نصوص أدبية

برلين

نور الدين صمود

عندما تنذر برلين بسقوط جدارها اللعين

فِي الدَّوْرِ السّاَبِعِ وَالْعِشْرِينْ

مِنْ نُزْلِ مَدِينَةِ بِرْلِينْ

كُنْتُ أُطِلُّ عَلَى جَيْشِ اللَّيْلِ يُطَارِدُ بَحْرَ الأَنْوَارْ

يُسْدِلُ فَوْقَ الأُفْقِ سِتَارْ

وَيَنَامُ اللَّيْلُ الْحَالِمُ لَكِنْ

تَسْهَرُ فِيهِ عُيُونُ الأَضْوَاءْ

[وتشقُّ هُدوءَ الليل الساكنْ

وتموتُ الأضواءْ]

وَشَعَرْتُ بِأَنِّي كَالنَّسْرِ السَّابِحِ فِي الأَجْوَاءْ

فَسَرَى فِي الرَّأْسِ دُوَارْ

وَتَقُولُ مُرَافِقَتِي : مَازَالَتْ فَوْقَكَ عَشْرَةُ أَدْوَارْ

عَجَبَا ! أَحْمِلُ فَوْقَ الرَّأْسِ عِمَارَهْ !

وَصَعِدْنَا لَيْلاً نَحْوَ الْقِمَّهْ

فَإِذَا بِي أُبْصِرُ أَنْهَارَ ضِيَاءٍ زَخَّارَهْ

تَمْحُو أَشْبَاحَ الظُّلْمَهْ

فَكَأَنَّ اللَّيْلَ هُنَا قَدْ جَمَّعَ أَقْمَارَهْ

وَكَأَنَّ الأُفْقَ عَلَى الدَّرْبِ الْمُشْرِقِ كَدَّسَ نَجْمَهْ

لِيُشَارِكَ هَذَا الشَّعْبَ الْعَامِلَ فِي عِيدِ الْعُمَّالْ.

***

وَتَدَفَّقَ سَيْلُ الْبَشَرِ

يَسْبِقُ ضَوْءَ الصُّبْحِ الْمُزْدَهِرْ

رَفَعُوا فَوْقَ سَوَاعِدِهِمْ أَلْفَ شِعَارْ

وَعَلَى الْقَلْبِ قَرَنْفُلَةٌ تُشْرِقُ كَالثَّغْرِ الْبَسَّامْ

وَانْسَابَتْ فَوْقَ الطُّرُقَاتِ الأَقْمَارْ

وَامْتَدَّتْ غَابَاتُ الأَيْدِي نَحْوَ الأُفْقِ الْعَالِي

تَخْفقُ فِيهَا الأَعْلاَمْ

وَسَرَى فِي الْجَوِّ الْبَارِدِ دِفْءُ هُتَافَاتِ الأَحْرَارْ

تُطْلِقُهُ عَزَمَاتُ الثُّوَّارْ.

***

وَرَفَعْنَا أَكْؤُسَنَا

مِنْ أَعْلَى هَذَا النُّزْلِ الشَّاهِقْ

تَمْجِيدًا لِمَفَاخِرِ هَذِي الأُمَّهْ

وَرَفَعْنَا أَرْؤُسَنَا

لِنُشَاهِدَ قِمَّةَ بُرْجٍ سَامِقْ

يَفْتَرِعُ الأُفْقَ بِقَامَةِ صَارُوخٍ مُنْطَلِقِ

وَيُمَزِّقُ جَيْشَ الظُّلْمَهْ

بِسُيُوفٍ مِنْ نُورٍ مُنْبَثِقِ

َيْحِمي هَذِي الأَرْضَ مِنَ الظُّلاَمْ

يَغْسِلُ آثَارَ الْفَاشِيَّهْ

وَيُبَدِّدُ أَحْلاَمَ النَّازِيَّهْ

لِيَعُمَّ الْعَدْلُ جَمِيعَ الطَّبَقَاتِ الْكَادِحَةِ الشَّعْبِيَّهْ

***

يَا بِرْلِينْ

إِنِّي أَعْرِفُ أَنَّكِ فِي هَذَا الْعَهْدِ الزَّاهِرْ

جَاوَزْتِ جَمِيعَ الْقِمَمِ

وَأَزَلْتِ طُيُوفَ الظُّلَمِ

بعزيمة شعب ظافرْ

فإذا ما نظر النّاظرْ

من قمّة هذا البرج الدّائرْ

فسيبصر أعلى من هذي القمّهْ

قمما تتجاوز ما يخطر في الخاطرْ

تتمثّل فيها كلّ مفاخرْ …

كسبتها هذي الأمّه.

***

وصعدنا قمّة برج مدينة برلينْ

كانت قامتُه تُشبه قامةَ صاروخ عملاقْ

دار بنا في ساعهْ

وأرانا كلّ الآفاقْ

وبدا لي ما خلف جدار التّقسيمْ

ذاك الجاثِمُ كالتّنّينْ

يمتدّ كثعبان محمومْ

ينفث في الجو هواءً مسمومْ

يحبس شعبا في موطنه خلف الأبوابْ

تحرسه أسلحة الأغرابْ

ينهش من حاول أن يخرقه نهش كلابْ

***

عفريتا ذا أظفارْ

أضحى للنّاس مزارْ

وغدَا ما يحجُبُه حلما ممنوعا للأحرارْ

كالحائط بين الجنّة والنّارْ

***

يا حائط برلين الجبّارْ

لن تصمد في وجه الثّوّارْ

وستغدو بعد العزّ خرابْ

وسيُجلَى مِن حولك كلُّ الأغرابْ

وسيشرق بعد اللّيل نهارْ.

***

تونس / نورالدين صمود

برلين الشّرقية 1 ماي 1981(سابقا)

 

في نصوص اليوم