نصوص أدبية

شهد ليلة الصيام

محسن الاكرمينأرتشف قھوتي المسائیة وحدي وبكل ھدوء وسكینة، اللیلة لیلة صیام الیوم الأول من شھر الغفران رمضان... المقھى فارغة من رواد كرة الموندیال ... في زاویة مغلقة من فضاء المقھى عكف حبیبین على تبادل الابتسامات الاحتفالیة، وفي كل لحظة من غفلة الجالسین تسمع ضحكة مدویة من تجمھر لشباب الیوم حول براد شاي یتیم ...لا أعرف سبب الضحك، ولكن أقر بأنه نزق الشباب الطفولي، یفرغ عن الذات الثوریة السلبیة ...

رن ھاتفي وكعادتي أبحث عنه، إلى أن أضع علیه یدي بالوصایة ... لا أعرف بالضبط رقم المتصل، لكني أیقنت عند ملامسة الصوت لمسامعي أنھا حبیبتي ... لم أستطع الرد إلا بلفظة " ألو" فانطلق صوتھا بالسؤال عن أحوالي؟ وعن غیبتي؟ وعن حالتي الصحیة؟ تجمعت عدة أسئلة بالترادف المنطقي ...لكني في قرار نفسي ..أذكر لحظاتھا الجمیلة، ترتسم بالتمام والكمال عبر نوستالجیا إحیائیة أمامي ... نظرت ذات الیمین وذات الشمال كمن أراد الإفطار في رمضان عنوة عند قطعه للشھد، أو جني الورد ... ثم قررت البوح بالكلام المباح ...شكرت مكالمتھا في "العواشر ... الرمضانیة " ...واستلھمت من قاموسھا الاجتماعي مجمل المفردات ذات السلطة الأولیة في بدء الحوار سؤالكم عن إسم حبیبتي، علامات استفھام قائمة الحال عندكم .

 أحسست كذلك بتردده على شفاھكم منذ البوح بسرھا . إنھا " شعلة " اسم غریب علیكم ألیس كذلك؟حقا ھي شعلتي في طفولتي . ھي الید السمحة التي كانت تغفر عن نزواتي السلوكیة . ھي ذلك الأمل الذي تعلقت به في حیاتي الفردیة والجماعیة ...حضورھا بجانبي كان یغطي مساحة المكان بالفرحة، وبشلال شمس أشد برد من نار إبراھیم علي... كنت أیام ذاك أعتبر نفسي سلطان زماني ... فالحب یغطیني ویفترش لي جنة ورد ...ھي ذي حیاتي الماضیة أرجع إلى ھاتفي، وأترككم تتوسعون في مدى سعادتي ...قاطعت صوت حبیبتي الذي غلب علیھ البكاء ... منادیا علیھا " بالشقیة " وھي الصفة التي كنت أحب أن أنادیھا بھا عند یكون التوتر یمتلك دواخلھا ... تنھدت حتى ضننت أن الھاتف زاد ثقله على یدي ومسامعي ...لكني أردت أن ادفع بشيء من علم الاجتماع والنفس الذي سكن قلبي عند الدراسة الجامعیة ...أن أخرجھا بلطف من قوقعتھا المتجمدة بجلید الزمن الماضي ... أیتھا الشقیة أحن إلیك ...أحن إلى الدفء الطري بجانبك ...أحن إلى لمسة شلال شعرك ...حین ذاك أیقنت أن .... روعتھا بزوبعتھا الأولیة بدأ سحابھا ینقشع شعلتي ماذا حل بك؟، سكتت حتى ضننت أن الھاتف نفذت بطارته، لكنھا افتتحت قولھا بحبي الأول ...ھنا سحبتني برفق إلى الخلف ثم عملت على شدي كي لا أقع عندما أتمت اللازمة وحبي الأخیر ... لم تنادیني بإسمي، بل كان إسمي العائلي ھو خطابھا الموجه إلي ...ورغم أن الأعوام الخمسة من علاقتنا، فلم تذكر یوما لما كانت تتجاھل إسمي وتنقلني دائما إلى صفتي العائلیة ... رجة مدویة حین ذكرتني بالیوم الذي حضرت إلى جلستنا المعتادة وھي منتقعة اللون ...حین ذاك جلست قاب قوسین مني ویدھا مشدودتان ...ثم حكت أن خطیبا قد دق ببابھم یطلب الحلال ... بكت وعند ذاك لم أدرك مرجعیة الأمر إلا من تیقني الأكید أنھا تحبني ... لكن لھا اعتبارات أخرى لا داعي أن أعري عنھا غطاء الماضي ...اه، سادتي الكرام كنت في تلك المرحلة طالبا في السنة الثالثة بالجامعة ... للمرة الأولى تخاطبني باسمي ھنا توقف تفكیري وانحصر بحالتھا ...كم كان جمیلا اسمي ینطق من طرفھا بلیونة القلب الخافق ...تنھدت بقوة زفير، وأكدت أن والدیھا قد قبلوا الخطبة ووثقوھا بتلاوة "الفاتحة " مع الخاطب وباركوا الزواج ...ثم أردفت القول بأن إمكاناتي لا تسمح لي بالإقدام على خطوة الزواج ...ووضعت مجموعة من الاعتبارات ...الحق إليكم أبوح به لأول مرة لم أكن أستمع إلى تسویغاتھا التبریریة وإنما سبحت في مكاني بعرق بلل ثیابي في عز البرد المكناسي القارس، في عز جبني آنذاك ... أنھت كلامھا بخطاب رفق لحالي ... یا ولد الناس أفتیني في أمري ھذا؟ ھنا ولأول مرة في حیاتي أشعر بقلة حیلة الید ...ماذا عساي قوله انتظریني ...فإلى متى؟...تزوجي ...واتركي لي یدك الیمنى قلیلا فھو خیانة لا أرضى بھا لنفسي فبالأحرى لغیري ولحبیبتي الغالیة ... ھنا أعترف بأنھا كانت أذكى مني، وأسرع إلى الحل بإجرائیة منطقیة ... قبلتني بمتم جبيني ... ثم أخلت المكان بما فیه قلبي وزماني ...

ھي ذي قصتي مع شعلتي الضائعة بزمان انحسار الحب ...وأنا أحادثھا شد انتباھي طالبة تحمل كراسة الدراسة المغلقة رغم أن الامتحانات على الأبواب دخول موسمھا المتعب ... قدھا الجسدي یماثل بقلیل شعلتي ...ھنا ارتبط الماضي بالحاضر وأشكل التوقیع على المستقبل الآتي ... رجعت بمسامعي التامة إلى حكي مخاطبتي حین صرحت لي أنھا قد أنھت علاقاتھا الزوجیة بطلاق ثلاثي المرات ... وبین یدھا طفل عمره بعمر زواجھا ... وبعد ندامة الزوج قرر العودة إلى أبنائه وحضن زوجتھه... مع إعلانه التوبة التامة... من تم وبعد استشارة العدول أكدوا علیھم بضرورة تزوج المطلقة بثلاث "من محلل" ثم الطلاق والعودة إلى الزوج الأول

 ....ھنا فھمت القصد بمتوالیة سلبیة الماضي وقرار الحاضر .... خاطبتني، :حبي ھل أنت مستعد بالتزوج بي ثم تطلیقي؟ مع العلم أنھا تعرف تمام العلم أنني لازلت عازبا ... لأنھا تسكن مدینتي وتتبع أخباري ... سكتت ... واستحضرت ظلمي لنفسي ولھا في الماضي ...ثم قررت تكسیر حدودي الاجتماعیة المعیاریة وإجابتھا بالقبول .... على الھاتف أحسست بفرحتھا المطلقة وبأنھا ترقص وشعرھا منفك خصلاته ... ضحكت وأقحمتني في خانة أنني لا زلت أحبھا وبحبھا متیم ... بیني وبینكم سادتي الكرام لازال حبھا یسكن دواخلي العاطفیة ... ولأول مرة أقر بحبھا علانیة وبصوت مرتفع ...بقولي ...وإني أحبك،إني أحبك ...لكن أخاف .... أقسمت أنھا لا زالت وفیة لعھد الحب الذي رسمناه سویة على شجرة الزیتون بوشم الحروف الأولى ... ثم عملت على إرجاعي إلى مكمن السكون برفق حدیثھا ...من خلال أنھا أرادت تذكیري بأن الحیاة عطاء وأخذ ... وأنني قد أجد بنت الناس من تسكنني فردوس الحب والحنان ...ثم أكدت أنھا لم تطلق ولو لمرة... وإنما إحساسھا بالذنب نحوي،ھو من دفع بھا إلى مھا تفتي لتلتمس مني ... البحث عن حب جدید اختلف ردي لھا في تلك اللحظة ... بمخاطبتھا سیدتي الشعلة وعیت خطابك وآمل لك العیش الكریم ...أتمت كلامھا بمتمنیاتھا بقضاء رمضان كریم ...إنھا قصتي الیوم مع حبیبتي الشعلة المدویة... والتي انتھت بسماع نفیر الإعلان عن إقبال شھر رمضان الكریم.

 

ذ. محسن الأكرمين/ المغرب

 

في نصوص اليوم