نصوص أدبية

والمَوْجُ يُسَطِّرُ نصَّ بَقَائِهِ

بليغ حمدي اسماعيلواقفٌ كُلِّي مذلَّةٌ،

إنِّي حيٌّ حتى آخرِ النَّزْفِ،

هذا الضَّجِيجُ الذي يُسْمَعُ من

أعْلى فُوَّهَةِ بُركانٍ .. هُو صُوتي

والتَّمْتَماتُ التِّي تَصْعَدُ مِن أفواهِ جُنودٍ،

بانْتظار قرار شَقِّي،

ويُنادِي رَجُلٌ يرتدي زِيَّهُ المعجونَ بالغبارِ والرَّفْضِ،

لا تَقفُوا هكذا،

أمامَ سِياجٍ من الأمْتِعةِ المدنيَّة؛

مَرايَا، أجهزةِ الراديو، وقَليلٍ من الفطائرِ الريفيَّةِ ..

يُؤلمني أيُّها الآخر المسْكونِ بالدَّهْشةِ

أنني أموتُ يوماً ما بالشِّتاءِ القَادِمِ،

وتسْتَحيل كِيمْيَائِي رَمَاداً وثمَّة غُبَارْ ..

لا توجد في دفترِ العَطَشِ امْرأةٌ ؛

باسْتطاعَتها تخفيف وَطْأةِ المَوْتِ المتأخرِ

البرُونزُ يكسُو كُلَّ الوجوهِ المتشققةِ،

لا أحد يحملُ مَوقفاً إنْسَانياً،

أو سَمْتاً

يُعالجني كَمُؤسِّسٍ لنَصِّ البَقاءِ ..

ها أنا أدْخلُ جَسَدي ثَانيةً،

مثلَ ثَوري يَدخلُ مُقدِّمةَ التَّارِيخِ ؛

جَمْعُ صُراخٍ لا ينتهي،

وأوجاعٌ تنقشُ تفاصيلها فوق أوردتي،

بَقايا تُرابٍ بِفَمِي،

هذا احْتِفاءٌ رائعٌ للصَّدَى،

وللحُلْمِ الذي يَنْطَفِئ بانْتِهائي،

أيهذا اللامنتمي الجَالِسُ أمامَ دَهْشَتي

عَلَّكَ حين تُمْسِي إلى نَخِيلكَ، تُعْلِنَ دَوِي أحْزاني،

وتجترُّ ما تَبقَّى بِفَمِي / دَمي ..

أيها القَاصِي،

هذا المسَاءُ إنْ يَفْجُؤنا بِتَميزهِ ؛

                 الضَّارِب في جُذورِ صَخَبِه

نَتلوَّنُ بلون المقَاعِدِ البُنِّيَّةِ الصَّامتةِ،

هذا احْتواءٌ بالمَدَى ..

عَارٍ،

حتَّى من أبجَديَّتي وهَوْسِي وبَقِيةِ دَهْشةٍ،

إني حَيٌّ حَتَّى آخرِ النَّزفِ،

افتحوا البَابَ ..

افتحوا البابَ ..

إنِّي أسْمع أغنيةً خلفَ البَابِ تُناديني

شَاحِبٌ،

وأَزْدَادُ بَشَاعةً،

وأدَّعِي الضَّجةَ حتى النهايةِ ..

بغيرِ مَلامحِ أنبُضُ سِكِّيناً،

تكفي صَفْعةٌ واحِدةٌ كي أصْمُتَ وَحيداً،

وأجْتَرُ أحْزاني التي تُراودُني لحْظةَ الخُروجِ من جَسَدِي ..

مُتدثِّراً أدخلُ خَارطةَ النَّزفِ الأخيرِ،

أحمِلُ بَيانَ السِّرِّ القَصِيدةِ،

الكِبريْتُ بانتِظارِ اشْتعَالهِ،

يَكفي قَرارٌ جماعيٌّ كانتحارٍ

حتى يُعْلنَ أن الفضيحةَ اشتهاءٌ ..

أيها التَّحْتِيون / التَّواصُلُ

أوَّلُ الكَلامِ جَسَدي،

             والحريَّة انتهاؤُهُ،

من يعْبَث حَقاً لأَجْلِ بَقاءٍ

أو أن يتفاوضَ قليلاً، ويهاجمَ العتمةَ / رفضَكم

             سواي التَّفاصيل ..

خذوا ما تَبقَّى مِن انطفاءٍ بنوري،

قولوا : إذن مَاتَ الرماديُّ النورانيُّ أعضاؤه،

قولوا لصديقتي

أنني أعلمُ حبَّها،

القضيةُ أنني اللغةُ التكوينُ ..

مُتدثِّراً أخرجُ من حكاياتِ " أوليس "،

ومن عَرَقِ الفلاحين،

وأكون اشْتعالاً وهوْسَاً،

أقولُ وداعاً للأشْجارْ،

وللسَّاعاتِ التي تخشى سَطوةَ الانتظارْ

أحوالكم لا تسألوا عنها، أقرأوها في سمتي

وصبَاحاتي التي تغتصبَ الوزنَ،

وتبطش بعذريةِ الكلماتِ التاريخِ،

متدثراً أمرقُ دونما انْفِلاتٍ للمَدَى،

وغيمٌ قابَ قوسين أكثر إجْهَاضاً للمَطرِ،

   القضِيةُ أنني لا زلتُ اللغةَ التَّكْوينَ،

واللغةُ أبجديتها الرَّفضُ،

والمساءاتُ التي تمحو ذاكرةَ السُّكوتِ ..

مِن أجْلِ بقاءٍ قصيرٍ

من حقِّي أن أتفَوضَى / أحْيَا

من حقِّي أن أمَنحَ الحريةَ للكلماتِ، والدَّلالةَ للبحْرِ

لَكِنْ

ليسَ من حقِّكم أنْ تختبئوا وسْطَ دهْشتي،

إنها لي وحْدي .. إنها لي وحْدِي ..

***

الدكتور بليغ حمدي إسماعيل

 

 

في نصوص اليوم