نصوص أدبية

اسماعيل مكارم: حصيرم والأستاذ الجَهبذ

قالوا له للمرة السّبعينْ:

- اِحْذر العاصِفهْ.

قال:

- ليكن ما يكون.

قالوا:

-أنتَ لم تمتْ بعدْ

بل ماتَ قبلكَ ألفُ ألفٍ

وستة ٌوأربعون!

الأمرُ لا يعنيني،

لا يهمني من ماتَ ومن بقيَ حيّا.

دعوا السّنين وشأنها،

دعوها  تمشي،

دعوها  تسير،

منذ أكثر من عقدِ

ننتظرُ هذا القادمَ العظيمْ .

من كان لا شأنَ له، عليه أن يصبحَ من الأولين!

*

أستاذ ُ الجامعةِ الجهبذ

أصبحَ  ناشطاً  سياسياً،

وأعلنها ثورة ً ...

من هناكْ

من قصور الجَواري والعبيدْ

من هناكْ

من مُدن العهر والضّبابْ

َسمعناه يردّدُ ويصيحْ:

هبوا لقد طلعَ النهارْ.

هبوا ضدّ أصحابِ السّعادةِ والفخامةِ

والوقار.

-2-

تدحرجتِ الأحداثُ،

مرتِ الأيامُ تلوَ الأيام،

والأشهرُ تلوَ الأشهرْ،

سَقطتِ الأقنعة ُ

مثلَ أوراق الخريفْ ،

بقي الأطفالُ بلا سَقفٍ

أو جدارٍ أو رغيفْ.

افترش العيالُ أرصفة الطريقْ،

سَدّ الأوباشُ أبوابَ المخازنْ،

وشبّ في كل ناحيةٍ حَريقْ.

تكسّرت أبوابُ البُيوتْ،

صار المَحظورُ مَسموحاً والمَسموحُ مَمنوعا،

ساد الرّعبُ في كل مَكانْ.

دخلتِ البلدة ُ عالمَ الحِكايهْ

كان يا ما كانْ

لقد رجعنا الى بدايةِ الزمانْ.

هنا الخوفُ

هنا السّقوط ُ

هنا القساوة ُ

هنا دموعُ بنتٍ غدَرَ الثوارُ بها،

وهناكَ  جدرانٌ  مبقورهْ،

وفي البلدةِ بارودٌ وظلامْ.

لقد دخلنا الحِكايهْ

كان يا ما كانْ

لقد عُدنا الى بدايةِ الزّمانْ.

-3-

في مَلاجئ السّلامهْ،

هناكَ في مُدن الحريرْ

أستاذ ُ الجامِعةِ الجهبذ ،

تذكرَ دعوة َ ذاك الحِمارْ!

في الدعوةِ سرٌ وإصرارٌ وغبنْ.

لكنّ في موطنِ الأحرار والحريهْ،

لا يجوز حتى للحِمارْ

أن يرفضَ الدَعوه . (2)

-4-

دَوّن قراراتِ أصدقاء سوريه..

تصفحْ تلكَ القراراتْ

القديمة َمِنها والجَديدَه،

واقرأ

إقرأ عن مُحبي سوريه.

ألا تذكرُكَ تلكَ السّطورُ

بثعابينِ الحُقول ِ

وعقاربِ القبورْ ؟

-5 -

ضِعنا  ... وضاعتْ

تلك العَناوينُ القديمَه.

اختلفَ أصدقاءُ الأمسْ،

مشى كلّ في طريقِه.

عندما تنفرط السّبحة ُ

لا يبقي منها

سوى الخيط الأسودْ.

أصبحَ أصدقاءُ الأمس ِ

غيرَ قادرين على التمييز

ما بينَ السّوادِ

وما بين البياضْ،

دخلتْ مَحطاتُ زيتِ الكاز

مركزَ الوعي واللاوعي

لّديهمْ.

عُيونهم

أصبحتْ ليستْ تلكَ العُيونْ.

ذاكرتهم

أصيبتْ بمرضِ النسيانْ.

أحلامُهم

صارت مُلوّنة ً.

شفاههم

فقدتِ الابتسامَهْ.

غلبَت عليهم نزعة ُ الانتِقامْ:

( ليكنْ ما يكون).

**

أصبح رفاق ُ الأمس ِ

غيرَ قادرين على التمييز

ما بينَ السّوادِ

وما بينَ البياضْ.

***

د. اسماعيل مكارم

روسيا الاتحادية - كراسنودار في أوائل آب 2014

...............................

1 ) حصيرم: اسم من رواية شعبية منتشرة في جنوب سورية، عن بدوي كان زعيما لاحدى العشائر أعجبه كيفَ يَعدو الجحشُ الصغير فاقترح على أبناء العشيرة أن يبيعوا الخيل ويشتروا بدلا منها الجحاش، وفعلا صار كما أراد ولكن ندمهم كان عظيما بعد أول غزو  عليهم،  وصار الأمر مثلا يُقال - مشورة حصيرم  لقومِه!!  إذا كانت الخيول في الماضي تأتي بأهميتها بعد العرض والأولاد، ومرتبطة بالعزة والشهامة، فإن الوطن اليوم يأتي بمرتبة الخيول في الماضي، ومن الخطأ الكبير تبديل ماهو أصيل بما هو مبتذل لا قيمة له.

2) في الذاكرة الشعبية عندما يرادُ وصف استغلال انسان ما في أمرٍ لا يعود عليه بالفائدة يُقال (عزيمة حمار على العُرس)!

في نصوص اليوم