نصوص أدبية

لَيْسَتْ الدَّهْشَةُ وَحْدهَا جَوَابًا لاسْمِي

بليغ حمدي اسماعيللاَ تَعْتَذِرْ ..

أَغْلِقْ كِتَابَك فَلَيْسَ لَكَ حَظٌ مِنَ التَّأْوِيْلِ

وَدَعْ مُخَاطَبَتِي، فَلَسْتُ بِأَقْضَاكَ،

وَلَنْ تَرْضَانِي نَصَّاً مُطْلَقَاً بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ

أَكْرَهُ أَنْ أحْمِلَ تَارِيْخَاً جَنِيْنَاً مُشَوَّهَ الأوْصَالِ

أَوْ أنْ أُشِيْرَ إلى هَوَسٍ، ودَهْشَةٍ أُخْرىَ،

غَيْرِ الجِنِّ الذي اعْتَادَ أنْ يَنْدِبَ حَظَّهُ نَهَارَاً

هَارِبَاً مِنْ سُؤَالٍ يَبْتَسِمُ مَهْزُوْمَاً،

أنَا لَمْ أَخُطُّ هَذي السُّطُوْرَ الكَئِيْبَةَ مُنْفَرِدَاً،

                         عَلَّهُ مَفْتُوْنٌ باللَّغْوِ أوْقَاتَاً،

وَحِينَ يَنُوْءُ بالبَرْدِ .. يَمُوْتُ قَبِيْحَاً ...

إنَّهَا فِتْنَةٌ تَنْقَضِي حِيْنَ تَسْتَعِيْرَ عِفَّةً وهِجَاءً،

وَكُلُّ لَيَالِيْنَا التي مَضَتْ دُوْنَ قَمَرٍ تُؤَامِرُنِي،

أهْوَى الفِتْنَةَ، سَاعةَ ما تُقَوِّضُ هُوِيَّتِي،

                           وَنَاصِيَتِي شَظَايَا،

وَعَشِيْرَتِي قَلِيْلةٌ جدَّاً مِنَ الهَوَسِ،

                           لَكِنَّهَا تَتَّسِعُ للفَضَا ...

مَطْعُوْنٌ ؛

مِن كُلِّ المَدَائِنِ التي تَرْفَعُ رَايَاتِها شَمَالاً،

وَأَنْفِي الطَّعْنَ من كائِنِاتِهَا،

وأكْتُبُهُ شِعْرَاً، أوْ صَيْفَاً، مَنْ أَطْلَقَنِي،

                             حِيْن أَعْتَذِرُ للحَرِيْقِ ؟ ..

لا تَعْتَذِرْ،

وَلَيْسَ نَصَّاً مُحْكَمَاً أنْ تُغْلِقَ كِتَابكَ،

فالوَصْلُ يَنْقَطِعُ حين يَكتَمِلُ تَمَامهُ،

والمُوْسِيْقَى مُدْهِشَهٌ حَقَّاً، عِنْدَمَا نأْتِي مُرْهَقِيْن ..

لا تَعْتَذِرْ،

وامْتَقِع مَرهُونَاً بتَفَاصيْلِكَ المُخْتَبِئَةِ وَرَاءَ دَهْشَتِكَ،

وانْتَظِر قَلِيْلاً،

كَي أقْضِي بِفَتْوَى تُبِيْحُ الوَجَعَ الكَامِنَ ..

أيَّتُها المدينة التي بانْتِظَارِ وَقْعِ أقْدَامِيَ المضْطَرِبةِ،

لَرُبَّما لا أعُوْدُ ثانِيةً لأضْوائِكِ ليْلاً،

                            فأَنَا أسَّاقَطُ حُزْنَاً وهَرَبَاً،

وَلُغَتِي تُشْبِهُ الرَّفْضَ ؛ الذي كانَ قَبلَ أمْس ..

المَدِيْنةُ لَم تَعُد خَاوِيةً على  عُروْشِهَا،

                          لَكِنَّ الكُلَّ ليس بانْتِظاري،

أنا مُنْفَرِدٌ، دونما قَدَمَيْنِ مُضْطَرِبَتَيْنِ،

وَأجْزَائِي مُحَاصَرَةٌ عِنْدَ المَدَى،

أُصَلِّي دُوْنَ جَمَاعَتِي، لَيْسَ اعترافاً بِذَنْبٍ، إنَّمَا بَقَاءٌ ..

الطَّعْنُ ثَبْتُ بِوَقَائعِ أَيَّامِكُم، فلا تَنْفُوه،

                               وَحَقِّرُوه،

طالَمَا كِدتُ مَثْبُوْتَاً باحْتِفَالاتِكم اليوْمِيَّةِ،

إنِّي أَرْفُضُ الروايةَ كامِلاً،

فَلَسْتُ بِأَقْضِاكُم ..

إِنَّمَا بَعْض فِتْنَةٍ تَضْطَرِمُ بَقَايَاها ...

أيها الحزن الطويل .. رفقاً بي .

مشدودةٌ أوصالُكَ في أعمق الفَضا،

وأوصالُكَ  حيرةٌ  ومدىً،

تقنع بحدٍّ فقيرٍ للمنتهى

هاكمو أشواقي، باردةٌ حتى

تلامس أصابعَ دهشةٍ تشبه منتصفَ الأسبوعِ

في بلادي المتوسطة عصبياً..

لم يقل لي المنتمي شيئا عن هذا الصبي،

ولم يقم لي احتفاءً بسيطاً لملابسهِ الجديدةِ،

ضاربٌ في الأزلِ،

وسمكٌ وموجٌ مرسومٌ فوق وجوهِ البناتِ سراً،

هذا وقتٌ ملونٌ لعُمرِي،

ولأيامي مسَاحاتٌ يموت الواحد فيها..

ماتَ العاشقُ، أو انْمَحَى،

رُغم توسلات ذَوِيه التي مضتْ للطبيبِ،

ما عاد الصبي الساكن بي

                     يفطن فرقاً بين أرقام غرفته ؛

تلك التي تختزلُ بقاءَهُ،

وأرقام درجاته في امتحان قد مضى...

هذا النهارُ

أجئ متغلغلا أكثر في المدى،

ما يمكن لي أو لعصفور مشنوق وقع المحاولة

قنصا، أم طَوعاً،

أن يسأل بني تميم، أو هذيل، وشعاب مكة،

ومن سكن الحيرةَ مكاناً دونك،

وهوية إليك ...

أسْقطني في فوْضَى الهوسِ شَرَكاً سَهْلاً،

واقدِرْ

أن تخبرَ الجيادَ عنِّي، تلك التي تركتها ترنو ؛

في وجعٍ،

وأطِعْ المسَافاتِ الهاجِرةَ حاضِرةَ البحرِ،

ما أفجرَ اللُّقْيَا،

وأنا أوَّلُ صبيٍّ يقطعُ مقَامَاتِ البَوحِ ...

مَوقُوتٌ أنا بالشِّعْرِ،

هذا هو رَهَانُكَ الدَّيْدَني،

فاحْتِمَالاتُ بَقَائِي مَرْهُونةٌ بآلةِ تَصْوِيرٍ قَدِيمةٍ،

تَرْصُدَني،

وأنَابِيْبُ مَصْلٍ تُفْرِض على لُغتي صِراعَ المدِّ ...

وَحْدي ؛

أدْعُو أمْتعتي كي تُجَالِسَني في اشتهاءٍ،

وأكرَهُ الرَّفْضَ، مُنفرداً، أمْقُتُ بقاءً

ربما أجِئ فيه وَليداً جديداً،

أو عهداً من الوَحْشةِ والشَّمعِ،

أتَوَسَّطُ بِئراً يُباغِته الغَيظُ،

وأنِيْق، ورائعٌ جداً،

وأكثر نَزْفاً حين أتصرفُ مع الصبي كوزير مخلوع ..

مَجْموعٌ من الوَردِ أيُّها الصَّبي بأَحْرُفٍ تنقضي؛

باءُ البَرَدِ والبَوحِ حينما يَغسلُ الخاشعين،

وألِفُ أُحبكِ أولُ وَجدٍ، وأسَافِر، وألتَصِقُ بالأشياءِ

وهي تتَداعى في تفاصِيلٍ ضَخْمةٍ ..

فَكُنْ عَاشِقاً،

وكُنْ شاعراً لعيون البنات الجميلة،

وكن سَاحِراً دُون أَفَاعٍ تَسْعى،

واعْقِدْ صَبْراً يجري،

واعْلم حَدَّ اليَقِين أنكَ تصْبِح غيماً،

يَسْقط زَهْراً نَاعِماً،

وزيتاً للقَتلى حِينما يَسَّاقَطُون مَطراً ....

***

الدُّكْتُورُ بَلِيغ حَمْدِي إسْمَاعِيل

 

 

في نصوص اليوم