نصوص أدبية

سدرة المنتهى

حسن الحضريدعاكَ مِن غُلَّةِ الأشواقِ داعيها = فالقلبُ يكتمُها حينًا ويُبديها

وقمتَ تَسفَحُ دمْعَ العينِ في وجَلٍ = وبِتَّ تحتَ نجومِ الليلِ تُحصيها

أرسلتُ شِعريَ أبياتًا منمَّقةً = وبتُّ أنسجُ ما جادت قوافيها

ماذا تقدِّمُ أشعاري لِمَنْ وقفتْ = تَحارُ في وصفِه أحلَى معانيها

أمْ ما أسطِّرُ فيه بعدما نزلتْ = آياتُ ربِّكَ بالتعظيمِ نتلوها

يا سيِّدَ الثَّقَلَيْنِ اشتدَّ بي ظَمَئِي = وعذَّبَ النفسَ آمالٌ أمنِّيها

هل لي بِحَوضِكَ أُسقَى عذبَ موردِه = قد فاز واردُ حوضٍ أنتَ ساقيها

لمَّا رأيتُكَ في نومي تبشِّرُني = هنَّأتُ نفسي وقد وافتْ أمانيها

وقلتُ صبرًا لنفسي بعدَ ما سمعتْ = فكلُّ ما هو مكتوبٌ سيأتيها

يا رحمةً ربُّكَ الرحمنُ أرسلَها = فقام يتْبَعُها مَن كان يرجوها

ودعوةً مِن خليلِ اللهِ أطلَقَها = أكرِمْ بِسائلِها أعظِمْ بِمُعطيها

بكَ النهارُ تجلَّى يستضيءُ به = مَن قام يرجو سبيلَ الحقِّ يَحْدوها

في لحظةٍ شَهِدَ التَّاريخُ رَوعتَها = فقام يسجدُ شكرًا في نواحيها

والأرضُ قد كشفتْ عن حُسنِ زِينتِها = تَؤُمُّ رحمةَ ربٍّ أنتَ مُهدِيها

والكائناتُ بِثَوبِ الشُّكرِ ساجدةٌ = للهِ ربِّكَ والآمالُ تَحْدوها

والطَّيرُ في جوِّها تشدو بأغنِيَةٍ = إيقاعُها الحمدُ، والتَّسبيحُ تاليها

والوحشُ تمرحُ في البيداءِ مُوقِنةً = أنَّ الذي فطرَ الأكوانَ كافيها

وأنتَ فوق النَّبِيِّينَ الكرامِ لهم = إمامُ صدقٍ إلى الخيراتِ تَهديها

هُم قدَّموكَ بأمرِ اللهِ إذْ علِموا = بأنَّكَ الخاتَمُ المبعوثُ مُزْجيها

وأينَ مِثلُكَ تأتمُّ الهداةُ به = إذَا تجرَّدَ للرحمنِ داعيها

فكلُّ غايةِ خيرٍ أنتَ سابِقُها = وكلُّ آيةِ مجدٍ أنتَ قارِيها

المعجزاتُ حَبَاكَ اللهُ أعظمَها = فليس يَبلغُ ما بُلِّغتَ أهْلُوها

والهازئون تولَّى اللهُ قتْلَهمُ = وعُصبةُ السُّوءِ سهمُ اللهِ يرميها

أعمَى بصائرَهم ربُّ البريَّةِ إذْ = رامُوا به غُدرةً خابتْ مساعيها

ما كذَّبوكَ ولكنْ بالهُدَى جحَدوا = كذاك يحجَدُ أهلَ الفضلِ باغيها

الجِذعُ حنَّ وهذِي الشاةُ قد حلبتْ = وسبَّحتْ حَصَيَاتٌ باسمِ ناشِيها

والجِنُّ قد أيقنتْ أنَّ القضاءَ جرَى = بِأعظَمِ الأمرِ فانهدَّتْ مَراقيها

جاءتكَ مُنصتةً تُصغي لِمَا استمعتْ = مِن وحيِ ربِّكَ ذي الغفرانِ هاديها

لولاكَ ما خلقَ الأكوانَ خالِقُها = سبحانَ ربِّكَ ربِّ العرشِ مُحصيها

وفِي الشهادةِ باسمِ اللهِ مقترنٌ = أعظِمْ بها نعمةً قد جَلَّ مُعطيها

وشَقَّ صدرَكَ إعلاءً وتَزكِيَةً = فأنتَ أنقَى وأتقَى مَن يوافيها

وأنتَ أطهرُ مَن في ظِلِّها نَسَبًا = وأنتَ أكرمُ مَن يمشي بأرضِيها

وقاكَ مِن شرِّ ما تصبو النفوسُ له = فلستَ تصبو إلى شيءٍ يرَدِّيها

تلك السحابةُ إذْ جاءتْ تظلِّلُه = قد أيقنتْ أنَّ هذا خيرُ مَن فيها

إليه تُنمَى حصونُ المجدِ أجمعُها = والمَكرُماتُ به تمَّتْ معانيها

سبحانَ ربِّكَ مَن أسرَى به فسَرَى = في ليلةٍ وقفَ التاريخُ يَقْفُوها

وسِدرةُ المنتهَى بُلِّغتَ غايتَها = وما لِغيرِكَ منهم أنْ يُرَجِّيها

لا أنتَ بالفَظِّ بينَ الناسِ قد علِموا = ولا الغليظِ إذا فاضتْ مآقيها

ولستَ تَغضبُ إلَّا للذي عظُمتْ = آلاؤُه فجميعُ الخَلقِ تَدرِيها

أنقذتَ قومًا دَنَوا مِن سُوءِ خاتمةٍ = وقُمتَ للناسِ باسمِ اللهِ تَهديها

محوتَ عنهم ظلامَ الجهلِ فانقلَبوا = بِنعمةٍ مِن عطاءِ اللهِ يُسديها

واختاره اللهُ أمِّيًّا يعلِّمُهم = لَمْ يَتلُ مِن كُتبٍ أو كان قارِيها

والغيثُ يَهطلُ فيهم بعدما قَنَطُوا = حتى استجارَ مِن الأشطانِ واديها

والماءُ مِن أصبُعَيْهِ فاض مُنبجسًا = فقام يَشهدُ قاصِيها ودانِيها

يا بْنَ العواتكِ مِن صُلبٍ إلى رَحِمٍ = بالطُّهرِ زيَّنها الرحمنُ حاميها

أنتَ الذي أشرقتْ شمسُ السلامِ به = مِن بعدِ أنْ كاد زَيغُ البغيِ يُطفيها

أقمتَ دولةَ عدلٍ أنتَ قائدُها = واللهُ هادٍ إليها مَن يوافيها

والأمرُ شُورَى وعينُ اللهِ راصدةٌ = وأنتَ خيرُ دليلٍ حين نَقْفوها

أنتَ النَّجاةُ لِمَنْ ضلَّتْ سفينتُه = إذا تشبَّثَ باسمِ اللهِ حاديها

وأنتَ يومَ الوغَى دِرعٌ تلُوذُ بها = فوارسُ القومِ حين الخَطبُ يُشقيها

أنتَ الشِّفاءُ لِنفسٍ غالَها سَقَمٌ = وكاد يُهلِكُها جُرمٌ ويُردِيها

بَسطتَ عفوكَ يومَ الفتحِ مُقتدرًا = ولو أردتَ لَعَمَّ القتلُ مَن فيها

لكنْ أبيتَ سِوى الإحسانِ يصحبُه = فيضٌ مِن العفوِ والغفرانِ يُرضيها

أنتَ الرحيمُ بهِم بعدَ الذي صنعوا = ولو تشاءُ لَذَلُّوا في أقاصيها

هلْ بعدَ هذا يرُومُ الناسُ مِن خُلُقٍ = وهلْ سِواكَ به ازدانتْ مَرافيها

أنتَ المشفَّعُ حينَ الكلُّ منشغلٌ = بنفسِه ودواعي الناسِ تُلْهيها

صلَّى عليكَ إلهُ الناسِ ما طلعتْ = شمسٌ وما قام بالأفلاكِ حاديها

هذِي إليكَ قصِيدِي أنتَ غايتُها = في نَظمِها الصِّدقُ باسمِ اللهِ أُهديها

فاقبَلْ فديتُكَ نفسي أنتَ قائدُها = إلى النجاةِ بأمرِ اللهِ باريها

 

شعر/ حسن الحضري

 

 

في نصوص اليوم