نصوص أدبية

الإعتكاف

صالح البياتيعندما جلسوا صباحا للإفطار، تساءَل نوح عن دور شاه ايران الآن؟ فتساءل القاضي:

" ما الذي ذكرك به!"

" يوما ما سألتُ امي عن جارتنا التي رحلت الى بغداد، فتساءلت مثلك، ما الذي ذكرك بها، فأجبتها: تنورنا الخامد منذ زمن، لأن المرأة كانت تأتي لبيتنا لتخبر لنا، عندما ضعف نظر امي، واجيبك سيدي القاضي، أن تنورالحرب المتأجج، هو الذي ذكرني به"

" ولكنها اشتعلت على كل حال"

ظل نوح صامتا، قبضا استكان الشاي بين اصابعه، يتأمل في حمرته الداكنة، دون أن يدنيه من شفتيه.

" أستاذ نوح، منذ ليلة البارحة وانا أفكر بوالدك هل تلقيت خبراً عنه؟"

استغرب نوح من سؤال القاضي!

"ماذا تقصد سيدي، مات والدي عندما كنت طفلاً، فمن يكون والدي هذا الذي تسأل عنه!"

"موسى الكيال، أنا أعرف انه ابوك، ومنذ زمن بعيد، وقد إتمنني على وصيته"

" ولماذا لم تخبرني بذلك من قبل سيدي القاضي!"

" لأن الوصية تنص على الإخبار في حالة الوفاة فقط."

" فهل تأكدت من وفاته!"

" لا أستطيع أن اجزم بذلك..ولكن تناهى لسمعي انه سُفر الى ايران، غيابه  يلح عليَّ أن ابرئ ذمتي، واخبرك أنك وريثه لاملاكه؛ المطحنه ومخزن الحبوب وبيته في السبع قصور؛ كلها ملك لك وحدك"

" وماذا أبقى لابنه الأكبر الدكتور ممتاز؟"

" اوه.. الكثير.. بيته في حي المنصور وعقارات ومحلات في بغداد، انت لا تعلم كم ثري هو يا أستاذ نوح!"

"اعلم، ولكن إن لم يكن قد مات حتى الآن، فإنه سيموت في ايران فقيرا وغرييا."

"مستحيل أنه تاجر وذكي جدا، ولا بد أنه هرَّبِ ما يكفيه من المال، ويؤمن حياته.. سأتيك بالأوراق"

غاب دقائق، فكر بهذه الثروة التي هطلت عليه كالمطر، لو انها جاءت قبل سنة او اكثر قليلا، لتمكن ان يحقق حلمه العتيد بنيل الدكتوراه من أشهر جامعات العالم، كامبردج، أكسفورد، هارفرد.. ولكن حلمه تلاشى مثل غيمة صيف عابرة، فقد الحلم سحره، وأنه سيفشل لو قرر ان يدرس، راح يخاطب نفسه، ما جدوى الشهادة، عندما يكون المرء مذعورا،  كفأر في مصيدة، أمام الخماش وزمرته، وهو يراهم  يضربون الأستاذ مقبل، دون ان يحرك ساكنا.

ولكن بهذه الثروة سأعيش مع سيناء حياة سعيدة.

عاد القاضي بالأوراق وسلمها اليه، فشكره وانصرف، استقل سيارته، وفي طريقه للبيت، فكر ببيع المطحنة لأنها خرجت عن الخدمة، وتحويل ارض مخزن الحبوب، الى مجمع سكني، اما منزل الكيال فسيتركه للرجل العجوز وزوجته يعتنيان به..

اما بيت الأم ، فلن يفرط بحجر واحد منه، حتى يتهاوى انقاضا من تلقاء نفسه، وسيأتي اليوم الذي يعود حاجا اليه كما يحج المسلمون الى الكعبة المكرمة.

عندما ذهب نوح، استدعى حسن ذكرياته الجامعية مع صديقه، عندما كانا يسكنان معا في دار الطلاب على ناصية باب المعظم، حكى لأبيه جانبا من تلك الذكريات القديمة:

كان نوح ماركسيا آنذاك، ثم وجوديا، قرأ كل كتب سارتر، وسيمون دو بوفوار والبيركامو، ثم عكف على فردريك نيتشه، فقرأ كتابه هكذا تكلم زرادشت، وكان يقرأ علينا فصولا منه ، وكتب في مرحلة مبكرة من دراسته الجامعية، نصوصاً غريبة ومثيرة للجدل، نشر بعضها في جريدة يسارية، في عمود داخلي، تحت عنوان أوساخ، مزج فيها بطريقة صوفية بين التدين والوجودية، والأشتراكية، كان يصلي ويصوم، ويدخن ويشرب الخمرة أحيانا..

سكت حسن عند تلك النقطة الحرجة، على شريط ذكرياته، اوائل الستينات، وقال يحدث نفسه.. هنا يجب على ان اتوقف، لئلا يزل لساني بشيء، وافضح اسرار صديقي للسيد الوالد، المؤتمن انا على كتمانها، وعدم البوح بها، لأي كان، سأله القاضي عندما وجده ساكتا:

"استمر.. لماذا توقفت، هل كانت لديكما اسرار"

" ليس لدينا اسرار.. هذا كل ما أتذكره.."

"اريد أن أعرف عنه الكثير، هل كانت له علاقات نسائية ؟"

" طبعاً.. كأي شاب كان في نفس عمره."

" أتخاف أن تفضح نفسك يا حسن، من خلال الحديث عنه، ولكن لا بأس تكلم، للشباب نزوات، ولستما استثناء، إنها الطبيعة البشرية، أحب أن أعرف عنه الكثير."

في تلك اللحظة رن جرس التلفون فانتهز حسن الفرصة ليتهرب من استجواب ابيه، رفع السماعة، وبعد إنهاء المكالمة، استأذن، متذرعا بضرورة مغادرته فورا، وبتلك الحيلة التي لم تنطل على والده طبعا، تخلص من موقف محرج، وقال يحدث نفسه وهو في طريقه لمكتبه الكائن في شارع بغداد، مقابل الفرع المؤدي لشارع التربية، كدت أن أكشف سر صديقي، لأن والدي القاضي لن يكف حتى ينتزع مني المعلومات، التي يريد معرفتها، فأقول له:

كنا نذهب لبيت.. نشرب ونلهو، كل واحد منا ينام مع إمرأة يختارها، وكان نوح يعرف واحدة ليست جميلة، كان يختلي بها وقتاً أطول منا، ولكني اكتشفت عن طريقها، أنه كان يتحدث معها طوال الوقت دون ان يمسها، ينصحها أن تترك هذا المكان الموبوء، وكان قبل أن يخرج يعطيها نقودا أكثر منا، كانت البنت تحبه، وحكت لي انه كان يبكي كل مرة يأتي اليها، وحلفتني واقسمتُ لها، ان أكتم سره، فلو كشفته الآن لأبي، لحنثت بقسمي والعياذ بالله، ولقال: عجيب.. هل يعقل أن يكون نوح عنينا، وعند ذلك سأضطر الى نفي عجزه الجنسي، وسأحكي له أنه كان يريد اقناعها على ترك المهنة ويتزوجها، ونجح فعلا وعاش معها في شقة صغيرة، ولكن عاد احد الأيام ولم يجدها، وذهب لبيت الدعارة التي كانت تعمل به، فطردته القوادة التي تدير البيت، وهددته بالشرطة، إن استمر على المجئ  والسؤال عنها، شتمها، وبعد ذلك يئس وكف عن الذهاب، هذا هو صديقي نوح الذي عرفته زميلاً في الجامعة، وصديقاً احبه..

كان يحب الناس العاديين، وكانوا يبادلونه الحب.

لم يخرج نوح من بيته تلك الليلة، وعندما ذهب لينام في ساعة متأخرة، نزع سترته ورماها على السرير، فسقطت السكين التي خبأها بملابسه، برق نصلها تحت ضوء المصباح، دفعها بقدمه تحت السرير، تراجع للوراء، تساءل أكان فعلا ينوي قتل الخماش! واجاب، لا يليق بي ان افعل ذلك، فقتله لن يغير شيئ . سقطت فكرة قتله كما تسقط ورقة خريف ميتة..

كان أول قراراتخذه بعد تخليه عن فكرة قتل الخماس، الاعتكاف غدا الجمعة قبل طلوع الشمس وحتى الغروب، يتأمل، يُقلب جميع ملفات حياته بتأن وروية، يراجعها بهدوء ومزاج رائق، عندئذ ستكون النتيجة جيدة ومضمونة مئة في المئة، لحل جميع مشاكله الشخصية والنفسية.

وبينما كان مضطجعا في سريره، مستغرقا في التفكير، رن التلفون في الصالة، قام والقى نظرة خاطفة على ساعة الجدار، كانت الواحدة بعد منتصف الليل، فقرر ألا يرد، وهو لا يعلم ان سيناء كانت على الطرف الآخر من الخط، تحاول يائسة الاتصال به مرة او مرتين، كل يوم دون جدوى، منذ ان غادر بغداد، وكانت تلك المحاولة السابعة الفاشلة..

تساءل في تلك اللحظة عن سيد هارتا، حين غشاه التيقظ، فصار بوذا، تَذكُرْ الرواية، انه رأى الحقيقة (النيرفانا) ساطعة كالشمس في رائعة النهار.. ولكن بوذا عندما عجز في الواقع كإنسان، عن إيقاف عجلة الولادة والموت من الدوران، والتي هما سبب كل الآلام، التجأ للنيرفانا كوسيلة لتخفيف الألم وليس الخلاص منه..

اما ارنولد توينبي فتحدث عن الانسحاب والعودة، في كتابه دراسات التاريخ، بطريقة علمية، فالذين مروا بتلك التجربة، خرجوا منها بفائدتين متلازمتين: التأمل والتفكير العميق بأحوال الناس السيئة ثم العودة لتغييرها للأحسن، وقد استلهم الأنبياء هذا المنهج.

أنهى نوح اعتكافه كما كان مقررا، ولم يحدث شيء مثير للدهشة ، كان خلال فترة الإعتكاف القصيرة، يدخن مسترخيا، يقلب أوراق مذكراته، ويستمع لأغاني فيروز، ولمقطوعات موسيقية مختارة لأشهرالمؤلفين الكلاسيكيين، وخاصة بيتهوفن الذي يحبه..

كانت أولى ثمرات الاعتكاف، عدم اضطراره للخروج، وحضورالاحتفال، الذي اقامته المنظمة الحزبية، بمناسبة الانتصارات العظيمة، والمتلاحقة على امتداد جبهات القتال. صفق فرحا ورقص، لأنه تخلص من سماع كلمات الخطباء الجوفاء، وقصائد الشعراء الحماسية، التي تمجد الحرب، وقال في نفسه.. الحمد لله الذي كفاني الإحتفال بيوم تسفك فيه الدماء دون مبرر..

وعندما رن التلفون في الصالة، الساعة الثامنة مساء، أفزعه الصوت، وخز ذاكرته، فرقع فقاعات الخوف، ولكن وجود امرأة جميلة كسيناء في حياته، جعل قلبه يخفق سريعا، وتمنى لو انها في تلك اللحظة على الطرف الآخر من الخط.. أنب نفسه لأنه لم يتذكرها طوال الأسبوع الماضي، سوى مرة واحدة، عندما هنأه رجل الدين المندائي.

عندما ألصق السماعة على اذنه، فوجئ بصوت الخماش، دار حديث قصير بينهما، انتهت المكاملة، تساءل نوح: ما الذي ذكَّره بي، ولماذا طلب مني ان اراه غدا.. لقد ضعفت علاقتنا منذ ان تولى منصبه، وماتت عندما خدعني، ولم يف بوعده بإطلاق سراح الأستاذ مقبل.. ماذا يريد مني هذا الوحش.. ولكن قرر ان يذهب اليه، فكان مجرد التفكير بالذهاب لتلك الدائرة الأمنية المرعبة، يثير القاق والإضطراب النفسي، والاحساس بعدم الارتياح، وبشيء من التوجس، واستلاب الإرادة الحرة..

استقبله مدير الأمن، جلس الرجلان وجها لوجه، بينهما منضدة المكتب، المغطاة بلوح زجاجي شفاف، ترك الخماش مسدسه في وسطها، وخلفه على الجدار المقابل لنوح، صورة كبيرة لرئيس الجمهورية.

عرف نوح هذا الرجل، اول مرة في منتصف الستينات، وبالتحديد في العهد العارفي، كان آنذاك مبعدا سياسيا، وموظفا صغيرا في دائرة الأحوال المدنية، رجلا مغمورا وغريبا عن المدينة التي حل فيها، ونزيلا بفندق في شارع دجلة، وكان الأستاذ نوح قد تعين آنذاك مديرا لمصرف الرافدين، وقد اسدى لسليم خدمات كثيرة، عرَّفه على اصدقاءه، ودعاه الى بيته بمناسبة او بدونها، وساعده ماليا احيانا، ولكن لم يكن سليم حريصا على سمعة صديقه الطيبة، فإستغلها باقتراض أموال تافهة، من هنا وهناك، كان ينفقها على الخمرة والقمار، وحفلات الغجر الراقصة، ويتوارى او يماطل عند المطالبة، فيضطر الأستاذ نوح لتسديد ديونه..

كان يتملق الناس بتقبيلهم بمناسبة او بدونها، ثم ابطل هذه العادة، بعد ان تعين في منصبه الحالي، فتحول الى شخص مغرور ومتعجرف، ولكنه احتفظ بعادة سلب ما بيد الآخرين، عندما يراها، وتثير اعجابه، فكان لا يتردد بخطفها، بمجرد انهم يقولون: "قدامك.. أي تفضل" فراح الناس يحذرون من اظهار اشياءهم الثمينة امامه، خاصة سبح الكهرب، لان خرزها الصفراء كانت تسلب عقله، فيمد يده ويخطفها، اما وقد تولى منصبا هاما، فلن يجرأ احد ان  يتنازل عن شيء ثمين، فصار الخماش مضرب الامثال في ذلك..

وبعد زوال الحكم العارفي، اعتلى سليم ظهر الموجة التكريتية الصاعدة فجأة، حتى اوصلته أخيرا، وفي غضون سنوات قلائل لمنصب مدير امن المحافظة..

هذا باختصار شديد تاريخ الخماش العلني، اما السري فلا يعلم به الا الله.. كان يتباهى دائما امام الناس انه من أقرباء الرئيس المقربين، أي بالتعبير الميساني: (واحد من حبال المضيف)

نسى سليم عطف ام نوح عليه، وعشرات المرات التي دعته ليأكل في بيتها، ويشرب الشاي المعطر بحب الهال، مع ابنها، والقيلولة بعد وجبة غداء دسمة، كان يطلب بلسانه ما يشتهي من أصناف الطعام الميساني الشبوط، البني، ويحلو له تجاذب أطراف الحديث بعد العشاء حتى منتصف الليل.. تناسى كل ذلك، وتنكر لنوح الذي كان صديقه القديم.

وحينما جلس الأستاذ نوح امامه، دارت اسئلة الخماش حول وفاة الأم، وعن السبب في عدم اقامة العزاء، فكان جواب نوح انه تبرع بنفقته لمساعدة امراة فقيرة، ام الشهيد الضابط حنون، فتبجح الخماش بكرم الرئيس لأسر الشهداء، ورد نوح ان ما قام به كان مساعدة انسانية لجارة قديمة. انتهز الخماش الفرصة للإظهار وطنيته.

"نحن كلنا مشاريع استشهاد من اجل الحزب والثورة." رد نوح

"والوطن ايضا."

نظر سليم لنوح شزرا من زاوية عينه، باستخفاف وتكبر..

" طبعا.."

إنتقل نوح للحديث عن عدنان، وقال انه استشهد بنفس الوقت.

قاطعه سليم متسائلا.

"عرفته، المعجب بنفسه كالطاووس، والمتأنق دائما كالبنات."

"انا اعرفه سيادة اكثر منك .. هو ابن محلتي وكان.."

قاطعه سليم بخشونة.

" اعرف استاذ نوح.. تقييمك قائم على الشكل والمظهر، وليس على الشجاعة والرجولة."

"هذا الشاب سفرتم عائلته الى إيران، بينما كان في الجبهة يقاتل الإيرانيين، والمحزن انهم لا يعرفون.."

قاطعه سليم مرة أخرى، ضاحكا بخبث، واستعرض امامه تلك الحركة المزعجة،  التي يشمئز منها، مسح شفته العليا بطرفي السبابة والابهام، وانزالهما للأسفل على جانبي الفم، كانه يرسم باصبعيه دائرة حول فمه، او ليزيل مادة بيضاء في زاوية الشفتين، تحصل عادة من كثرة الكلام دون انقطاع، او أحيانا يفعلها الشخص لمجرد عادة مستحكمة،لا يستطيع السيطرة عليها، فيكررها بين الحين والآخر، وهو مستغرق في الحديث دون ان ينتبه لذلك.

" لا تحزن.. الذين شملهم مبدأ وحدة العائلة سيجتمعون وراء الحدود، وهؤلاء هم المحظوظون، اما الآخرون فسيجتمع شملهم في الآخرة، فاذا كانوا اخيارا اجتمعوا في الجنة وإذا كانوا اشرارا اجتمعوا في النار.. والله يعلم أين سيجتمع بهم!"

فكر نوح ان جدلا مفتوحا بلا حدود مع سليم الخماش سينتهي حتما الى مزالق خطيرة لا يحمد عقباها، فسكت ونظر لساعته.

"هل لديك موعد."

" لا.. ولكن احضر نفسي للسفر غدا الى بغداد ."

" هل تعرف شيئا عن موسى الكيال اين هو الآن؟"

" هل جئتك هنا لتستجوبنني أم جئت لزيارة صديق قديم!"

" لا. لا.. هذا السؤال خطر لي الآن أستاذ نوح."

فكر نوح لو كان سليم الخماش يعرف انه ابوه، لفاجأه..

" لم اره.. كنت طوال فترة وجودي في بغداد، مع امي في المستشفى.."

قاطعه.

" سمعت انك استقلت من وظيفتك، ماذا ستعمل؟"

" اعمال حرة.."

وبابتسامته الصفراء التي ينزعج منها نوح، لم يترك الفرصة تفوته لكي يتبجح بأهميته وقوته..

"وسنوفر نحن لك الحماية والأمن، لنجاح مشروعك."

فكر نوح ان موضوع المال والثراء والغنى، مفردات يتحسس منها سليم الخماش، ربما بسبب عقدة الفقر، فما ان يذكر المال في حديث، حتى يثير حفيظته، فيتقمص شخصية الرجل القوي الحامي لحياة الناس، اعراضهم وأموالهم. لذا لم يعلق نوح على كلامه بشيء..

وعندا قام نوح ليودعه، وقف سليم الخماش متثاقلا، وصافحه من وراء المنضدة بطريقة تنم عن كبرياء، خرج نوح تاركا الباب مفتوحا وراءه، تنفس بعمق هواءً نقياً غير ملوث بغطرسة القوة.

لم يبق امامه سوى السفر، ولقاء الحبيبة، التي تنتظر عودته، فكر انه لو قتل الخماش بالمسدس، الذي كان بينهما على المنضدة، لكان عملا في غاية السهولة، بمجرد ان يمد اليه يده، ويطلق عليه النار فيرديه قتيلا.. ولكن تلك المسافة القصيرة التي كانت بينهما والتي لا تزيد كثيرا عن المتر، ستنقلب الى بحر متلاطم الدم، سيكون هو على ساحل وسيناء على ساحل آخر بعيد لا يرى..

شكرا لمتابعتكم

يبتبع

 

صالح البياتي

.................

حلقة من رواية: بيت الأم

 

في نصوص اليوم