نصوص أدبية

اليوم الأول

في المساء وعند محاولة خلوده الى النوم، راودته أفكاراً كثيراً ومختلفة عن الجامعة التي قُـبل للدراسة فيها، راح يفكر في سنواتها ونوع الدراسة فيها، التي في ضوئها سيتحدد مستقبله، فكر وتساءل في نفسه : من سيكون أصحابه في الجامعة أو القسم الداخلي؟ وأساتذته بماذا سيختلفون عن مدرسيه في الثانوية؟ كيف سيعيش هذه السنوات؟ والبنات، ماذا عن البنات اللواتي سيتعرف عليهن؟

في صباح اليوم التالي، مبكراً ارتدى ملابسه التي رافقها احساس للوهلة الأولى أنها مختلفة عن ما كان يرتديه في السابق، البنطال باللون الرصاصي، والقميص باللون الأبيض، هكذا قال له صديقه الذي سبقه بالقبول والدراسة بجامعة الموصل، مؤكداً عليه هذا هو الذي يسموه الزي الموحد المطلوب ارتداؤه كل يوم في الجامعة طوال السنوات التي ستقضيها فيها،  شعور غريب انتابه، شعر بزهو في نفسه، إنه الآن مختلف عن السابق حقاً، وحينما ألقت به سيارة الأجرة في شارع فلسطين ببغداد، ساقته قدماه الى أقرب بوابة كانت أمامه ليدخل الى الجامعة المستنصرية أول مرة، دخل فضاءً واسعاً، تنتشر فيه أبنية عالية، وحدائق غناء، إنها جامعته التي خطى فيها اليوم أولى خطواته نحو المستقبل في أول يوم جامعي في حياته .

كان مبهوراً بالمكان الذي لم يكن قطعاً يشبه مدرسته التي اعتاد على بنايتها، طلبتها، غرفها، وممراتها الضيقة، نعم كانت مدرسته مختلطة، ولكن أي اختلاط هذا الذي يتحدث عنه اليوم، شعر لوهلة أنه في عالم مختلف لم يألفه من قبل .

بغداد العاصمة التي زارها مراراً وتكراراً، كأنه اليوم يدخلها كالفاتحين أول مرة، عالمه الجديد أكبر بكثير من أن يحكم عليه مديره المتسلط بقبضته الحديدية . وعندما بدأت خطواته يتبع بعضها البعض الأخر ببطيء، راح يتذكر مدينته الصغيرة التي فارقها قبل ساعتين من الآن، أزقتها الضيقة، حاراتها المتعبة التي وطأتها أقدام المتعبين، كان عالمه محدوداً، أطراف محلته معروفة الملامح، معلومة الحدود، طريقه الى مدرسته الذي يكاد لا يغيره، الوجوه التي اعتاد رؤيتها .

الآن، راحت الوجوه التي لم ير مثلها من قبل تمر من أمام عينيه، تملأ باحات الجامعة وأروقتها، وحدائقها التي تفوح منها رائحة ربيع مضى، الأصوات الدافئة تتداخل نغماتها بألحان عذبة الى مسامعه، الضحكات صارت تملأ فضاء روحه . .

وتدافعت الأسئلة في ذاكرته بحثاً عن اجابات كان بأشد الحاجة اليها، كيف سيتكيف مع عالمه الجديد؟ الى أين سيذهب؟ وأي الممرات تؤدي الى كليته؟ ومن يا ترى سيكونون أصدقاءه في السنوات الأربع القادمة؟ ما طبيعة دراسته؟ ما شكل أساتذته؟ ومن من هذا العالم الصاخب المجنون ستكون حبيبته؟ وكيف سيختارها؟

وقبل أن يجد الإجابات لأسئلته المتعددة، كان قد دخل رويداً، رويداً في الزحام الجميل الذي صحى عليه ذات يوم ليأخذه بملابسه التي يرتديها أول مرة بألوانها الثلاثة التي تمثل الزي الموحد، حاملاً ذاكرته المليئة بالذكريات الى ذات الباب الذي دخله قبل أربع سنوات ليأخذه الى شارع فلسطين حيث ذكرياته الأولى . . .

***

د. ستار البياتي - بغداد

في 23/1/2003

 

في نصوص اليوم