نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: وداهمها حلم

دأبت ألا تعود للبيت الا متسربلة في ظلام الليل، وكما تخرج مع آذان الفجر مقمطة في خرق الظلام، كذلك تعود محترسة ألا يراها أحد؛ تركن سيارتها قلب مرأب العمارة، ثم تلج البيت، فتبادر الى الحمام، تخلع عنها كل ما ترتدي، وما ترتديه لم يكن قليلا: خرق ملفوفة على بطنها وصدرها، قمصان بالية، صدريات صوفية، وسراويل ألوانا وأشكالا، كل ذلك تحت جلباب أترب فضفاض بمرقعات من ألوان شتى..

تفتح خزانة كبيرة من خشب العرعار، تخفي كل ما كانت ترتديه، تضغط على زر في عصا معدنية مجوفة لا تفارقها، تفرغ ما في تجويفها في طبق من الدوم، تضغط على زر ثان، فتتداخل أجزاء العصا بعضها في بعض، تضعها مع الملابس، تقفل الخزانة بإحكام، ثم تدلف الى الحمام..

تخرج أنثى تعبق بعطر، قوام معتدل ممشوق، تستَّر برداء وردي، عيون تشع بحَور وذكاء، شفاه وردية لامعة، ولون قمحي، كأن انعكاس الشمس اليومي عليه قد ظلله ببهاء، انتعاشة قوية تسري في كل جسدها...

بقن سري تفتح خزانة حديدية مدفونة في جدار غرفتها، خلف مرآة بلورية عتيقة، تفرغ طبق الدوم داخل الخزانة، ثم تعيد المرآة الى مكانها، تخلع رداء حمامها ثم تندس في السرير..

زهرة أنثى ثلاثينية بجمال موهوب، شخصية منسجمة في نظر كل من يراها، وكأنها قد أدركت ما تريد، تقنع محدثها بما حرصت على جمعه من معارف، مذ كانت طالبة في الكلية، وما أكتسبته من خبرات في أكثر من مهنة، لا تكاد تمارسها حتى تغادرها، وفي عقلها الكثير مما كونته عنها، لا تتردد في قول "لا" اذا كانت "لا " هي ما قد يبعدها عن شبهة او يكشف سرا من اسرارها، وقد مرت بمواقف كثيرة كان السبب فيها جمالها وأطماع الرجال من مختلف الأعمار..

شخصية تتحدى الجميع.. لا تحفل بذي نفوذ، أو تأكل بلسانها أحدا، فهي مترفعة عن كل ذلك، كما أنها لا تبدي رأيا حتى يكشف الكل كل أوراقه...

لم تكن زهرة غيرابنة بيت فقير معدم، الاب يتسول بالنهار، والام أنثى مريضة، لا تتحمل العمل في بعض البيوت الا لتتكفل بدراسة زهرة التي تشب ولها رغبة قوية في التعلم، وميل فطري الى كل ماهو أنيق جميل، تسعد لمرآه بلاطمع..

كانت زهرة تجتاز مراحلها التعليمية بلا عسر، وقد اختارت الجامعة على غيرها من المعاهد لانها بلا مقابل، ولتضمن منحة تعينها على الدراسة بعد أن توفي الأب، ثم لحقت به الأم..

تخرجت زهرة من الجامعة وقد وجدت نفسها وحيدة لا تملك غير مسكن صغير كان قد وهبه أحد المحسنين لوالدها يستغله قيد حياته، مات الوالد، وتبعته الأم ولم يظهرلصاحب البيت أثر.

اول عمل شرعت فيه، كاتبة عند أحد المحامين، لم يشغلها لشهادتها وانما طمعا في جمالها، لهذا ما أن تسلمت راتب شهرها الأول حتى غادرت بلا عودة..

بعد شهرين بلا عمل استطاعت أن تعوض احدى بنات المبيعات في متجر بأحد المركبات التجارية، وقد أعجبت صاحبة المتجر بمهارتها وأمانتها فكلفتها بالصندوق..بعد أربع سنوات حل بالمتجر زوج السيدة ليعوض زوجته التي سافرت الى الخارج للبحث عن جديد التقليعات النسائية، فبدا يتحرش بها، كانت تتخلص منه بكل لباقة الى ان تسلمت ما بذمة المتجر ثم غادرت بلا عودة..

آمنت زهرة أن لعنة الانثى هو جسدها، ولو اجتمع الفقر والجمال في أنثى لصارت اللعنة قبرا مظلما، وقهرا يتوهمه أصحاب المال منطق حياتهم..

بعد خمسة اشهر من مغادرتها المتجر، أتاها ابن صاحب البيت يطلب بيت ابيه المتوفى، وقد عاد من الخارج ليتسلم البيت مع بنايات أخرى قديمة كانت مهملة آيلة للسقوط لإعادة بنائها كعمارة في حي شرع يتجدد بعد أن أعيدت هيكلته، تأسف كثيرا لموت والديها، ومنحها تعويضا ماديا محترما تستعين به على حياتها، كما وعدها بشقة في العمارة بثمن الكلفة، ثم عرض عليها مسكنا اقتصاديا للإقامة فيه الى ان يتم بناء العمارة..

ست سنوات قضتها في مسكنها الاقتصادي اشتغلت في أكثر من عيادة ومتجر ومقاولة، ما ان تزيغ عين أحد عليها حتى تصابرالنفس الى ان تتسلم أجرتها ثم تغادر بلا عودة ولاضجة..

خلال كل سنوات عملها لم تكن زهرة تفكرالافي طريقة تحقق لها الأمن والأمان؛غيرها من البنات كن يعشن الوهم من خلال هواتفهن في عالم افتراضي، من عالمهن يستمدن طمأنينة مزيفة:كذب ونفاق، كثيرات وقعن في اسر عالمهن الى درجة المتابعات القانونية، وأخريات صرن بياعات للهوى مقابل تحويلات بنكية او حوالات بريدية..

لم تكن زهرة من الصنف الخيالي الواهم، الذي قد يتعلق برجل عبر حديث عابر أو رسالة الكترونية، أو حتى دعوة لغذاء أو عشاء، فهي تعي ألا رجل قد يزعم على الارتباط بها، لأنها بلا ماض تليد، أو نسب عريق، أو غني موروث فلا تملك غير جمال هو ما يسيل لعاب الرجال، واليها يشدهم بنفاق، وهي ابدا لن تخضع لتلوث خلقي قد يرميها بين ثنايا حياة نتنة في مرحلة شبابها القصيرة...

كانت تريد أن تمتليء بشحنة عاطفية حقيقة، لايهم من اين تتداعى عليها، لكن أن تحققها برغبتها وارادتها، بالحس الجمالي الذي يسكنها والذي تريد ان يحيط بها، في مسكن يكون لها، وأثاث هي من تقتنيه بذوقها، وعلاقة حب لاتكون نزوة عابرة وانما مصلحة مشتركة موثقة، لن تكون فيها تبيعة مسلوبة او عنيدة متنطعة..

البعض ممن درسن معها من الوصوليات صرن مديرات مقاولات، وسياسيات لايغيب لهن وجه من وسائل الاعلام، في حين ان أخريات متزوجات يتشربن عبودية البيت وتربية الأبناء وقهر الأزواج، وغيرهن مطلقات قانعات ببيت الابوة أو متسكعات في الشوارع..

..وداهمها حلم ليلي.. صار يتكرر ليلة بعد أخرى، ترى نفسها صغيرة من أيام الدراسة الابتدائية، والدها يركب فيلا و يقول لها اتبعيني.. لاتلبث أن تركب الفيل خلفه، ثم تجد نفسها تشق جبلا وكأنها تعرف وديانه وفجاجه، حتى اذا صعدت القمة وجدت نفسها وحيدة بين أكوام من الذهب والفضة...كلما تكرر الحلم كلما شدها اليه بتعمق دراسة وتحليل، ثم مالبثت أن أدركت المعنى..

في حرفة أبيها لن تكون مغلوبة، عزمت، خططت ثم نفذت.. أتقنت بذوقها كيف تتخفى وراء حقيقتها، كيف تكسب مالا يوميا لم تكن تربحه من كل الأعمال التي مارستها بعفة وطهارة نفس، اخترعت معينات ووسائل تحقق بها أمان نفسها من لصوص وأطفال الشوارع الضائعين، لم تكن منبهرة من دخلها اليومي عن طريق التسول فهي تدرك أن ما يكسبه اليوم كل متسول هو أكبر بكثير من دخل أي موظف بشواهد عليا، فقد استطاعت تأثيت الشقة التي اشترتها من صاحب العمارة، وصارت لها سيارة أنيقة، كما اشترت شقتين من النوع الاقتصادي في تجزئة سكنية قريبة منها.أمنت بكرائهما ما يكفيها في باقي حياتها..

تصحو زهرة مع وقت الظهيرة، تغتسل، تتناول بعض الفواكه ثم تفتح خزانتها الحديدية، تفرغ ما فيها، ترتب الأوراق مع الأوراق، والقطع مع أخواتها ؛ يتحرك في صدرها حنين الى طفولتها، الى أمها وابيها، الى كل ما حلمت به في صباها وشبابها، فتترك لعينيها حقا من الدموع بعد فرحة تغمرها، تطرق قليلا برأسها الى الأرض ثم تحدث نفسها:

"أخيرا اكتشف حزن أبي وما عاناه، كان حزنه هو الإنسانية التي كان يغمر بها عشنا الصغير الحقير، راضيا بقهر التسول ومذلة النفس، ربما تلك المذلة منه والصبر والجلد من أمي هو ما هذب نفسي وعلمني الصبر والاحتمال فارتقيت بعواطفي وخلقي وذوقي مع كل من تعاملوا معي بسوء ظن وطمع واحتيال ؛ كنت صارمة في طيبة، كمذاق الحياة لكن بلا نفاق ولا شر "..

تقصد خزانة الحمام المرمرية، تلملم كل مافيها في كيس ثم تحمله الى صندوقة سيارتها..

ست سنوات، هي المدة التي لم تعرف ساكنة العمارة من هي زهرة صاحبة الشقة رقم 21 من الطابق السابع سوى أن من تسكنها امرأة وحيدة، اشترت لها بنتها الشقة، وسافرت للعمل في احدى دول الخليج، حارس العمارة وحده والذي كانت زهرة سخية معه، كان يعلم، بخروج السيدة قبل الفجر بقليل، ولا تعود الا ليلا، وقد دفعه الفضول ليسألها يوما فادعت ان لها أختا مريضة بالرعاش وزوجها مصاب بالزهايمر، يسكنان في مدينة قريبة، تقضي معهما اليوم الى ان يناما، ثم تعود لبيتها..

لاحظ الحارس أن السيدة مذ خرجت من شهر تقريبا لم تعد، حين اتصل بها هاتفيا للاطمئنان عليها، اتاه الرد كونها في بيت أختها التي توفى زوجها، ثم لحقت به اختها في اقل من أسبوع..

حين هاتف الحارس زهرة، فالرد لم يكن يأتيه الا من مدينة بورصة التركية، حيث كانت تبحث زهرة عن مزودين لتقليعات نسائية جديدة، ولم تعد للوطن الا بعد شهر لتدخل العمارة في صفة زهرة الحقيقية وهي في أناقة بادية رغم ما تعمدت أن تصبغه على نفسها من بعض علامات الاسى والحزن، كون أمها مريضة في بيت المرحومة خالتها، وقد تأخذها معها الى الخليج من أجل العلاج..

جمعت زهرة من البيت كل ما هي في حاجة اليه داخل حقيبتين جلديتين، ثم فتحت خزانتها الحديدية واخذت منها صندوقة صغيرة الحجم، ثقيلة الوزن ومحفظة مدرسية وضعتهما في احدى الحقيبتين، أحكمت سد باب شقتها، ثم دخلت المصعد الكهربائي تجر حقيبتيها الثقيلتين الى سيارتها..

أوقفت السيارة في مكان محروس، اخذت المحفظة المدرسية وتوجهت نحو أحد المصارف.. مكثت مدة غير يسيرة ثم عادت، ركبت سيارتها وانطلقت..

لم تسافر زهرة الى تركيا الا بعد ان درست أكثر من اتجاه لضمان استمرارما تريد تنفيذه، فهي لن تترك حياتها للصدفة، ولن تفكر في العودة الى حرفة حلمها التي وفرت منها الكثير من الاموال، والتي لا يمكن أن يحلم بها موظف ولو كان ساميا بأجرة مرتفعة..

دخلت زهرة عالم التسول إثر حلم، وأصرت على ركوبه كوسيلة لبلوغ غاية أدركتها من متابعتها لأهل التسول، كونهم اقوام ليسوا فقراء كما يتظاهرون، وانما بنوا مدارجهم على الخداع والجشع، والصبر على عادة تولد كنزا، وقد غامرت بنفسها لتجني من وراء التسول ما يحقق لها غاية محددة في الزمان، وان الخبرة التي خرجت بها قادرة ان تجمع منها مجلدات من المشاهدات والمواقف لا عن المتسولين فقط وحيلهم، وانما كذلك عمن يتعاملون معهم من محترفي السياسة والنقابات وادارات حكومية، ولكل فئة من هؤلاء غاية يتوسلها من وراء غض الطرف عن التسول لربح يجنيه.

هكذا بنت زهرة خطتها، وحددت اهدافها، ورسمت طريقا لمشروع تجاري وما يتطلبه من استراتيجية للتسوق والتمويل والدعاية والاعلان لماهي مقبلة عليه..

لقد استطاعت زهرة أن تتعامل مع أكثر من شركة تتزود منها بما تريد بعد اختيارات دقيقة، كما تمكنت من ضمان أكثر من موزعة في مدن مختلفة، مستغلة خبرتها وعلاقاتها السابقة وهي تشتغل في متجر الملابس...

بعد ثلاثة اشهر من فتح متجرها الالكتروني وجدت في صندوق بريدها المنزلي رسالة تدعوها لمكتب عميد مركز الشرطة الاقليمي لأمر يهمها..لم يأخذها خوف من الرسالة لأنها تعلم انها تعمل في الوضوح وأنها اتخذت كل ما يلزم من الاجراءات الادارية قبل فتح متجرها الالكتروني، لكن ركبها شيء من التفكير القلق:لماذا ؟ ربما وصل الى علم السلطات ما توهمت انه بقي سرا في صدرها، وقد شرعت الدولة في تفعيل قانون تجريم التسول، لكن لن تطبقه بمفهوم رجعي وهو ما قد ينطبق عليها، فالدولة لم تخرج قانونها من بين الرفوف كما أخرجت غيره كقانون من أين لك هذا ؟الا بعد ضغط من قبل جمعيات المجتمع المدني، ولن تلبث أن تطويه كما تعودت بعد أن تهدأ الضجة..

جلست زهرة أمام ضابط الشرطة، قدمت له بطاقة تعريفها، سألها، وقد لاحظت تركيز نظره على صدرها وكأنه يتفحص مقاييسه:

السيدة زهرة هل يمكن اخباري بمصدر أموالك ؟

أثارته بسمة مقتضبة منها، فقال: أسألك لتجيبي لا لتضحكي..

رجل تنقصه دقة الملاحظة وقراءة من يجلس أمامه، توهم ضحكتها اغراء أو محاولة للاستدراج..

قالت وقد سددت اليه نظرات من قوة ذكائها: وأنا مستعدة أن أجيبك بشرط ان تخفف من نظراتك الى صدري.. ظننت الاستدعاء من أجل شيء عاد، أما وهو محضر عن مصدر الأموال فهنا يلزمني استدعاء محامي..

احست زهرة باضطراب الرجل وهو يتململ في مكانه، ركز النظر في بطاقتها الوطنية ثم قال:

ـ لم نصل بعد الى هذه المرحلة..

بسرعة داهمته بقولها:سأكون صريحة معك حتى أكفيك كثرة التخمين والتأويل، وضياع الوقت، بل وحتى سوء الظن، فانا لم أحتل يوما منصبا يؤهلني لان أمد يدي لأموال عمومية أو خاصة، ولم اشتغل يوما في المضاربات العقارية أوالتهريب، ولا دخلت سوق المخدرات بالتعاطي او التجارة، أول أموالي جمعتها من عملي في متاجر ومكاتب مهن حرة، ثم من عطايا رجل أحسن الي بعد احسانه لوالدي يمكن أن ازودك بعنوانه ورقم هاتفه اذا شئت..

كان الضابط يقتفي أثر كلماتها باندهاش، فقد أخرسته صراحتها وشجاعتها وطلاقة لسانها، من تكون هذه السيدة بالضبط ؟

تابعت بعد صمت:

ثم جمعت الباقي والكبيرمن حرفة التسول..

استغرب الضابط من اعترافها العفوي، استغرابه من برودة دمها وهي تكشف عن حرفتها، فضحكت عيناه في اندهاش وقد قطب ما بين حاجبيه وهو يلتقط عبارتها الأخيرة..

تابعت: نعم ست سنوات من التسول، تجارة المذلة والنفس الصغيرة واليد السفلى ولكنه مشروع للاثراء السريع.. ومنفعة للوصوليين في هذا الوطن..أليس كذلك ؟

انخرس الضابط امام صراحة زهرة،، وشجاعة اعترافها عما في نفسها، ووجد نفسه أمام أنثى من طينة خاصة، لا تريد أن تخفي حقيقة، محضر مفتوح لا يواري صغيرة ولا كبيرة أو يزيف حقيقة، ابهرته بجمالها قدر انبهاره بدقة ملاحظاتها وصراحتها، ونظرتها الذرائعية للحياة..

انتظرت زهرة أن يقول الضابط شيئا فبادرته: سيدي الكريم !!.. في الحقيقة أني اتبعت الطريق القبيح والمذل، طريق بلوغ النتيجة بقطع النظر عن عواقب الوسيلة لاكتسب قدما راسخة في حياتي، لكني أؤدي ضرائبي عن آخرها، وما سبق أن اسأت لاحد، او سرقت أحدا، فمن هذا الذي قدم بي شكوى حتى اعادني الى ماضي مذلة التسول وأنا أجاهد النفس على محوها من حياتي...

رفع الضابط راسه اليها وقد وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه، فهو لم يستدعها رسميا بعد بحث وتدقيق وتكوين ملف وانما استدعاها وشاية من أخيه الحاج الذي أوهمه أن السيدة ربما تتاجر في الممنوعات، قال:

سيدتي الكريمة أكبرت فيك هذه الشهامة فكل كلمة منك كانت تحفر في نفسي بصدقها وضوحا بلا التواء..كل كلمة كانت درسا ابلغني خطئي وثقتي الزائدة في مهنة منطلقها الشك والتحري...

تنهد وكأنه يحس بندم انسياقه الى استدعائها، تطلع الى وجهها والذي لم تغب عنه سحنة الرضى ثم قال: هل تعرفين السيد حمدون.. ؟

تبسمت، وحركت راسها ايجابا ثم قالت: طبعا أعرفه، هو زوج السيدة المحترمة صاحبة متجر الملابس في الشارع الرئيسي.. أليس كذلك؟

حرك الضابط راسه بالايجاب وقال: هو من قدم بك شكاية باسم بعض أصحاب المتاجر.. فمتجرك الالكتروني.. قد ضايقهم..

قالت مستنكرة: ضايقتهم بمتجري الالكتروني !!.. أنا لست فراشة في شارع حتى اضايق المتاجر، لكن ليس غريبا أن يصدر هذا منه، نفوس تتستر باللحي والجلابيب وفي اعماقها يرتع إبليس.. شكرا سيدي، قم بواجبك وانا مستعدة أن اجلس معه أمام قاضي التحقيق، وأقف معه في المحاكم..

قام الضابط من مكانه، اعاد لها بطاقتها الوطنية، وشكرها على صراحتها وصدقها فقالت: والمحضر ألا اوقعه ؟ ضحك وقال:انا لم أكتب محضرا، اصارحك أنا اخو حمدون، فدعيني اتصرف بما سيرضي ضميري لا عاطفتي..

تقدمها الى ان فتح لها الباب بنفسه، جدد الاعتذار لها، ثم ودعها وفي صدره اثر من التقدير بليغ، وندم على تسرع مقيت..

تغادر زهرة مقر الشرطة وهي تخزي نفوسا حقيرة، تغلغلت فيها ثقافة من عادات تؤمن بالاقوال بلا أفعال، وبالمظاهر زي خداع، ثقافة يرتديها البعض ومنها يشكل نسيجه الفكري، ومظهره المتناقض ؛كما تتأسف لموقف ضابط استغل منصبه ونفوذه لتلبية رغبة اخيه، بلا حجة ولادليل، دون أن يدرك خطورة ما فعل وهو ابن القانون...

تخرج زهرة الى الشارع وقد تركت مركز الشرطة خلفها، تقابل حركات الناس السريعة وكيف يتهافتون على أعمال ينجزونها، وسعادة يتوسلونها، كل بطريقته الخاصة..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

في نصوص اليوم