نصوص أدبية

لوحة من الماضي المظلم

نور الدين صمودسِيَاطُ الرِّيَاحِ تَسُوقُ قَطِيعَ الثُّلُوجْ

وَتَصْرَخُ فِي وَجْهِ كُلِّ غَرِيبْ

- وَكُلُّ مُقِيمٍ هُنَاكَ غَرِيبْ -

رَمَتْهُ يَدُ الْقَهْرِ خَلْفَ صَحَارى الْجَلِيدْ

يَدُ الْقَيْصَرِ الْجَائِرِ

تُطَارِدُ كُلَّ فَتًى ثَائِرِ

يُحَاوِلُ طَرْدَ جُيَوشِ الظَّلاَمْ

بِصُبْحٍ جَدِيدْ.

هُنَالِكَ حَيْثُ زَئِيرُ الرِّيَاحْ

يَئِنُّ كَصَوْتِ الْبُكَا وَالنُّوَاحْ

فَيَرْكُضُ فِي الْقَلْبِ بَرْدٌ رَهِيبْ

كَرَكْضِ الْخُيولْ

فَيَلْذَعُهُ مِثْلَمَا تَلْذَعُ الْجِسْمَ نَارُ الْكُحُولْ …

إِذَا سُكِبَتْ فَوْقَ دَامِي الْجِرَاحْ

فَيَعْلُو النُّوُاحْ

وَيَطْغَى النَّحِيبْ

***

هُنَالِكَ عَبْرَ عَوَاصِفِ بَرْدِ الشَّمَالْ

هُنَالِكَ حَيْثُ تَذُوبُ عَزَائِمُ أَقْوَى الرِّجَالْ

وَتَفْنَى الْمَشَاعِرْ

يُحِسُّ الْبَدَنْ :

بِأَنَّ الْحَرَارَةَ كَالْبَرْدِ تَكْوِي

وَأَنَّ الْبُرُودَةَ كَالْحَرِّ تَشْوِي

وَحَيْثُ الْعَوَاصِفُ فَوْقَ صَحَارى الثُّلُوجْ

تَئِنُّ وَتَدْوِي

تُحَاكِي قَطِيعَ ذِئَابْ

تُحَاوِلُ قُوتًا

وَيَطْحَنُ إِمْعَاءَهَا الْجُوعُ حَتَّى

 تَصِيحَ وَ تَعْوِي.

هُنَالِكَ حَيْثُ تَمُوتُ الْفُصُولْ

فَيَغْدُو الرَّبِيعُ شِتَاءً مُخِيفْ

وَيَكْتَئِبُ الصَّيْفُ مِثْلَ الْخَرِيفْ

وَتَهْمِي الثُّلُوجْ

فَتَخْنُقُ كُلَّ الْمُرُوجْ.

***

هُنَالِكَ حَيْثُ يُغَشِّي الْبَيَاضُ جَمِيعَ الْحُقُولْ

فَيَغْدُو الوُجُودُ كَمَيْتٍ طَوَاهُ الْكَفَنْ

***

هُنَالِكَ فِي فَلَوَاتِ الثُّلُوجْ الرَّهِيبَهْ

هُنَالِكَ عَاشَتْ جُمُوعٌ غَرِيبَهْ

بِسِجْنٍ فَسِيحٍ فَسِيحْ

بِلاَ جُدْرَانْ :

تُطَوِّقُ ذَاكَ الْمَكَانْ

ثُلُوجٌ وَ بَرْدٌ وَرِيحْ

فَمَنْ فَرَّ مَاتَ بِصَفْعِ سِيَاطِ الرِّيَاحْ

فَيَرْكُضُ مَنْ كَانَ يَحْيَا هُنَاكْ

لِكَيْ يَخْلُقَ الدِّفْءَ فِي جِسْمِهِ

لِكَيْ لاَ تَعِيثَ الْبُرُودَةُ فِي عَظْمِهِ

لِكَيْ لاَ يُعَشِّش بَرْدُ الشِّتَاءِ بِأَوْصَالِهِ

وَلاَ يَجْمَدُ الدَّمُ عَبْرَ الْعُرُوقْ.

وَيَجْرِي إِلَى الْغَابِ جَرْيًا عَنِيفْ

لِكَيْ يَتَوَقَّى الْحُتُوفْ

لِيُوقِدَ بَعْضَ الْحَطَبْ

وَيَجْلِسَ قُرْبَ اللَّهَبْ

جُلُوسَ الْمَجُوسْ

وَيَحْلُمَ بِالإِنْعِتَاقْ

وَبِالصَّيْفِ فَصْلِ لَهِيبِ الشُّمُوسْ …

يُذِيبُ الصَّقِيعْ

وَيَبْعَثُ فِي الأَرْضِ دِفْءَ الَّرَبِيعْ

***

وَعَاشَ هُنَاكَ بِمَنْفَى لِقَهْرِ النُّفُوسِ الْجَرِيئَهْ

لِقَتْلِ الْجُمُوعِ الْبَرِيئَهْ

فَتًى ثَائِرٌ أَوْقَدَ الْعَزْمَ فِي أَنْفُسِ الثَّائِرِينْ

رَأَى الشَّعْبَ يَشْكُو الْمَجَاعَهْ

رَأَى النَّاسَ لاَ يَحْلُمُونْ

بِغَيْرِ الطَّعَامْ

فَقَدْ أَصْبَحَ الأَكْلُ حُلْمًا جَمِيلْ

يُرَى فِي الْمَنَامْ

وَلاَ يَحْلُمُونَ بِغَيْرِ التَّحَرُّرِ وَالإِنْعِتَاقْ

وَتَحْطِيمِ كُلِّ وَثَاقْ.

رَأَى النَّاسَ لاَ يُبْصِرُونْ،

لِفَرْطِ الْقَتَـامْ،

رَأَى الشَّعْبَ فِي أَرْضِهِ

يَجُوعُ وَيَعْرَى

وَيُقْهَرُ قَهْرَا

وَيُـبْـتَـزُّ مِنْهُ التَّحَرُّرُ وَالإِنْطِلاَقْ

رَأَى حَفْنَةً مِنْ طُغَاةٍ عُتَاةْ

وَكُلُّ سِوَاهُمْ عَبِيدْ

جِيَاعٌ حُفَاةٌ عُرَاةْ

رَأَى النَّاسَ تُقْتَلُ خَنْقَا

رَأَى - يَالَهَوْلَ الْفَظَـاعَهْ -

أَخَاهُ يُعَذَّبُ … يُعْدَمُ شَنْقَا

لأَنَّ أَخَاهُ يُحَاوِلُ إِيقَادَ شَمْعَهْ

لِطَرْدِ الظَّلاَمْ

***

صَحَارى الْجَلِيدْ

تَضُمُّ فَتًى ثَائِرًا أَوْقَدَ الْعَزْمَ فِي أَنْفُسِ الثَّائِرِينْ

مَبَادِئُهُ قَدْ غَدَتْ مِثْلَ شَمْسٍ مُضِيئَهْ

تُنِيرُ اللَّيَالِي

وَتُعْشِي الْخَفَافِيشَ عُشَّاقَ عَهْدِ الظَّلاَمْ

تُذِيبُ الثُّلُوجْ

وَتُفْنِي الْجَرَاثِيمَ تَمْحُو الْعُلُوجْ

فَمَزَّقَ ذَاكَ الْكَفَـنْ

وَأَطْلَعَ عَهْدًا جَدِيدًا غَزَا نُورُهُ كُلَّ أَرْضِ الْوَطَنْ

***  

وَفِي كُلِّ عَصْرِ

وَفِي كُلِّ مِصْرِ

أُلُوفٌ مِنَ الثَّائِرِينْ

تُحَجِّبُهُمْ جُدُرَانُ السُّجُونْ

بُرُودَتُهَا كَصَحَارى الْجَلِيدْ

وَتُلْهِبُ أَجْسَامَهُمْ صَفَعَاتُ السِّيَاطْ

حَرَارَتُهَا كَسِيَاطِ رِيَاحِ الثُّلُوجْ

تُحَاوِلُ إِطْلاَعَ فَجْرٍ جَدِيدْ

يُذِيبُ جِدَارَ الْجَلِيــدْ.

***

نورالدين صمود

 16/05/1979

................................

 ألقيت في مهرجان بوشكين بمدينة (ميخايلوفسكي) ماي 1979 بالاتّحاد السّوفياتي سابقا، وترجمت إلى اللّغة الرّوسية شعرا وألقيت في المهرجان مع الأصل العربي.

 

في نصوص اليوم