نصوص أدبية

رحيل سيبويه تونس

نور الدين صمودإلى روح د. عبد القادر المهيري،

أستاذ الأساتذة في الجامعة التونسية منذ تأسيسها، 


تـَحَيَّرْتُ في ما سَوْفَ عَمّنْ قـَضَى أرْوِي* ومَنْ لقبوه عالِمَ الصَّرْفِ والنـَّحْـو ِ

رفيـقٌ (لسيبويْه) في عالـَمِ اللـُّغــى * وبَحْرُ علومٍ ظـلَّ كالعَيْلـَمِ الرَّهْـو  1ِ)ِ

به قد تباهتْ في البلاد (صفاقـُسٌ)*وظل اسمه في (بيت حكمتنا)يَدْوي2)

(وثعلبُ) أصْـفـَى أصدقاءِ صديقنا*بـِعِلـْمِ لـُغاتِ العُـرْبِ ليس بذي سّـهْــو ِ

(وثعلبُ) هـذا عالِمٌ ذو نـَباهـةٍ*وليس الذي قد ظل في غابـِهِ يَـعْــوي

و(كلية ُالآدابِ) كان عميدُها*خِــزانة َعِـلـمٍ مُسْـتـَـفـيـض بلا لـَـغـْـو ِ

وقد كان أستاذ َالأساتيذ كلـِّهـِمْ* ولم يَـكُ في ذا العلم  بالفارغ الخِـلـْو ِ3)

(ومُهْـرًا) بساح السبق يَسبق ظله*ويَـرْمِـيهِ في البيْـداءِ دَوٌّ إلى دَوَّ4)

ويَسْبقُ في دنيا المعارف نفسَهُ*كمثلِ جِـِمال البيد تـُسْـرعُ بالحَـدْوِ5)

ويُبْصِرُ في الصحرا سَرابا يَخاله*مَعينَ مياهٍ باردٍ سائغ ٍحـلـْو ِ

يُرافِـقـُـه، ليلا نهارا، (كتابُهُ)*وإنَّ اكتسابَ العلمِ بالجـِـدِّ لا اللهــو ِ

إذا راح يَروي عِلـْمَهُ، أنسطت لـَهُ*قلوبٌ وأسماعٌ، إلى رأْيهِ تـَأوي

وإنْ نكـَّتَ النكاتون جادََ بنكتة*وِفاقـًا طباقا للذي دارَ في الجَــوِّ

لكل مقام في الحياة مقالة ٌ*ويبدو الذي قد فاز في منتهَى العدْو ِ

وكم (جهلويْـهٍ) قـال عنـه مـقـالـَة ً*تـُزعزعُ صَرْحَ العلم من تـَحْتٍ ومِنْ عُلـْو ِ5)

ولكنـّهُ مـن فـوق أنقـاضِهـمْ عـلا*وأبْصَرَهُ الحسادُ كالطيـر في الـجــوِّ

له في رحاب العلم أعلى مكانةٍ*وقدرًا لـَدَى الطلابِ في الجـِـدِّ لا اللـَّهْــو ِ

وكم (نِفطويهٍ) – أحرقَ اللهُ جسمَـهُ*بنصفِ اسمِهِ، (والنفط ُ) يُحْرِقُ في التـَّـوِّ6)

وصاحَ عـليه الناسُ: (وَيْهًا) لفـقــدِهِ*ولكنه عندي قد انـْحط عن هَــجْــوي

(ولابن ِدُرَيْدٍ) فيه هـَجْـوٌ مـحـقـّـِرٌ*يُـهـدِّدُ بالمَـحْـقِ الأكـيـدِ وبالمَحْــو ِ7)

على رأسِ هذا(النفطويه) لعلني* أصُبُّ الذي يُطغي الجحيمَ التي تـَشـْـوي

و(عمْرُو بن عثمانٍ) تـُنوسَيَ اسمهُ*ولـُقـِّبَ (سيبويهَ) من عطره الحـلـْوِ

وبالقرب من (شِيرازَ) مسقط ُ رأسه*ويُكـْنـَى (أبا بشـْر ِ) المبرَّزَ في النحو  ِ8)

وظل لنحو العُرْبِ يَبْني قواعدًا،*على غير ضبط النحو في البحثْ لا يَـلـْوي

به يَحفَظ الفـُصْحَى من العجمة التي*تفشـَّتْ وسادتْ في المدائن والبَـدْو ِ

فـَقـَدْنَا عميدًا صان (للضاد) حُرْمة ً*ونارُ الجوى بعد النوى لم تزلْ تـَكـْوي

وقد ظلَّ في ذا العلم يعلو كنخلةٍ*تـَباهَـتْ بـ(عُـثـْقـولٍ) وتاهتْ على السْـرْو 9)

ولم أر، في (العُرجون)، تمرًا فقد بدا*كنون ِ نـُضارٍ سطـَّروها على الجـوِّ11)

(ولما رأيت الجهل في الناس فاشيًا)*هربت من البلوى وأسرعت في العدْوِ ِ

وأدلـيْـتُ دَلـْوي في الدِّلاء لعلـنـي*أ ُصِــيبُ مِياهًا عذبة َالطعمِ في الدَّلـْـو ِ

به قد تباهتْ في البلاد (صفاقُـسٌ)*وظل اسمه في (بيت حكمتنا) يدوي12)

رويتُ الذي أضمرتُ في القلب نحوه*وغيرَ الذي أضمرتُ في القلب لم أرْو ِ

تـقـبـّلهُ ربُّ الأنام بعطـفـهِ * وأسـكـنـه الفردوسَ في العالـَم العُــلـْـوي.

تنويه بالمناسبة:

(ولستُ بنحويٍّ يلوك لسانه)*ولكنْ فصيحٌ في المنام وفي الصَّحْـوِ13)

ويا طالما أنشدتُ شعرا مؤصَّلا*به لم أكن ْأ ُوطِـي ولم  أكُ أُقـْوي 14)

(كبرشامةِ) الطبِّ الحديثِ طِلاؤُها*لذيذ ٌكمن قد مَوَّهَ المُرَّ بالحلـو ِ15)

إذا قال كان الجِدُّ لـُبَّ كلامِهِ*وشتان زأرُ الليث والذيبُ إذ يَعْوي ِ

 

أ . د: نورالدين صمود

.....................

هوامش:

1) سيبويه: لقب فارسي معناه الرائحة الطيبة لقب به عثمان بن عمرو المكنـَّى بأبي بشر، وهو صاحب (الكتاب) المشهور في النحو العربي، وهو تلميذ الخليل بن أحمد الفراهيدي.

2) الرهو: المضطرب قال تعالى: (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ (سورة الدخان24)

3) الدّوُّ: البرِّية، والصحراء والقفر اليباب، شارة إلى قول الراجز مُخاطبا حادي الإبل:

فغنها فهي لك الفداء*إن غناء الآبِل الحداءُ

4) جهلويه: صياغة مستحدثة مشتقة من الجهل على  نمط سيبويه.

5) الحدو: ضرب من الغناء تـُسْتـَحثُّ به الإبل على السير.

 6) هجا بنُ دريد صاحبُ كتاب الجمهرة، نفطويه ببيتين شهيرين يقول  فيهما: [سريع]

وشاعر ٍ يُدعَى بنصف اسمه*يستأهل الصفع على أخدعيْه

أحرقه الله بنصف اسمه*وصَـيَّـر الباقي صُراخا عليْه

7) صاحب معجم الجمهرة الذي اقتدى في ترتيبه معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي الأسدي، ولم يخالفه إلا في تغيير ترتيب بعض الحروف حسب مخارجها بداية من حروف الجوف فالحلق إوانتهاء بالشفتين فالغنة التي مخرجها الخيشوم.

8) الدكتور عبد القادر االمهيري أصيل عاصمة الوسط مدينة صفاقس، وكان أستاذا لجيل من أساتذة الجامعة التونسية وهو أحد أعضاء بيت الحكمة: المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون.

9) العرجون: شاعت تسمية العثقول بالعرجون، وهو بمثابة العنقود في العنب. أما العرجون فقد شبه به الله تعالى القمر عندما يكون في آخر الشهر، وذلك في قوله:(وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ(39) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ.(سورة يس الآيتان 39/40).

 

في نصوص اليوم