كان يرجوها
ودعوةً مِن خليلِ اللهِ أطلَقَها = أكرِمْ بِسائلِها أعظِمْ بِمُعطيها
بكَ النهارُ تجلَّى يستضيءُ به = مَن قام يرجو سبيلَ الحقِّ يَحْدوها
في لحظةٍ شَهِدَ التَّاريخُ رَوعتَها = فقام يسجدُ شكرًا في نواحيها
والأرضُ قد كشفتْ عن حُسنِ زِينتِها = تَؤُمُّ رحمةَ ربٍّ أنتَ مُهدِيها
والكائناتُ بِثَوبِ الشُّكرِ ساجدةٌ = للهِ ربِّكَ والآمالُ تَحْدوها
والطَّيرُ في جوِّها تشدو بأغنِيَةٍ = إيقاعُها الحمدُ، والتَّسبيحُ تاليها
والوحشُ تمرحُ في البيداءِ مُوقِنةً = أنَّ الذي فطرَ الأكوانَ كافيها
وأنتَ فوق النَّبِيِّينَ الكرامِ لهم = إمامُ صدقٍ إلى الخيراتِ تَهديها
هُم قدَّموكَ بأمرِ اللهِ إذْ علِموا = بأنَّكَ الخاتَمُ المبعوثُ مُزْجيها
وأينَ مِثلُكَ تأتمُّ الهداةُ به = إذَا تجرَّدَ للرحمنِ داعيها
فكلُّ غايةِ خيرٍ أنتَ سابِقُها = وكلُّ آيةِ مجدٍ أنتَ قارِيها
المعجزاتُ حَبَاكَ اللهُ أعظمَها = فليس يَبلغُ ما بُلِّغتَ أهْلُوها
والهازئون تولَّى اللهُ قتْلَهمُ = وعُصبةُ السُّوءِ سهمُ اللهِ يرميها
أعمَى بصائرَهم ربُّ البريَّةِ إذْ = رامُوا به غُدرةً خابتْ مساعيها
ما كذَّبوكَ ولكنْ بالهُدَى جحَدوا = كذاك يحجَدُ أهلَ الفضلِ باغيها
الجِذعُ حنَّ وهذِي الشاةُ قد حلبتْ = وسبَّحتْ حَصَيَاتٌ باسمِ ناشِيها
والجِنُّ قد أيقنتْ أنَّ القضاءَ جرَى = بِأعظَمِ الأمرِ فانهدَّتْ مَراقيها
جاءتكَ مُنصتةً تُصغي لِمَا استمعتْ = مِن وحيِ ربِّكَ ذي الغفرانِ هاديها
لولاكَ ما خلقَ الأكوانَ خالِقُها = سبحانَ ربِّكَ ربِّ العرشِ مُحصيها
وفِي الشهادةِ باسمِ اللهِ مقترنٌ = أعظِمْ بها نعمةً قد جَلَّ مُعطيها
وشَقَّ صدرَكَ إعلاءً وتَزكِيَةً = فأنتَ أنقَى وأتقَى مَن يوافيها
وأنتَ أطهرُ مَن في ظِلِّها نَسَبًا = وأنتَ أكرمُ مَن يمشي بأرضِيها
وقاكَ مِن شرِّ ما تصبو النفوسُ له = فلستَ تصبو إلى شيءٍ يرَدِّيها
تلك السحابةُ إذْ جاءتْ تظلِّلُه = قد أيقنتْ أنَّ هذا خيرُ مَن فيها
إليه تُنمَى حصونُ المجدِ أجمعُها = والمَكرُماتُ به تمَّتْ معانيها
سبحانَ ربِّكَ مَن أسرَى به فسَرَى = في ليلةٍ وقفَ التاريخُ يَقْفُوها
وسِدرةُ المنتهَى بُلِّغتَ غايتَها = وما لِغيرِكَ منهم أنْ يُرَجِّيها
لا أنتَ بالفَظِّ بينَ الناسِ قد علِموا = ولا الغليظِ إذا فاضتْ مآقيها
ولستَ تَغضبُ إلَّا للذي عظُمتْ = آلاؤُه فجميعُ الخَلقِ تَدرِيها
أنقذتَ قومًا دَنَوا مِن سُوءِ خاتمةٍ = وقُمتَ للناسِ باسمِ اللهِ تَهديها
محوتَ عنهم ظلامَ الجهلِ فانقلَبوا = بِنعمةٍ مِن عطاءِ اللهِ يُسديها
واختاره اللهُ أمِّيًّا يعلِّمُهم = لَمْ يَتلُ مِن كُتبٍ أو كان قارِيها
والغيثُ يَهطلُ فيهم بعدما قَنَطُوا = حتى استجارَ مِن الأشطانِ واديها
والماءُ مِن أصبُعَيْهِ فاض مُنبجسًا = فقام يَشهدُ قاصِيها ودانِيها
يا بْنَ العواتكِ مِن صُلبٍ إلى رَحِمٍ = بالطُّهرِ زيَّنها الرحمنُ حاميها
أنتَ الذي أشرقتْ شمسُ السلامِ به = مِن بعدِ أنْ كاد زَيغُ البغيِ يُطفيها
أقمتَ دولةَ عدلٍ أنتَ قائدُها = واللهُ هادٍ إليها مَن يوافيها
والأمرُ شُورَى وعينُ اللهِ راصدةٌ = وأنتَ خيرُ دليلٍ حين نَقْفوها
أنتَ النَّجاةُ لِمَنْ ضلَّتْ سفينتُه = إذا تشبَّثَ باسمِ اللهِ حاديها
وأنتَ يومَ الوغَى دِرعٌ تلُوذُ بها = فوارسُ القومِ حين الخَطبُ يُشقيها
أنتَ الشِّفاءُ لِنفسٍ غالَها سَقَمٌ = وكاد يُهلِكُها جُرمٌ ويُردِيها
بَسطتَ عفوكَ يومَ الفتحِ مُقتدرًا = ولو أردتَ لَعَمَّ القتلُ مَن فيها
لكنْ أبيتَ سِوى الإحسانِ يصحبُه = فيضٌ مِن العفوِ والغفرانِ يُرضيها
أنتَ الرحيمُ بهِم بعدَ الذي صنعوا = ولو تشاءُ لَذَلُّوا في أقاصيها
هلْ بعدَ هذا يرُومُ الناسُ مِن خُلُقٍ = وهلْ سِواكَ به ازدانتْ مَرافيها
أنتَ المشفَّعُ حينَ الكلُّ منشغلٌ = بنفسِه ودواعي الناسِ تُلْهيها
صلَّى عليكَ إلهُ الناسِ ما طلعتْ = شمسٌ وما قام بالأفلاكِ حاديها
هذِي إليكَ قصِيدِي أنتَ غايتُها = في نَظمِها الصِّدقُ باسمِ اللهِ أُهديها
فاقبَلْ فديتُكَ نفسي أنتَ قائدُها = إلى النجاةِ بأمرِ اللهِ باريها
شعر/ حسن الحضري