نصوص أدبية
غـُرْبَةٌ غريبة
لمحة
يا غريبًا في حِمَى وطنِهْ، وبعيدَ الدار في سكنِهْ
أَر ِقـْتُ لطائر ٍغـَنـّى بـِتِـيــــهِ*وشـَنـَّج َبالأغاني سامعيــــــــهِ
فقـال له حـزينُ القلـبِ لمَّـــا*رآهُ بالأغــاني يَسْــتـَـبـيــــــــــهِ:
(ألا اسْـكـُتْ يا هزارُ ودَعْ غِناءً !*فليْس بأرضنا سَمْعٌ يَعـيـــــه ِ
ودَعْ طـَرَبًا تـَمَرّغ في رَغــام ٍ*ولم يَرقــُصْ بأذنَيْ سامعيــــــه ِ!
وفي آذانهـمْ فانـْعَـبْ عَـسَى أنْ*يـُفـيقَ المجْـدُ قـَوْمًا مُبْدِعِيــهِ !ِ
إذا ما أ ُمَّــة ٌفي الكـــون ذَلـّتْ*وكانـت للعُــلـَى مــن صانعيـــهِ
ولم تركبْ صواريخَ المعالي*وتنسَ العيسَ إنْ حُدِيَتْ بـِتِيـــــــهِ
فدعْـها إنها ليــســتْ بأهْـــل ٍ*لِنـَيْـلِ المجدِ في ما تـَدَّعِيــــــــهِ !
ومَـنْ طـَلـَبَـتْ عُـلـُـوًّا دون سَـعْـي ٍ*فقـل: بالله يا هــذي دَعيـــهِ !
وكيف تـُــريدُ حصْدَ الزرع يا مَنْ*عَهـِدْتـُكَ لم تكنْ مِن زارعـيــــهِ؟
سَـيَـصفـَعُــكَ العـدوُّ بألفِ سَوْطٍ*إذا ما لم تــكن من صافــعـيـــــهِ
ويصرَعُـكَ الـقـَوِيُّ بِسيف ظـلـْم ٍ*إذا ما لم تكن من صارعِــيــــهِ
وإنْ أزْمَـعْـتَ أمـرًا فـَامْض ِ فـيه !*وإلا ّ لا تـَكـنْ مـن مُزْمِـعـيــهِ!
ولا تـَلـْبَسْ دُروعَ الحرب واصمُـتْ*ودِرْعُ الحربِ كـُنْ من نازعيـــــهِ!
ولا تَسْــتـَلَّ سَـيْـفـًا في ادِّعــــاءٍ*بأنـّـكَ في الوغـَى مِنْ رافِـعِـــيـــــــهِ
وأغـْـمِدْ سيـفَ جـدِّكَ ولـْتــصُــنـْه*فــجَدُّك كـــان أجْــدَرَ حـامليــــــــهِ!...
زمــانَ السيـــفِ كالصاروخ فينا*فلا تـَفـْخـــرْ بما قـد كـــان فيـــــــــهِ...
مِــنَ الأمجـاد إذ كانـوا رجــالاً*وكــانَ السيـــف يَحـْمَدُ مُشْـرِعيــــــهِ
ولا تـُقـْــدِمْ بقــلـبٍ فيه جُــبْنٌ*فــتــغــدو، في الحَشَى، من خالعِـيــــهِ
ودَعْ عزمًا تضاءَلَ حين هُـنـّا؟*وصِـرْنا، في الحِمَى، من مُوجـِعيــــــهِ
إذا لم نـُوقِــظِ العــزمَ الذي قـــدْ*تـَقاعَــسَ منـذ دهـــر في بَــنـيـــــــــهِ
فـسوف نـَظــلُّ في كَـهْــفِ الــرزايا*لأنـّا لم نكــنْ مـن هادمــيـــــــــــهِ
ويـبـقـَى كـُـلُّ ذي عـقــلٍ نـَـؤُوم ٍ*يـنادي في الوجـود بـِمِلْءِ فيــــــــهِ:
(ألا اسكتْ أيها الشُّحرورُ واسمعْ*نـَحيبـًا لم نــكــنْ مــن سـامعيـــــهِ !
وعَلِّلْ سَـمْعَــنا بنعــيــبِ بُـــوم ٍ*فصـوتُ البُـوم صِـرنا نــشـْتهـيــــهِ؟
وأسْــمِــعْـنا نـعِـيقَ غــرابِ بَـيْـــن ٍ*يـُـصَــيِّـــرُ شعبَــنا يحيا بـِـتِيـــــــهِ
(بـِدونِ هُـوِيَّـةٍ) و(بدون أهـــلٍ)*ولا وطـــن ٍ له يَحْـمــي بَــنـيــــــــــهِ
ولا يُـعْـزَى إلى أرْضٍ لِيَـحْـظـَى*(بـِشِــبْــر ٍفي ثــراهُ يَـنام فــيـــــــهِ)
سِـوَى ذاك الذي اغـتصبـوه مِنـْه*فصارُ البعـضُ منــهم يَــتـَّقـيـــــــهِ
وشَـَتـَّتَ شملـَهُ مَــن أطـــردوهُ*ولم يلـقَ النـَّجــادَة َمــن أخــيــــــــــهِ
وحـاشـا أن يكــون لــه شــقــيقـًــا*ولكــنْ في العـروبةِ مِنْ ذويـــــــــــهِ
فهــذا في الكِـنانـَةِ عــاشَ حَــتى*غــدا فـي النـِّــيــل ِأبْــرَعَ سـابحيــــــهِ
ولــولا بَــــردُهُ لكــواه جـــمْــرٌ*وكــان الشــوقُ أكـبــرَ حارقــيــــــــــــهِ
وذلك في الخليج غريبً دار ٍ*وضيـــفُ الغـــربِ ذو شـــأنٍ نبيــــــــــــهِ
وذلك في الكُوَيْـتِ غدَا قطينـًا*وذا في الشــام يـــبحــث عــن بنــيــــــــــهِ
وذا فـي غـُــرْبَــةٍ قــد عــزَّ شأنـًا*وذا فـي القــدس لــكــنْ ذ َلَّ فيـــــــــهِ
وَذُ ُلُّ الــحُـرِّ في الأوطـــان عـارٌ*إذا مــا جــاءَهُ مِــن عـارفـيـــــــــــــهِ
وكــم مـــن موطن، في الكون، حــرٍّ*غـدا ســـجـنًا يعيش الشعبُ فيـــــــهِ
وأرضُ الله تـَفـْـــتـَحُ ألـــفَ بابٍ*لِمَنْ يعَـصِـــيــهِ أو مَــنْ يَتـَّـقِــيـــــــهِ
فذاك مِنَ العــراق بأرض (سِيدْني)*بـِحُبِّ (الكُنغُرُو) يُـــغـْرِي بـــنيــــــه ِ
فـيـنـسَى فيه عِــيسًا ضارباتٍ*كُــبُــودَ البـــيد من تــيهٍ لــتيـــــهِ
وما ضلـَّتْ طـــريقـًا في رحيل ٍ*بــدربٍ للمسافــرِ يَــصطـفيـــهِ
وقد ضاعتْ شعوبٌ في حماهـــَا*فكم طفل ٍ نـَفـَوْهُ عن أبيـــــــهِ !
قضى في تونـسٍ لمّا رماهــا*بنو صهيونَ في الزمن الكريــــــــهِ...
بنارٍ قــد أتـَتْ من أرض حَـــيْفـَـا*وهــذا الحَيْفُ جـُـرْمٌ في ذويـــــهِ
زمانَ لـُجوئِهِ لِـيُـقـيمَ ضيْــفـًا*ويَـنـْأَى عن مكان ٍشبَّ فيــــــــهِ
فأهلُ (القدس ) في (دُوّار ِشَط ٍّ)*لأمـرٌ لا يَـغيـبُ عنِ النبيـــــهِ
تـَمُـرُّ الطائراتُ عليه دوما*وتـَرْصُــدُهُ بعينيْ قاتـليــــــــــــــــــهِ
أفــاقتْ أعْـيُـنُ الأعداء لمَّاْ*تناومَ مَنْ غـَدَوْا من حارسيــــــــهِ
فلا تفخرْ ودعْ عــنك التـّباهي*بماضٍ لم تـكنْ مــن صانعيــــهِ
زَمـانُ المجــد بعـد العـــزِّ أغفـَىٍ*وأضْـحَـى نائِـيًا عن مُـوقظيـــهِ
وإنـّا أهــلُ مجــدٍ سَوْفَ نبْــقـَـى*بأغـْلـَى مــا لدينا نفتديـــــــهِ
ونكتبُ في سِجـِلِّ الفخرِ ما لم*يُسَجـِّـــلْ غــيـرُنا بدِمَا بَنيـــــــهِ
ونشدُو في المهارج مثل ما قد*شدا (عمرٌو) ونافـَحَ عن ذويــــهِ
(فتغلبُ تغلبُ) الأبطالَ إنْ همْ*أصاخوا (لابنِ كلثوم ِالنبيـــــــــهِ:)
[إذا بَـلـغ الفِـطامَ لنا صبيٌّ*]رأينا الرفـضَ يـصْـرخُ مِـلْءَ فِيـــــهِ
وإمَّا طأطـأ َالكـُبَـراءُ رأسًــا*رأيـتَ صِــغــارَنا مـن رافعيـــــــهِ
و(نورُ الدينِ صَمُّـودٌ صَمُــودٌ)*على ما نـاله مِـن حاســديـــــــهِ،...
قـديـرٌ أنْ يُـقـَـزِّمَ كــلَّ مَــنْ قدْ*تــطـاولَ فيه أجهلُ نـــاقــديـــــهِ
ولكــنْ ليـس يَـرْفـُـضُ أيَّ نـقــدٍ*إذا ما جاء مِـنْ قلمٍ نزيــــــهِ
ومُــذ ْعَشِقَ الكتابةَ ظــلَّ يـرنـو*كما يـرنـو أبٌ لبـني بنيـــــــهِ
يُـرَاقِبُ شِـعـرَهُ بعيون صَـقـْر ٍ*وِينفي العَـيْـبَ إنْ ألـْـفاهُ فـيـــهِ
ويَــصطاد القــوافي والمعاني*ويركبُ بحر شعر يصطفيـــــــهِ
ويُـرسِـلُ، مِنْ حناياه، التـَّحايا*إلى أهـل الحِـجَـا منِْ قارئيــــهِ
ويَشْعُرُ بانتشاءٍ في النــوادي*إذا بالشعـــرِ أسْــكَـرَ سامعيـــهِ
ويَنْشـُرُ شعـرَه شـرقا وغــربًا*ويمشي في المَحافل دون تِيـــهِ
وهذا، عنـده، أغـلى الهـدايــا*فإنّ الشِّعــرَ بعضٌ من بنيـــــــــهِ
وذلك كُـلـُّهُ مِن فــضــل مَنْ قــدْ*حَــبَــتـْهُ كلَّ شيءٍ يشتهيــــــهِ
ولم تـََكُ ذاتُ هــذا الفضْـلِ فيه*سِــوَى الأوطان ِأمِّ أبي أبيـــــــهِ
وما وطـَنُ الشعوب سِوَى جـِنان ٍ*فما أشْـقـَى الذي لم يَحْيَ فيـــهِ!
***
أ. د: نورالدين صمّود - قليبية