نصوص أدبية

ميراج الغرب.. وسراب العُرِب

نور الدين صمودمضى عيدُ ميلادِها كالسرابْ

                     ومَـرَّ سـريعا كـَمَـرِّ السحابْ

ولم يَرْتـَوِ القـلـبُ مـن ذا وذا

                     وهل منهما يُستساغ الشرابْ؟

تـَرى الماءَ يهرَبُ مهما اقتربتَ

                   ومن يا ترى يستطيع اقترابْ؟

تمنيتُ لو كان ذاك السراب

                     مياهًا لها في الرمال انسيابْ

وأن السحاب البخيلَ بماءٍ

                 يَـدومُ له في الصحارى انسكابْ

ولو بكتِ السُحْبُ فوق الثرَى

                       لأبدَى لنا البسماتِ العِذابْ

وصارتْ جميعُ الصحارى رياضًا

                             وفاح العبيرُ بكل يبابْ

وصارت جميع الفصول ربيعًا

                   به يَضحك الزهر فوق الترابْ

فإن الزهور تحاكي ابتساماٍ

                         على ثغر كل فتاة كـَعابْ

فكيف تـُرى مَرَّ عيدُ التي

                        لها ألفُ بابٍ بقلبي وبابْ

ولكنَّ هذا (المِراج) بخـيـلٌ

                     فلا حبــذا ما يجود السرابْ

ولم أُوقدِ الشمعَ في عيد مَنْ

                         بقلبي أراها أعزَّ الشبابْ

إذا نسيتْ عيد ميلادها

                         فإنا احتفلنا به في الغيابْ

وأوقدتُ بين الضلوع شموعًا

                       بها القلبُ بين الجوانح ذابْ

(وسيرينُ) لما تزل طفلة ً

                     ولو طبعتْ شعرَها في كتابْ

بدا في وضوح كثير الغموضٍ

                   كمن سار ليلا بدرب الضبابْ

وقال (لمرتين) عنه: مراجْ

                   وقال (المَــعـرِّيُّ): هذا سرابْ

ولكنه سـلــسـبــيــلٌ سَــرَى

                   فصار لدى القلب أحلى شرابْ

***

 

تونس/ نورالدين صمود

..............................

شراب من معين السراب

في عيد ميلاد حفيدة الشاعر: كانت حفيدتي سيرين منذ طفولتها كثيرا ما تطلعني على محاولاتها الشعرية الأولى ذات الأوزان الخليلية السهلة مثل المتقارب والمتدارَك والرمل والبحور الخليلية الصعبة مثل الطويل والبسيط والكامل فكنت أوجهها بكل لطف إلى ما قد يتخلل محاولاتِها مما يحتاج إلى تصويب حتى صَلـُبَ عودُها وعولت على نفسها بعد ذلك خاصة عندما صارت تدعى لإلقاء (قصائدها) في بعض السهرات والأمسيات الشعرية، والملفت للنظر أن صلتها باللغة العربية لم تنقطع لوجودها في مكتبة جدها الشاعر ولتعلقها بالشعر العربي قراءة وكتابة، بينما انقطعت أو كادت تنقطع صلة زملائها وزميلاتها عن لغة الضاد بحكم أن دراستهم العليا كانت بعد الباكالوريا في مدرسة الهندسة المعمارية التي نالت فيها الإجازة، وقد سمعها الشاعر التونسي المجيد آدم فتحي تقرأ شعرها في بعض النوادي الأدبية، ولما أحست منه الإعجاب بمحاولاتها الأولى طلبت منه أن يكتب مقدمة ديوانها الأول الذي اختارت له عنوانا غريبا من جميع الجهات فهو كلمة فرنسية مكتوبة بالحروف العربية (ميراج) ومعناها باللغة العربية (سَراب) وقد سألها بعض رواد بيت الشعر في الحفل التكريمي الذي أقيم لها في بيت الشعر المنبثق في القيروان عن بيت الشعر في إمارة الشارقة، أقول: سألها البعض عن سبب إيثار اللفظ الفرنسي الدال على السراب فلماذا لم تطلق عليه اللفظ العربي المشهور والوارد في قوله تعالى في (سورة النور): (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(39)

فأبدت رأيها في الموضوع متشبثة بالكلمة الفرنسية ميراج، وعندما طـلب مني الحاضرون في ذلك الحفل الذي أقيم لها بمناسبة ظهور السراب أن أتكلم في تلك المناسبة قلت للمحتفين بصدور هذا الديوان: (لقد فوجئتُ بصدوره، ولم يكن لي رأي في اختيار عنوانه ولا ترتيب قصائده ولا اختيار نوع خطه، وأكـّدت لهم أني لم أقرأ المقدمة التي كتبها الشاعر آدم فتحي إلا في السيارة في الطريق إليهم من قليبية في الشمال الشرقي من الجمهورية التونسية إلى القيروان في الوسط التونسي)

ومرت الأيام وحانت ذكرى عيد ميلاد صاحبة السراب وكان من المفروض أن نحتفل بها في موعدها المحدد، لكن بعدَها عن مكان الإقامة في ذلك اليوم حال دون إقامة ذلك الاحتفال، فاحتفلنا به في القلوب وأرسلت إليها القصيدة التالية عبر البريد الإلكتروني:

 

 

في نصوص اليوم