نصوص أدبية

عبد العزيز قريش: أنا لست أنا

عبد العزيز قريش(مهداة لكل نائم تحت ظلال الذكريات)


 أنا لست أنا،

وما عدت أنا!

أنا بقيت حيث كنت أنا،

على شرفات الماضي،

وطرقات ما نسيتها،

ما سقطت من خطوات مشيتها،

إلى محراب ذاتي،

سجادة أحلامي،

حيث كنت هناك أرتق الذكريات من رقع الحياة،

أرسم بألوانها زهرة عمري،

أقحوانة مزهريتي،

أحلام أملي،

لكن؛

ما أن شربت من معين روحي،

حتى ذبلت في خريف عمري،

ما غدت ملامحها ترقد على كتفي،

تغرق في بحر حبي،

هي قبلة على شفتي كانت،

ضن علي بها المشيب في نهاية الطريق ...

لعلها تبقى ذكرى مرت من هنا،

رسمت خديها على كفي،

محت ذاتي بذاتها أقلام أصباغها،

حفرت خطواتها على أوراق حياتي،

كتبت اسمي بحروف اسمها،

مازلت الساعة أرقب عودتها،

لعلي أكون من أحجار عقدها،

لكن؛

أنت لست أنت،

وما عدت أنت!

المسافة بيننا قريبة كحاضر،

بعيدة كأمس،

تنتهي فيما مضى ...

وما انتهى؛

وانقضى من حرفين،

حاء وباء،

بقايا نار من جذوة موسى،

صليب عيسى،

(2)

آه؛

طيفك فوق طيفك،

سيف وسيل بعد قيد؛

ألم،

جرح،

 دم،

عذاب ثم قتل؛

صلب؛

إكليل ورد على شرفات قبر،

رفات حب مسجى

على شغاف قلب؛

آي قرآن،

قداس وداع،

وموكب جنائز

معتق بعطر العاشقات،

وبالمخمورين،

 الهيام المتحمسين،

للموت على ضفاف نهر العشق؛

وهذيان النوم،

والسكر،

وبقايا اللمس،

والهمس،

والغمز،

والطرب،

ثم النوم على أطراف الجسد؛

المغمور بالماء،

 واللثم والدمع؛

(3)

آه؛

ما عاد الطيف يراودني،

ولا يمسح غبار السنين عن غضون وجهي،

لا يلامس رسائلي،

ولا يقرأ

دفاتري،

لا يكتب ذكرياتي،

لا يحن لصدري وأحضان عشقي،

لا يتذكر اسمي،

كل شيء بلا؛

موجود،

مركون في ذاكرتي؛

أوقظه صباحا ليخبرني،

عما مضى وانمحى من عمري،

وما في فنجاني من أحلام،

وآمال،

ومرتقب أيام؛

لعلي أنتظرها في بداية المشوار

باليتم،

والندم،

على خربشة الجسد بكل الأحزان،

والآهات،

وبقول الفقيه المبجل المرقن بماء الذهب،

 على وصايا العزاب:

الحاء والباء،

حرفان محذوفان من شجرة المشيب الذابلة،

في آخر الزمان،

لا يقربهما إلا من توضأ،

 بماء الشباب،

والطيب،

وخلا من العيب،

ما أنا .. يا فقيه؛

 بمتوضئ،

ولا بمطيب،

بلا كفن،

ولا حنوط آت من رقاد،

رماد جمر وحجر،

ودخان،

وانفجار بركان،

حاملا

 كل الصلبان وأسماء الشهداء،

أكاليل الزهور إلى قبر الحب

والعشق والنار،

فلا تغرق مراكبي

وأشرعتي،

ولا تنزع عني مجاديف ... حياتي،

فتغوص روحي في بحار وأنهار،

تبحث عن ذاتي التي

نأت بنفسها عن ذاتي؛

هي التي غمرتني مرة وتركت

طيفها في بستاني يقطف

 زهر شبابي ثم ...

 ينساني،

***

عبد العزيز قريش

فاس في: 28/11/2021

 

 

في نصوص اليوم